لكتابات جابر عصفور النقدية وقع خاص في مسار الكتابة النقدية المعاصرة، فلغته العالية وأسلوبه البديع وبصيرته النقدية وتمرسه للكتابة سنوات طويلة وخبرته الثقافية؛ كل تلك الجماليات وكل تلك المكونات أضفت على كتابته جملة من المميزات وصبغت رؤيتها النقدية بهذا الجمال، واليوم يخرج لنا ناقدنا الكبير الدكتور جابر عصفور كتابه الجديد "القص في هذا الزمان" الصادر مؤخراً عن الدار المصرية اللبنانية والذي يتحور حول السرد الروائي وقضاياه، وهو أمر هيمن على معظم الدراسات النقدية في السنوات العشر الأخيرة. يقول الدكتور عصفور في مفتتح كتابه:" وانطلاقاً من هذه الأفكار الجديدة، لم أتخل عن إيماني بأننا نعيش زمن الرواية بل فتحت أفق هذا الزمن ليغدو زمناً للقص أو السرد إذا شئنا التحديد الاصطلاحي، ووصل بين اهتمامي بالتأصيل واهتمامي بالتحليل لنماذج بعينها من القص، أقبلت عليها لتميزها الإبداعي، فحاولت أن أقرأها قراءة متعة، تأمل أن تعدي بتأثيرها القارئ المهتم، وذلك بعد تأصيل تاريخي لفجر الرواية العربية". هذا وقد انطوى الكتاب على قسمين هامين حمل الأول منه عنوان تأصيل تناوله فيه ابتداء زمن الرواية وملاحظات منهجية أشار فيه إلى الكتابات التاريخية لفن السرد مثل كتاب "فجر القصة المصرية" ليحيى حقي وكتاب "دراسات في القصة والمسرح" لمحمود تيمور وكذلك الكتاب الهام للدكتور عبدالمحسن طه بدر والموسوم ب"تطور الرواية العربية الحديثة في مصر"، كل تلك الكتب التي أتكأ عليها الناقد عصفور مهدت له بذكر جمهرة من الروايات المبكرة التي نشرت منذ عام (1865م) وكانت لفرانسيس المراش والموسومة (غابة الحق) وما تلا ذلك من أعمال روائية هي ارهاصات في حقيقتها حتى تم خلق نموذج مميز للفن الروائي على يد الدكتور محمد حسين هيكل عبر روايته الأولى (زينب) وكذلك بروز طبقة الأفندية في مصر من أبناء الطبقة الوسطى الصاعدة الذين أنتجهم التعليم المدني فوجدوا في فن الرواية صوتهم المائز إبداعياً إلى جانب أن الرواية غدت شعاراً لطلائع الاستنارة وتمرداً على جمود العقل ودعوة إلى التغيير وصوت المضطهدين. في حين اختار عصفور القسم الثاني من كتابه ليكون حاملاً لقراءاته لجملة من الأعمال الخالدة في فن الرواية، ومن أبرز هذه الروايات التي ناقشها الدكتور جابر: "عصفور من الشرق" و"زينب" و"موسم الهجرة إلى الشمال" و"البيضاء" و"خلوة الغلبان" و"مرافعة البلبل في القفص" و"فردوس" و"تغريدة البجعة" و"ن" .