أصدر وزير الثقافة في مصر الناقد الدكتور جابر عصفور، كتابا جديدا بعنوان «القص في هذا الزمان»، عن الدار المصرية اللبنانية في 408 صفحات من القطع المتوسط، ويستكمل الكاتب والناقد المصري دراسته التأصيلية، المراوحة بين التنظير والتطبيق لفنون السرد المعاصر، فالكتاب الجديد عبارة عن استكمال لترسيخ المقولة وتدعيمها بمزيد من استئناف النظر في «القص في هذا الزمان»، عبر فصوله ودراساته المتصلة المترابطة في سياقها الكلي. وبعد أن كانت الفكرة في البداية تعبيرا عن وضع جديد، لاحظ عصفور أنه أصبح قائما في الأدب العربي المعاصر، أعيد خلاله ترتيب البيت، أو حلّ معه تراتب جديد بين «أنواع» هذا الأدب، ارتحلت الفكرة من حيز هذا التوصيف النقدي، الهادئ المحايد، إلى نطاق السجال الملتهب، واقترنت قراءاتها بطرائق من التأويل رأت فيها «زحزحة»، وربما «نفيًا»، للنوع الأدبي الذي ظل فن العربية الأول لقرون طويلة ممتدة؛ أي الشعر. استهل عصفور التقديم لكتابه الجديد تحت عنوان «مفتتح»، حمل فكرة الكتاب الجوهرية وبناه على اقتباسات دالة وكاشفة من كتاب «نظرية الأدب» للناقد الشهير جوناثان كوللر، تحديدا من الفصل الذي عقده للقص. وأراد من الفقرات التي أوردها من الكتاب «إضافة وجهة نظر جديدة في الزمن الإبداعي الذي نعيشه ونصفه بأنه زمن الرواية، الزمن الذي تخلى فيه الشعر عن عرشه القديم بوصفه أرقى أنواع الأدب، متنازلا عن انفراده التقليدي بقمة التراتب الأدبي إلى غيره من الأنواع المتصارعة في تكافؤ المكانة، بل المتنافسة في شكل جديد من التراتب الذي استبدل بالشعر الرواية». وعن لماذا القص؟، يجيب عصفور: « لأنه هو سبيلنا الأساسي في تعقل الأشياء، سواء في تفكيرنا بحياتنا من حيث هي تقدم متتابع يفضي إلى مكان ما، أو في معرفتنا بما يحدث في العالم. إن التفسير العلمي يتعقل الأشياء بوضعها ضمن قوانين، ولكن الحياة ليست كذلك بوجه عام، فهي لا تتبع المنطق العلمي للسبب والنتيجة وإنما منطق «القصة»، وبحيث يعني الفهم إدراك الكيفية التي يفضي بها شيء إلى آخر». وبناء عليه فإننا «نتعقل الأحداث من خلال قصص ممكنة، ويذهب فلاسفة التاريخ إلى أن التفسير التاريخي لا يتبع منطق السببية العلمية وإنما منطق القصة، فلكي تفهم الثورة الفرنسية، مثلا، عليك فهم السرد الذي يظهر الكيفية التي أفضى بها حدث إلى غيره، فالأبنية السردية منتشرة في كل مكان». وينقسم الكتاب إلى جزءين، الأول اشتمل على «تأصيل» بعنوان «ابتداء زمن الرواية.. ملاحظات منهجية»، أشبه بمهاد نظري طويل ومفصل، عالج فيه عصفور عددا من القضايا الإشكالية المتعلقة بنشأة الرواية العربية، وموضوعاتها التي ارتبطت بها وتقاطعها مع غيرها من المسائل المتعلقة بتأصيل نوع أدبي جديد في التربة العربية. أما الجزء الثاني، وجاء بعنوان «قراءات»، وهو الجزء الأكبر والأضخم، فيضم جانبا من الدراسات المتصلة والقراءات النقدية التطبيقية التي قدمها عصفور لعدد من أبرز النصوص والروايات العربية التأسيسية: «زينب» لمحمد حسنين هيكل، و«عصفور من الشرق» لتوفيق الحكيم، و«قنديل أم هاشم» ليحيى حقي، مرورا بأعمال الطيب صالح «موسم الهجرة إلى الشمال»، ويوسف إدريس، ويحيى الطاهر عبدالله، وإبراهيم أصلان، ومحمد البساطي، ويوسف القعيد، وصولا إلى محمود الورداني، ومكاوي سعيد، وسحر الموجي.