منذ خمس سنوات طرح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مبادرة انشاء امانة دائمة لمنتدى الطاقة الدولي، اثناء افتتاحه للمنتدى الدولي السابع الذي عقد في الرياض في شهر نوفمبر من العام 2000م. ولا شك ان لهذه الفكرة وقبولها بل تأييدها العالمي سببا منطقيا وحاجة واضحة، كما انها علامة واضحة على تغير الأوضاع الدولية، حيث بدأ يتضح للدول المنتجة والدول المستهلكة للبترول، على حد سواء، ان هناك رغبة وحاجة للعمل معاً من اجل نتائج تستحق اهتمامنا جميعاً، لانعكاساتها الإيجابية على الجميع. فالعلاقات بين الدول المنتجة والدول المستهلكة شهدت فترات صعبة جداً، وكذلك فترات جيدة منذ منتصف القرن العشرين. ونظرة تاريخية مختصرة ومتبصرة توضح ذلك، ففي البداية كان الصراع على اتفاقيات الامتياز بين الدول المنتجة والشركات العالمية، وتلا ذلك عمليات تأميم اعمال بعض شركات البترول العالمية التابعة للدول المستهلكة من قبل حكومات الدول المنتجة. ونتيجة لشعور بعض الدول المنتجة بالضعف والغبن، قامت بإنشاء منظمة الدول المصدره للبترول (أوبك) في عام 1960م، من اجل تبادل المشورة وتنسيق سياسات هذه الدول مع الشركات العالمية في مواضيع مثل الضرائب والدخل والأسعار وغيرها. ونتيجة لبعض التطورات البترولية التي من اهمها زيادة الطلب على البترول ومحدودية الطاقة الإنتاجية لدى الشركات الكبرى، بدأت دول الأوبك مع بداية السبعينيات الميلادية، ولأول مرة بالسيطرة على السوق وتحديد الأسعار. وكانت بعض الدول المنتجة تسعى الى تحقيق اعلى الاسعار الممكنة وبأي شكل كان.. وقد يكون سبب هذه الرغبة، اما لاعتقادها ان البترول ثروة ناضبة في الوقت القصير (عشرون او ثلاثون عاماً كما كان الاعتقاد آنذاك)، او من اجل الحصول على اعلى دخل ممكن في فترة قصيرة بغض النظر عن المستقبل. ونتيجة لعدة تراكمات، وأسباب، كان الإختلاف بين الدول المنتجة للبترول والدول المستهلكة يزداد حدة، ومن هنا قامت الدول المستهلكة الرئيسية بإنشاء وكالة الطاقة الدولية في عام 1974م، من اجل تنسيق سياسات الدول المستهلكة والعمل على تخفيض الاعتماد على البترول، وبالذات البترول المستورد من دول الأوبك. ولهذا، فليس من المستغرب ان يشهد عقد السبعينيات والثمانييات صراعاً بين الدول المنتجة والدول المستهلكة للبترول، وهو صراع غير مبرر. وقد أدى الى سوق بترولية في وضع غير واضح المستقبل وغير مستقر. فسعر البترول تذبذب بشكل غير عادي، من حوالي دولارين في عام 1970م الى اعلى من 40 دولاراً في عام1980م ثم الى اقل من عشرة دولارات في عام 1986م، وكان وضع العرض والطلب آنذاك غير مستقر. ومن الممكن القول ان الدول المستهلكة للتبرول كانت متخوفة بشكل واضح من امن امدادات الطاقة خلال الاعوام 1972م الى 1982م. كما ان الدول المنتجة اصبحت متخوفة بعد ذلك بشأن قضايا مثل امن الطلب، انخفاض اسعار البترول، ووجود طاقة انتاجية فائضة من الصعب ادارتها. ولقد شهدت بداية عقد التسعينيات ثلاثة تطورات لها تأثيرها الواضح على السوق البترولية الدولية، بما في ذلك العلاقة بين مختلف الأطراف في السوق.. وهذه تشمل انهيار الإتحاد السوفييتي، الذي غير في وضع النظام الدولي على كافة المستويات، ثانياً النمو الاقتصادي العالمي، وبالذات التطور في اقتصاديات دول جنوب شرق آسيا والذي ادى الى تحول كبير في مناطق الطلب على البترول، وثالثاً الغزو العراقي للكويت، والذي جعل العالم يدرك اهمية وجود طاقة انتاجية بترولية فائضة لتعويض اي نقص طارئ في الإمدادات. ونتيجة لهذه التطورات، بدأت الدول المستهلكة والمنتجة تحس ان هناك مصالح كبيرة تجمعها، وأكبر مما كانت تدرك: فالهدف المشترك هو سوق بترولية مستقرة في كل الأوقات. الا ان سوقاً بترولية مستقرة لا يمكن تحقيقها اذا كانت الدول المستهلكة والدول المنتجة في حالة خلاف، ومن هنا جاءت الدعوة الى عقد لقاء بين هذه الدول المنتجة في اواخر عام 1990م، وقد تم تحقيق الاجتماع في العام التالي في العاصمة الفرنسية باريس، ليكون بذلك اول اجتماع وزاري بين الدول المستهلكة والمصدرة للبترول وبمشاركة فعالة من وكالة الطاقة الدولية ومنظمة الأوبك، والذي كان «محرما» على مسؤوليها اللقاء بشكل رسمي او حتى بشكل غير رسمي. وكانت بداية جيدة، وكان الهدف ان تستمر الاجتماعات والنقاش من اجل الوصول الى افضل النتائج الممكنة، وخلال السنوات التالية استمرت اللقاءات بشكل جيد، الا انها لم تكن بالشكل الذي يتمناه المرء، فلم يكن هناك هدف او اتجاه واضح، بالرغم من وجود اعتقاد طبيعي بأن مصالح الدول المنتجة والمستهلكة للبترول مرتبطة بشكل كبير. ولا بد من الإشارة الى ان الاجتماع الوزاري السابع للمنتدى في الرياض، كان متميزاً ليس فقط من ناحية تنظيمه وعدد ونوعية المشاركين فيه، ولكن من ناحية طريقة عرضه للحوار الذي يتطلب الإستمرارية. ومن هنا، جاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بإنشاء امانة دائمة لمنتدى الطاقة الدولي.. والتي حظيت منذ اطلاقها بتأييد اغلب، اذا لم يكن جميع الدول الرئيسية المنتجة والمستهلكة للبترول والمنظمات الدولية ذات العلاقة الوثيقة بالطاقة. وبعد التأكد من ان هذا الاقتراح حظي بموافقة ودعم دولي واضح، بدأت وزارة البترول والثروة المعدنية في المملكة في تحويله الى واقع عملي، وقد تم في هذا الخصوص انشاء لجنة داخل الوزارة برئاسة سمو مساعد الوزير لشؤون البترول، وبإشراف مباشر من معالي الوزير، والتي قامت بإعداد الخطوات الرئيسية اللازمة لذلك. وكانت البداية اعداد مشروع اولي يوضح طبيعة وطريقة عمل الأمانة العامة المقترحة.. هذا المشروع الأولي تم ارساله الى عدد من الدول والمنظمات الدولية، وكذلك بعض الخبراء الدوليين. وكما كان متوقعاً فقد حصلنا على ملاحظات ايجابية وجيدة، وذات فائدة واضحة في بلورة نظام جديد لم يسبق تطبيقه. وقد تم أخذ أغلب الملاحظات والإقتراحات من مختلف الدول والمنظمات في الإعتبار عندما تم اعداد المسوده الثانية. هذه المسودة الجديدة تم كذلك توزيعها على بعض الدول المهتمة بالموضوع، كما تمت مناقشتها في اجتماعات خاصة مع وكالة الطاقة الدولية ومنظمة الأوبك. وبعد هذا كله لدى وزارة البترول والثروة المعدنية مسودة لمشروع هام، تحظى بالموافقة والارتياح من معظم الدول والمنظمات المعنية، ومن هنا فقد تم في شهر يناير عام 2002م وبشكل رسمي إرسال المسودة المطورة الى كافة الدول المقترح مشاركتها وذلك من اجل الحصول على موافقتها وملاحظتها النهائية.. إمتداداً لهذا فقد تم عقد إجتماع مجموعة من الخبراء من الدول المعنية في الرياض في 7 ابريل 2002، من أجل مناقشة المسودة شبه النهائية للأمانة العامة المقترحة. وتلى ذلك إعداد المسودة النهائية التي تم طرحها في الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى الطاقة الدولي الذي عقد في أوساكا في اليابان في شهر سبتمبر 2002م، حيث تمت الموافقة النهائية عليها وبالإجماع. وبالنسبة لطبيعة عمل وتنظيم الأمانة العامة لمنتدى الطاقة. فتعد، بشكل أساسي، وحدة دولية مستقلة لاتسعى الى الربح، كما أنها ليس لها قوة في إتخاذ القرارات المستقلة وذلك فيما يخص الدول والمنظمات المرتبطة بها، كما ان نشاطاتها لاتتعارض أو تتماثل مع أنشطة وأعمال منظمات الطاقة الدولية الأخرى. لذا فإن هدف الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي هو تعزيز الحوار والتعاون، وترسيخ العلاقة بين الدول المنتجة والمستهلكة للبترول والغاز، وكذلك شركات الطاقة والجهات المختلفة ذات العلاقة والإهتمام بقضايا الطاقة المختلفة.. كما ان الأمانة تعمل على استمرارية الحوار، وبالذات مابين فترات إنعقاد المؤتمرات الوزارية للمنتدى. ومن خلال هذه الأهداف العامه، فإن عمل الأمانة العامة يركز على التالي: أولاً: تقديم الاستشارات، والعمليات التنظيمية للدولة المضيفة للمؤتمر الوزاري لمنتدى الطاقة الدولي، وذلك من أجل التأكد من وجود مشاركة فعاله، وتبادل جيد وواضح للآراء والمعلومات ويشتمل هذا على مساندة الدولة المنظمة في عملية دعوة الدول المستهلكة والمنتجة للاجتماع الوزاري وكذلك مشاركة منظمات الطاقة الدولية المعنية. ثانياً: تسهيل عملية الآراء ومناقشة السياسات الخاصة بالبترول والغاز بين الدول المنتجة والمصدرة، وكذلك شركات البترول. ومن خلال هذا الهدف تعمل الأمانة العامة على تنظيم الندوات وحلقات النقاش، والمعارض، لطرح مختلف القضايا الدولية والإقليمية ذات الإهتمام. إضافة إلى ذلك تسعى الأمانة العامة، وبالتعاون مع منظمات الطاقة الدولية، والمعاهد، ومراكز الأبحاث، المشاركة في إعداد دراسات في قضايا الطاقة تهم الدول المنتجة والمستهلكة للبترول والغاز. فعلى سبيل المثال قامت الأمانة العامة العام الماضي 2004، وبالتعاون مع حكومة الهند بتنظيم مؤتمر وزاري للدول الرئيسة والمستوردة للبترول في قارة آسيا، وقد نجح هذا المؤتمر بشكل واضح. ولعل من أهم الأعمال التي احتضنتها الأمانةالعامة لمنتدى الطاقة، هو تبنيها وإشرافها على مبادرة المعلومات الدولية المشتركة (جودي)، فمنذ فترة طويلة كانت أغلب الدول، وشركات البترول، ومنظمات وخبراء الطاقة يدركون إنعدام الشفافية في السوق البترولية وإنعدام المعلومات الدقيقة في مختلف قضايا الطاقة مثل الإنتاج والإستهلاك وحركة المخزون وغيرها. وقد طرح هذا الموضوع بشكل قوي في إجتماع الرياض في عام 2000م، وبعد عدة إجتماعات دولية في هذا الخصوص، تقرر إنشاء نظام دولي شامل للطاقة تتولى مسؤولية الإشراف عليه الأمانة العامة لمنتدى الطاقة. وبجانب النشاطات المشار إليها سابقاً، فإن الأمانة العامة لمنتدى الطاقة تتولى عملية إعداد وتوزيع التقارير، والنشرات، والبيانات، والرسائل الإعلامية الخاصة بنشاط منتدى الطاقة الدولي، كما أن الأمانة العامة تسهل عمليات تبادل المعلومات والإتصالات فيما بين الدول والمنظمات المشاركة في المنتدى. وقد قامت المملكة، وكما تقوم عادة مختلف الدول التي تستضيف المنظمات الدولية، بتوفير المقر الدائم للأمانة العامة وذلك في الحي الدبلوماسي في مدينة الرياض. وبالنسبة للتنظيم الداخلي للأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي، ونظامها المالي.. فإنها صغيرة وعملية، تقوم بمهامها بأقل عدد ممكن من الأفراد والتكاليف. ويتم إختيار الأمين العام، والعاملين فيها على أساس كفاءتهم وتجاربهم فقط. والجهاز الأساسي للأمانة العامة هو المجلس التنفيذي، والذي يتكون من ممثلين لسبع عشرة دولة رئيسية منتجة ومستهلكة للبترول، تشمل الدول المشاركة في تنظيم المؤتمر الأخير والحالي للمنتدى، إضافة الى ممثلين لمنظمة الأوبك ووكالة الطاقة الدولية. ويجري الآن دراسة كيفية إعطاء دور واضح للصناعة البترولية. ودخل الأمانة العامة من المشاركة السنوية التطوعية من الدول الرئيسية المنتجة للبترول وحسب قاعدة علمية واضحة ومن التطوعات، ومشاركات المنظمات والمعاهد المهتمة، وكذلك الدخل الذي تحصل عليه الأمانة من جراء نشاطاتها. وتتطلع الأمانة إلى إنشاء صندوق مالي تطوعي من تبرعات الشركات ورجال الأعمال، لدعم أنشطة الأمانة، وليمثل دخله السنوي سنداً هاماً لعمل الأمانة. ختاماً وبشكل مختصر، فإن الأمانة العامة لمنتدى الطاقة تعمل على أساس أنها قناة للإتصال وتبادل المعلومات والتعاون بين الدول والجهات المعنية بالطاقة، وجهاز لتنظيم الاجتماع الوزاري للدول المنتجة والمستهلكة للبترول والذي يعقد كل عامين. ويدرك العالم توافق مصالح أطرافه وبالذات في القضايا الإقتصادية. ولاشك أن موضوع الطاقة بشكل عام، والبترول والغاز بشكل خاص، يعتبر أمراً أساسياً في عملية تواصل النمو والرخاء الاقتصادي العالمي.. ومن هنا، فإن هناك حاجة للعمل الجماعي من أجل سوق بترولية أمنة ومستقرة، ولاشك أن الأمانة العامة لمنتدى الطاقة ستساهم في تحقيق هذا الهدف. *المستشار بوزارة البترول والثروة المعدنية نائب رئيس لجنة تأسيس الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي