مسألة توطين الوظائف وسعودة العمالة في المملكة وإحلال الكوادر الوطنية واحتضانها واجب وطني في القطاعين الخاص والعام، وهي مقياس لوعي أفراد المجتمع وتفهمهم العميق وإيمانهم الراسخ بالبعد وبالانتماء الوطني. والقضايا الوطنية المهمة كحل مشكلة البطالة المنتشرة عالمياً، (ومع البشرى التي زفها للمواطنين سمو ولي العهد الأمين انطلاقاً من حرص الدولة على توفير الحياة الكريمة لكل مواطن) كما هي هاجس للقيادة وأصحاب القرار وشغلهم الشاغل فإنها يجب أن تكون ايضاً هم كل رجل أعمال سعودي ينتمي لهذا الكيان العظيم، لتكون جزءاً من رد الفضل لموطن الفضل ولأهل الفضل، وهي قيمة دينية واجتماعية متأصلة - بحمد الله - في نفس كل مواطن سعودي نشأ على هذا التراب الطاهر وتفيأ بظل هذا الكيان العظيم، واستمتع بواحة الأمن والرخاء والاستقرار والطمأنينة على ماله ونفسه وعقله ودينه وعرضه في صورة فريدة من نوعها. إن وجود عمالة كبيرة جداً من غير السعوديين في المملكة تتجاوز اعدادهم (6) ملايين مقيم، يحولون إلى بلدانهم مبالغ نقدية طائلة تتجاوز (50) مليار ريال سنوياً لتقفز المملكة فتحتل المركز الثاني بعد الولاياتالمتحدةالامريكية في التحويلات النقدية للمقيمين من غير المواطنين قضية يجب ترشيدها والحد منها، وعلينا نحن المواطنين دور كبير في تحقيق ذلك بجانب الجهد المشكور للدولة، فقد حان الوقت لأرباب المال والأعمال من اصحاب الشركات والمصانع والمؤسسات الكبيرة والصغيرة أن يراجعوا أدوارهم وان يقف كل انسان مع نفسه وقفة مراجعة ليقارن ما قدمه لهذا البلد بل الأم الحنون التي رضع من ثديها واستظل بظلها وسهرت على راحته واستقراره وأمنه وهدوئه ووفرت له ولأسرته الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية المجانية بلا منة، ونشأته تنشئة كريمة حتى وصل إلى ما وصل إليه الآن، وأن يقارن ما يرده لها من جميل بما جمعه من خيرات وما اكتسبه منها من نعم كثيرة، بل ان يقارنه بما قدمه البررة المخلصون للوطن وهم بحمد الله أكثر من أن يحصوا في هذا البلد المعطاء. إن الغيرة الوطنية والانتماء الوطني هما صفتان موروثة بفضل الله في نفس من يحمل الهوية السعودية والشواهد والبراهين اكثر من ان تعد؛ فقد ساهم الغيورون المخلصون وهم المواطنون في هذا البلد العزيز مساهمة كبيرة وفاعلة جداً في عمليات التنمية الشاملة وفي تشييد هذا الصرح العظيم والكيان الشامخ منذ ان تأسست هذه الدولة الفتية على يد المغفور له الملك عبدالعزيز رحمه الله وقدموا أروع صور البطولات في الدفاع عن الوطن والذود عن مقدراته ومكتسباته مما نتج عنه هذا التلاحم والوحدة العظيمة. إن علينا، نحن المواطنين جماعات وأفراداً، مؤسسات صغيرة وشركات عملاقة أن نعي دورنا الحقيقي في موضوع السعودة وأن نسهم إلى حد كبير في مساعدة الدولة بتأدية رسالتنا جميعاً في تحقيق هذا الهدف الوطني النبيل حيث ان شعور كل منا بواجبه الوطني تجاه اخوانه المواطنين (ذكوراً وإناثاً) وتفهمه لمفاهيم وأبعاد ومضامين الحس الوطني قيمة دينية واجتماعية لا مراء فيها، وحينما اشار سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز ذات يوم إلى أن السعودة هدف استراتيجي فقد أعلن على الملأ بأن الدولة تنظر لأن الوقت قد حان لأن يعي كل منا دوره في تحقيق هذا الهدف، ومطلوب من الجميع تأدية الأدوار المتوخاة منهم في أكمل وجه، فعلى المستوى الشخصي للأفراد يجب أن يراجع كل فرد منا حاجته الشخصية في منزله وفي مقر عمله من العمالة الاجنبية، فقد يمكن الاستغناء عن بعضها او كلها، وعلى أصحاب الشركات والمؤسسات والبنوك والفنادق والمستشفيات والمصانع والمتاجر وغيرها يقع الدور الأكبر والجزء المهم والمسؤولية في تبني الأمر ووضع خطط عملية عاجلة لسعودة الوظائف لديهم وتسهيل عمليات توظيف المواطنين وتمكينهم من العمل وتدريبهم، وعلى وسائل الإعلام والمساجد والمدارس ان تنشط دورها في التوعية والتثقيف والتشجيع وتبصير الشباب بفرص العمل المتاحة وتحبيبهم من مزاولة مختلف المهن والحرف اليدوية أياً كان موقعها في الوطن الأم مع تكثيف برامج الثقافة المهنية، وعلى مؤسسات التعليم الجامعي ان تربط خططها ومناهجها وبرامجها مع خطط التنمية وسوق العمل وحاجات المجتمع، وعلى مراكز التدريب في الجامعات ومعهد الإدارة العامة وفروعه والتعليم الفني والتدريب المهني والغرف التجارية ومراكز خدمة المجتمع ومراكز التدريب في القطاع الخاص تنظيم برامج مكثفة ومتنوعة لإعادة تأهيل الشباب السعودي وتدريبه بما يسد الشواغر ويحقق الاكتفاء في إطار خطة التوظيف (في وزارتي: الخدمة المدنية والعمل، ومكاتب التوظيف الأهلية) مضاعفة الجهود القائمة لرصد المواقع الوظيفية الشاغرة أو المشغولة بمقيمين ويمكن شغلها بمواطنين والإعلان عنها في وسائل الإعلام، كما ان على مكاتب الاستقدام ومكاتب العمل التدقيق والتأكد جيداً من استحقاق التأشيرات المطلوبة للتأكد من تعذر إمكانية شغلها بمواطن مع الحرص الشديد لكل الأجهزة المعنية للتصدي بحزم لظاهرة هروب العمالة والخادمات ومتخلفي الحج والعمرة. إننا مجتمع واحد وشعب واحد في وطن واحد همومنا مشتركة وتطلعاتنا واحدة وأهدافنا وغاياتنا كل لا يتجزأ، وعلينا واجبات ومسؤوليات وطنية كثيرة تجاه مستقبل أجيالنا وبلدنا وكياننا، وشبابنا هم الثروة الحقيقية لبلدنا وهم رأس المال الوطني بل هم أغلى الثروات وأنفسها لأنهم أداة التنمية الحقيقية الشاملة وهم وسيلتها وغايتها، والكل منا بحمد الله يدرك مسؤولياته في موقعه ويعي انها مسؤولية مشتركة يجب ان تتضافر فيها الجهود لتخطيط سليم وبداية صحيح ونهاية موفقة وناجحة بإذن الله. إننا في المملكة فخورون بما قدمه لنا الإخوة والاصدقاء المقيميون ونقدر لهم جهودهم ونكن لهم كل التقدير وسنظل نستفيد من خدمات من نحتاجهم من المتميزين والنوادر منهم لكننا - في الوقت نفسه - لن نستمر في حاجة إلى هذه الملايين من البشر ونعتمد عليها في حين ان بعضاً من أبنائنا وبناتنا لايزال يبحث عن فرصة عمل، فالاعتماد على سواعد الأنجال وفكرهم وعقولهم مطلب ومكسب لا مفر منه، في حين ان اللجوء للعمالة الاجنبية مع ما فيه من إيجابيات فإن له ضرائب كثيرة تدفعها الدول التي تضطر إليها، ونحن أولى من غيرنا من شعوب العالم مطالبون بتقديم الأهم على المهم وهي قاعدة عامة يسير عليها الجميع، ومع ان الدولة قامت ولاتزال تقوم بجهود كبيرة ومشكورة لكن نسبة الإنجاز تظل مرهونة إلى حد كبير بمدى تفاعل رجال الأعمال واستجابة المواطنين لهذه الجهود الخيرة وتكاتفها واستمرارها، وعلينا جميعاً ان نتذكر ان جميع ما يدفع من رواتب ومكافآت وبدلات للكوادر الوطنية إنما هو استثمار داخل البلد، في حين أن معظم - إن لم يكن كل - ما يصرف منها للعمالة الوافدة إنما هو عبارة عن حوالات بنكية نقدية سنوية بعشرات البلايين من الريالات تخرج من بلادنا ولا ترجع إليه، ولو حسب رجال الأعمال ما يصرفونه على رسوم استقدام العمالة الأجنبية لمكاتب الاستقدام الأهلية والخارجية واستخراج الإقامة وبطاقة العمل وتذاكر السفر ذهاباً وعودة والرواتب وبدل السكن والمواصلات والتأمين الصحي وغيرها لتبين لهم ان كلفة العامل الأجنبي تضاهي السعودي إن لم تكن أكثر. إن فرص الاستثمار الكثيرة المتاحة في بلادنا ولله الحمد، وما يحظى به رجال الأعمال السعوديون من الدولة من تسهيلات ودعم وتشجيع - وبعين موضوعية ومنصفة - إنما تبز فرص الاستثمار المطروحة بالخارج كماً ومردوداً اقتصادياً عالياً، ومن الواجب علينا جميعاً - وبدافع وطني - ان نتخذ زمام المبادرة وألا ننتظر اللجوء للقرارات الملزمة بنسب السعودة لأننا - نحن السعوديين - أهل لحب الوطن والمواطن وجديرون به أكثر من غيرنا ومساهمات السعوديين يشهد بها الجميع، ولدينا من الحب والولاء والإخلاص والانتماء والمسؤولية ما يدفعنا لتحقيق مزيد من الأهداف والغايات والتطلعات الوطنية، وقد ضرب كثير من رجال الأعمال والأفراد السعوديين في مواقع متعددة ومواقف كثيرة أصدق المثل، وقد آن الأوان لنضع حداً للاتكالية على العمالة الوافدة وأن يعمل شبابنا في كل مجال ومهنة لأن صنعة في اليد أمان من الفقر، ومقاييس التقدم أو التخلف إنما تنحصر في إنتاجية الأفراد في المجتمع، وديننا الإسلامي الحنيف يحثنا على العمل وأعطى له قيمة خاصة وشدد على اكتساب المرء من يده وألا يكون عالة على أسرته ومجتمعه. إن المبادرين في إحلال العنصر الوطني إنما يستشعرون المسؤولية الوطنية ويسهمون في جهود الدولة والمجتمع في توظيف السعوديين، ويضربون مثلاً آخر للنجاح المميز وللمواطنة الحقة في الإسهام في عملية التنمية الشاملة ويضيفون لبنات كثيرة إلى بناء الكيان السعودي الكبير ويقدمون أنموذجاً صادقاً للثقة في القدرات والكفاءات الوطنية الشابة والسواعد السعودية الماهرة التي تمتلك من المعرفة والخبرة رصيداً كبيراً، وهي فرصة سانحة لتأخذ دورها الطبيعي في الإنتاجية والإبداع، وشواهدنا على ذلك كثيرة في ميادين العمل المختلفة في الجامعات والمستشفيات والمصانع والبنوك والشركات وغيرها، بل إنه مع مرور الزمن تثرى التجربة فتنمو المعلومة وتصقل المهارة وتزداد الخبرة وتظل سعودية إلى الأبد، وإن ما نملكه من إمكانيات وتجهيزات فنية وتقنية ومعامل وورش ومختبرات عالية الجودة في المصانع والمستشفيات والمدارس والمعاهد والكليات وغيرها إنما يجب أن تدار بأيد سعودية حتى لا تكون معملاً ومختبراً لتجارب الآخرين يتدربون في بلدنا ليعودوا إلى أوطانهم كي يصبحوا من جهابذة العلماء وصفوة الخبراء والمستشارين. إننا نحن السعوديين مضرب المثل في المواطنة والانتماء الحقيقي والإيثار صفة لازمة نعتز بها ونتطلع لأن يكون جلنا إن لم يكن كلنا سواعد سعودية في بنوكنا ومصانعنا ومزارعنا ومتاجرنا ومستشفياتنا ومدارسنا ومعاهدنا وكلياتنا وفي كل موقع من مواقع العمل والإنتاجية فكلنا يستشعر دوره الوطني وواجبه الاجتماعي تجاه وطنه ومجتمعه وكيانه ومستقبله وإننا بإذن الله فاعلون.