إن قراءة تجربة طلال مداح والملحنين الذين داروا في فلك صوته لجديرة لدواع منهجية بتقسيمها إلى ثلاث مراحل، يمكن أن تتيح تغطية ثراء تلك التجربة، وهي على التوالي: الأولى، مرحلة الأغنية الجديدة "1958-1969"، والثانية، مرحلة الأغنية الرومانسية "1970-1985"، وأما الثالثة، مرحلة الأغنية التعبيرية والواقعية "1986-2000".. واستعرضنا في الحلقات السابقة المرحلة الأولى والثانية هذه عن المرحلة الثالثة. 3- مرحلة الأغنية التعبيرية - الواقعية 1986-2000: .. إن كل مرحلة لا تنقطع عن الأخرى إما بمراجعة لحنية وإما إعادة قراءة غنائية، ولكن أخذت الأغنية الطلالية في هذه المرحلة بكل ما خبرته من تجارب طوال العقدين السابقين. إذ تكونت أغنية طلالية ذات ملامح تعبيرية - واقعية بدت تنسلخ من الرؤية الرومانسية الجديدة السابقة كشفت ما لطلال من قدرات في هضم تجارب لحنية مختلفة مقابل ما قدمه من تجربة خاصة بألحانه حيث وصلت أغنيته إلى حدود مكثفة في الجملة اللحنية ذات أفق ممتد في خطوطها اللحنية وتضمر خطاً عامودياً في نصها الشعري جعلت من وعي ولا وعي طلال الثقافي يقيم للتجربة صيغة مغايرة عما كان وتستشرف عما سيكون. كما أن المطالعة لنماذج هذه المرحلة تعطينا صورة كاملة بالتمعن الذهني وإعادة السمع عبر أغنيات من نوع: "صعب السؤال وقصري بعد المسافة وعناد ودقت الساعة عشر، وراجع أشوفك". أغنية "صعب السؤال" "بدر بن عبدالمحسن - طلال مداح": "صعب السؤال ليه نفترق.. صعب السؤال وين نلتقي.. أنتي الجنوب وأنا الشمال ما بيننا بحر ورمال لكن نحب.. والله فوق الخيال.. صعب السؤال.." أغنية "قصري بعد المسافة" "الشريف منصور - طلال مداح" "قصري بعد المسافة... لا تطول وارحمي قلبٍ يعذبه الحنين تعرف عيوني عيونك وش تقول اصدق الأقوال... مصدره العيون وما تبينه... من عيوني... بس قولي وش تبين كل غالي تطلبينه... في موازيني يهون.." أغنية "راجع أشوفك" -1993 "محمد العبد الله الفيصل - طلال مداح" أنا راجع أشوفك سيرني حنيني إليك أسأل عن ظروفك وتأثير الليالي عليك رجعني إللي شفته معاك يدفعني عشان ألقاك وأنا راجع أشوفك.." ومن ألحان سواه، مثل خالد الزايد وغنام الديكان وعبدالرب إدريس وصالح الشهري: ابتعد عني، وأحرجتني، وليلكم شمس، ورسالة حب، وما أوعدك، ولحظة غضب، ومن الجفا، وهذا احنا". أغنية "هذا احنا" - 1993 "مبارك الحديبي - غنام الديكان" "هذا احنا مثل ما احنا.. لا جينا ولا رحنا يروح الوقت يرد الوقت.. ويخيم علينا الصمت وهذا يا حبيبي انت.. لا كلمة تطيب الخاطر.. ولا نظرة تريحنا.. هذا احنا.." وقد كان نشاط طلال مداح ما بين نهاية الثمانينيات الميلادية وعقد التسعينيات مكثفاً وزاخراً بأعمال مكرسة ففي ظل امتداد تعاونه خارج السياقي المحلي نحو تعاون مع ملحنين سواء من الكويت مثل خالد الزايد ويوسف المهنا وغنام الديكان أو من مصر توفيق فريد غير أن تتويجه لمرحلة ثمينة من تجربته الغنائية في التعاون مع ملحنه الأثير سراج عمر عبر ألبومين أسهم فيهما لاحقاً الأول "يا كريم" "1989" ثم "العطر" "1998". أغنية "يا كريم" - 1989 "بدر بن عبد المحسن - سراج عمر" يا كريم.. يا كريم .. نوض برق.. وريح ديم.. في الحشا.. رمل قديم.. لاح برق في الظلام.. شقق الظلما سناه.. يا هلا بغيث الغمام.. ويا هلا بعشب الحياة.. لاح برق في العتيم.. يا كريم.." إن الرحلة في تجربة طلال مداح لهي تكشف عن سيرة مجتمع لم يقف عند الحب بل استطاع التعبير عن مجمل الأفكار والسلوكيات والمواقف الذهنية التي تشير إلى فترته التاريخية ومكانه الجغرافي ومزايا ثقافته. إن ملحني مداح أسهموا في رفد الحنجرة بكثير من التميز في مراحل مختلفة ولم يبخل هذا الصوت على منحهم فرص التجوال والتحليق في ربوعه وأراضيه.. فأزهر مرة وأورق عدة مرات.