أنا عندي فحص فني. أخذت الفولكس 58 وتركتها للسمكري في الكيت كات وركبت تاكسي للمقطم حيث اعيش الآن. رحت أدخن واتطلع من النافذة وأفكر بأنني انزع عن امبابة كما تنزع رقعة لحاء جافة، وان كانت حية، عن جذعها الطري، كي ما تلتصق بجذع آخر. ورحت اسري عن نفسي بأن الاحياء الشعبية على اية حال لم تعد هي نفس الاحياء، وان المعاني الجميلة التي ارتبطت بها توكلت على الله وانتصرت الكآبة وعم الاسى وحط الغبار. ووصلنا مجرى العيون والسائق قال نطلع من هنا اقرب وانحرف الى منطقة زينهم وتقدم بين البيوت وتوقف على مقربة من ساحة على جانب منها مقهى يجلس امامه عدد من الناس، ورفع يده وراح يلوح صائحاً، وانا تراجعت بظهري حتى اتيح ليده ان تخرج من الشباك وهو يصرخ: «أيوه. اللي قاعد وراك. لا مش ده. التاني. ايوه ده. ايه ياعم، اصحى». وضحك واضاف: «ياله سلام». وقال: «أخويا الكبير. ابو قميص وبنطلون». «لا يا شيخ؟». «جزار كبير قوي. استاذ. وبعدين هو مؤمن بالانفتاح، ساب الفندق اللي كان شغال فيه، وكل يوم يخرج يقعد على القهوة وينام على روحه زي ما انت شايف كده، قال ايه مستني الزباين، خيبة سودة بعيد عنك». «يا سلام؟». «أيوه. مع انه عنده بنت بتتجوز ومحتاجة مصاريف». «كمان؟». «يوم الخميس اللي فات جالي وقعد على الكنبة. انت مش حتساعدني؟. خلي بالك، انا عندي اربع بنات جوزت منهم واحدة، وهو عنده ولد وبنت. قلت له انا عندي غسالة موتورها حلو، خدها يا عم ركب لها حلة جديدة تبقى عشرة على عشرة. ودخلها في الجهاز البنت. لقيت بص لي وسكت». بدأنا نصعد في طريقنا الى الهضبة. وقال: «يوم الخميس ده مراتي بتروح عند امها العيانة وبنتي المتزوجة بتيجي تزورني. في اليوم ده انا باجيب فرخة، البنت تحمرها ونعمل جنبها شوية رز وشوية ملوخية، وهي بتجيب معاها اناناس. انا آكل ورك وهي حتة صدر والباقي يقعد لتاني يوم تاكله امها وبقية العيال. البنت حمرت الفرخة وحطتها مع الملوخية وطبق الرز قدامه على الترابيزة واتفضل ياعمي، راح واكل الفرخة كلها». «لا يا راجل؟». «زي ما باقولك كده. انا اخدت البنت في المطبخ وسألتها بيني وبينها. قالت انا انكسفت اقطع له حته من الفرخة. المهم على ما رجعنا من المطبخ لقيناه واكل طبق الاناناس اللي البنت مقطعاه. اول ما شافنا قال الشاي علشان اقوم. انا قلت لا، الكلام ده معناه انه ناوي. البنت كانت عملت الشاي وحطت عليه الحليب. قالك انا ما باحبش الشاي او حليب. البنت قالت لا مؤاخذة يا عمي. وعلى ما عملت الشاي السادة كان شرب الشاي ابو حليب، وبعدين راح شارب وراه الشاي السادة. في اللحظة دي، اتأكدت بقى انه ناوي فعلاً». وتوقفنا امام البيت وانا فتحت باب التاكسي واخرجت ساقي اليمنى وقلت: «الظاهر انه فعلاً ناوي». رأيته يتراجع الى ظهر المقعد ويقول: «دي مش عاوزه كلام. ناوي يعني ناوي». ولم يزد على ذلك. اعطيته عشرين جنيهاً. وهو تأملها قليلاً، وقال: «باقول لك ايه، ما تجيب كمان اتنين جنيه». اعطيته الجنيهين، ووقفت اراه وهو يبتعد.