من المواضيع التي بدأت تفرض نفسها منذ عدة ايام في الساحة الفرنسية موضوع العلاقة مع العمالة الاجنبية. وكان نيكولا سركوزي رئيس حزب الاتحاد من اجل حركة شعبية قد تطرق اليه بشكل غير مباشر قبل عدة اشهر عندما تحدث عن ضرورة اقدام الدولة الفرنسية على تطبيق مبدأ «التميز الايجابي» في ما يخص الاجانب الذين يقيمون في فرنسا منذ فترة طويلة ولا سيما العرب والمسلمين القادمين بشكل خاص من بلدان المغرب العربي والبلدان الافريقية الاخرى. ويعتبر صائغو هذا المبدأ ان الحاجة تدعو الى ارساء سياسة خاصة تجاه الاجانب الراغبين في الاستقرار في هذا البلد او ذاك من البلدان الصناعية لمساعدتهم على الاندماج في المجتمعات الغربية والاسهام في الحياة الاقتصادية والسياسية بشكل افضل مما هو عليه الامر عادة. ويعتبر اصحاب هذا الطرح ان الضرورة تدعو الى اتخاذ سلسلة من الاجراءات التي تسمح فعلاً لهؤلاء الاجانب بالتأقلم وبالوصول الى مناصب ومراتب عليا من شأنها تغيير نظرة المجتمع اليهم. وهذا يعني مثلاً السماح لأبنائهم بتسجيل انفسهم في مؤسسات التعليم التي تكون عادة وقفا على النخبة. ويعني ايضاً عدم اخضاع الترقيات التي يستفيد منها الموظفون من اصل اجنبي الى المقاييس التي تطبق على اهل البلد الاصليين لمساعدتهم على الحصول على مناصب عليا. بعبارة اخرى يرى دعاة «التميز الايجابي» ان الافضلية ينبغي ان تعطى الاجانب في كثير من المجالات للحد من الممارسات العنصرية التي يواجهونها في البلدان التي تؤويهم. وتعد الولاياتالمتحدةالأمريكية أحد البلدان الصناعية الاساسية التي استخدمت هذا المبدأ مع السود ومع المنحدرين من بلدان أمريكا اللاتينية. ويرى البعض ان كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكيةالجديدة وسلفها كولن باول هما ثمرة سياسة «التمييز الايجابي». والمهم أن نيكولا سركوزي وزير الداخلية السابق ورئيس حزب «الاتحاد من اجل حركة شعبية» اليميني الحالي هو الذي شدد على ضرورة تطبيق هذه السياسة في فرنسا. ولكن اقتراحه قوبل بتحفظ كبير لدى الاوساط السياسية الفرنسية. وقد عاد في الايام الاخيرة ليطرح فكرة اخرى لديها علاقة بالموضوع وتتمثل في ارساء نظام لاستقدام العمالة الاجنبية الى البلاد يعرف بنظام الحصص. ومن جديد اثار هذا الاقتراح جدلاً داخل الحكومة نفسها ولدى الاحزاب السياسية ومنظمات حقوق الانسان. ثلاثة أطراف ويمكن تقسيم الاطراف المشاركة في الجدل الى ثلاثة يوافق أحدها على المبدأ ويعترض عليه طرف آخر ويسعى الطرف الثالث الى اتخاذ موقف غامض منه لأسباب عديدة. ويستند اصحاب الطرح الذي يدعو لفتح ابواب فرنسا لليد العاملة الاجنبية حسب نظام الحصص الى مختلف الابحاث والدراسات والتقارير التي أعدت في السنوات الخمس الماضية والتي تؤكد كلها تزايد حاجة فرنسا وسائر بلدان اوروبا الغربية الاخرى الى مئات الآلاف من العمال والمهنيين من أصحاب الكفاءات العليا والمتوسطة وحتى العادية جداً. ففرنسا تحتاج اليوم مثلاً الى كثير من الممرضين والممرضات والاطباء والمهندسين المتخصصين أساساً في تكنولوجيا الاتصال الحديثة. وتؤكد هذه الدراسات والتقارير ان ازدياد نسبة المسنين في البلاد من اصحاب هذه المهن من جهة وعدم تمكن مؤسسات التعليم العالي من تعويض الأماكن الشاغرة من جهة اخرى يستدعي اللجوء الى الاجانب للإسهام في الدورة الاقتصادية والعمل على منافسة اقتصاديات البلدان الاوروبية الاخرى وغير الاوروبية ولاسيما في اطار منطق العولمة الجديد الذي يفرض المنافسة كشرط اساسي من شروط النجاح او الفشل. والحقيقة ان مساندي هذا الطرح لا ينتمون الى حزب معين ولا الى نقابة معينة. فإذا كان رئيس أرباب العمل يساند المشروع فإن عدداً من الشخصيات السياسية المنتمية إلى أحزاب اليسار توافق هي الأخرى عليه ومنها على سبيل المثال مالك بوطيح المسؤول عن الشؤون الاجتماعية في الحزب الاشتراكي الفرنسي. وهو من اصل جزائري. وأما الطرف الذي يعترض على المسألة فيرى أصحابه ان فتح ابواب فرنسا امام الهجرة عبر نظام الحصص ففيه اساساً اولئك الذين ينتمون الى الاحزاب اليمينية المتطرفة والذين يرون ان فرنسا للفرنسيين الاصليين وانه لا داعي لاستقدام عمالة اجنبية في وقت تظل فيه البطالة هاجساً وطنياً. ونجد لدى الذين يقفون موقفاً غامضاً من المشروع شخصيات تنتمي الى الاحزاب التقليدية اليمينية واليسارية. ويقول اصحاب هذا الموقف ان نظام الحصص نفسه يظل يطبعه الغموض. فمن يحدد هذه الحصص وانطلاقاً من أي مقياس؟ وإلى حد يطبق هذا النظام على هذا البند او ذاك وعلى البلدان التي ظلت معيناً للعمالة الأجنبية الفرنسية وبخاصة بلدان المغرب العربي؟ ومهما يكن الأمر فثمة اليوم قناعة لدى كثير من المشرفين على جمعيات المهاجرين العرب من ذوي التخصصات العليا بأن العرب هم الذين سيكونون ضحية التوجه الجديد الذي سيتحكم في سياسة الهجرة في فرنسا ويضربون امثلة عديدة لدعم رأيهم فيقولون مثلا ان فرنسا قد اصبحت في السنوات الأخيرة تعول كثيراً من الاطباء القادمين من بلدان اوروبا الوسطى والشرقية وتتخلى شيئاً فشيئاً عن الاطباء العرب وفيهم كثير من الجزائريين والسوريين واللبنانيين والتوانسة.