كان الإقبال على دواء (Tamiflu) المقاوم للانفلونزا خفيفاً في السنوات القليلة التي تلت موافقة الهيئات التنظيمية الفدرالية على تسويقه في العام 1999 وقد واجه اللامبالاة من المسؤولين الصحيين الأميركيين الذين كانوا يركزون على صنع لقاحات جيدة. واليوم تجاوز الطلب على أقراص تاميفلو العرض، إثر تصاعد المبيعات خلال الأشهر الأخيرة بعد أن عجزت احدى الشركات الصيدلانية الأميركية الكبرى الصانعة للقاحات عن تلبية نصف احتياجات البلاد فيما أخذت منظمة الصحة العالمية التي تتوجس من خطر حدوث جائحة انفلونزا الطيور في العالم تحث الحكومات على تخزين الأدوية المضادة للفيروسات. وقد أثار ذلك نزاعاً حاداً بين شركتين صيدلانيتين تحاولان الاستئثار بأكبر قدر من الأرباح المتنامية لتاميفلو حتى في غمرة شكوى خبراء الصحة الأميركيين من النقص وعدم كفاية الكميات المخزونة من العقار المذكور في وقت تهدد بلدان العالم الثالث بتجاهل قانون براءات الاختراع الأميركي وصنع نسخ نوعية منه. عقار تاميفلو يمنع أعراق فيروس الانفلونزا المعهودة التي تظهر كل سنة من التكاثر في الإنسان عندما يلتقط شخص ما العدوى ويقصر مدة المرض بمقدار يومين ويجعل أعراضه أقل حدة. ولم يجرب هذا الدواء أبداً على أشخاص أصيبوا بانفلونزا الطيور الذي انتشر في الدواجن في مساحات واسعة في آسيا منذ سنة 2003 وقتل 63 مصاباً على الأقل. غير أن تاميفلو أظهر أنه واعد في فئران تحمل ذلك العرق للانفلونزا والذي يخشى المسؤولون الصحيون أنه قد يتفشى في العالم ويؤدي الى نتائج كارثية ومن أن مسؤولين يريدون أن يخزنوا التاميفلو فيما العمل مستمر لتطوير لقاح انفلونزا الطيور.علماء شركة غيلياد ساينسز في فوستر سيتي ابتكروا دواء تاميفلو سنة 1996، وسارعت الشركة الى بيع كافة الحقوق التجارية والمسؤوليات التصنيعية مقابل حصة سنوية من الايرادات لشركة Roche Holding AG السويسرية العملاقة. وتصنع شركة روش الدواء في معاملها في مدينة بال السويسرية. وحتى السنة الماضية لم يكن تفردها لمصدر التاميفلو يشكل أي مشكلة صحية عامة. وتأرجحت مبيعات الدواء الذي يباع بوصفة طبية عند حد ال 76 مليون دولار سنة 2001 و134 مليون دولار في 2002 وكانت متدنية الى درجة أن شركة غيلياد اشتكت من روش قائلة إنها غير ملتزمة بتعهداتها حيال الدواء. وتقول شارون سايلر، الخبيرة في سوق الأدوية: «كان للدواء تاريخ صعب في سوق أدوية الانفلونزا التقليدية. فأنت تحتاج الى وصفة طبية وينبغي تعاطيه في غضون 48 ساعة من ظهور الأعراض والدواء غير متوفر في كافة الصيدليات التي لم تخزنه». ولكن عندما دعت منظمة الصحة العالمية بلدان العالم في العام 2004 الى تخزين التاميفلو ارتفعت الأسعار بشكل جنوني، وارتفعت المبيعات الى 456 مليون دولار في النصف الأول من العام الحالي. وضاعفت روش طاقتها الإنتاجية لتاميفلو في كل من السنتين الماضيتين وهي تنوي أن تجري توسعاً مماثلاً في السنة المقبلة، بما في ذلك تصنيع الدواء في بعض معاملها الموجودة في الولاياتالمتحدة. ومع ذلك فإن الطلب على الدواء يتصاعد بوتيرة أسرع مما تستطيع روش أن تلبيه على الفور. وقد دعا وزير الصحة والخدمات الصحية الأميركي مايكل ليفيت إلى تكوين مخزون تاميفلو يكفي لمعالجة 20 مليون شخص في أميركا، إلا أن الكميات المتوفرة تكفي لمعالجة مليوني و300 شخص فقط. وطلبت الولاياتالمتحدة ثلاثة ملايين جرعة علاجية أخرى تتوقع شركة روش أن تلبيها في السنة المقبلة. وتحتاج الشركة الى سنتين لتلبية احتياجات المخزون البريطاني ليجعله كافياً لمعالجة 14,6 مليونا من المواطنين البريطانيين. وثمة نقص مماثل تعاني منه بلدان أخرى أيضاً وبينها بلدان جنوب الشرق آسيوية يعتقد أنها ستكون بؤرة أي وباء لانفلونزا الطيور قد يحدث. وقدم حوالي 30 بلداً - أو تنوي أن تقدم - طلبيات لتكوين مخزون يكفي لمعالجة أكثر من 28 مليون شخص. وتخشى بلدان عديدة في العالم الثالث أن يتم تجاهلها وهي تقترح على منظمة الصحة العالمية أن تضغط على شركة روش للتنازل عن حقوق براءة اختراع تاميفلو لكي تتمكن شركات أخرى من انتاج نوعية أقل كلفة للدواء.إلا أن المدير العام للمنظمة لي جونغ - ووك قال إن المنظمة رفضت الاقتراح ولن تضغط على روش للتخلي عن براءة اختراع تاميفلو. وقد تبرعت شركة للمنظمة بأقراص تكفي لمعالجة ثلاثة ملايين شخص. ولكن في وقت تتصاعد فيه أرباح روش نتيجة للخوف والاستعداد للوباء، تحاول شركة غيلياد انتزاع انتاج تاميفلو والحقوق التجارية من الشركة السويسرية. وفي شهر حزيران الماضي اتهمت غيلياد التي بلغت عائداتها من مبيعات تاميفلو 48,1 مليون دولار، روش بالتقاعس عن الترويج للدواء وانتاج كميات كافية منه، واستخدمت فقرة في التعاقد بينهما للمطالبة باستعادتها لكافة الحقوق التجارية والتصنيعية. ونفت روش التهمة وبدا أن الخلاف سائر الى التحكيم. وقال الناطق باسم الشركة تيري هيرلي: «إننا واثقون من أنفسنا وقد تقيدنا بكل التزاماتنا بموجب اتفاقية الترخيص». وإذا فازت غيلياد في النزاع القضائي ستستمر روش في انتاج تاميفلو لمدة سنتين ريثما تتمكن غيلياد من اعادة تأهيل معاملها.