تحت عنوان "حلف ضد «داعش» أم لأجل إنقاذ الأسد؟" كتبنا قبل شهر في هذا الموضع عن نية موسكو بلورة تحالف ضد "داعش" يكون النظام السوري جزءاً منه، وهي فكرة يعني قبولها من طرف الدول الغربية أو العربية انقلاباً على الثورة السورية والدم الذي أريق في سبيلها. خلال الأيام القليلة الماضية تحدثت تقارير من واشنطن عن تعزيزات روسية عسكرية في سورية، وسؤال واشنطنلموسكو بشأن طبيعة هذه التحركات، وطلب الولاياتالمتحدة دولاً أوروبية بمنع مرور طائرات روسية متجهة إلى سورية يوحي بأن الأمر ينطوي على تطور خطير وتاريخي في المنطقة وسورية تحديداً. فمنذ عصر الإمبراطورية الروسية أيام القيصر بطرس الأكبر، ومن ثم الملكة كاترينا الثانية، كان الوصول إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط رغبة ملحة لروسيا، ومازالت تلك الرغبة قائمة إلى عصرنا الحاضر، وازدادت إلحاحاً مع المحاولات الغربية عزل موسكو عن محيطها الجغرافي، الأمر الذي يجعل امتداها في العمق الشرق أوسطي أمراً يصب في صلب اهتمامها، وبالتالي الاستماتة من أجل تثبيت قواعدها هناك، لكن لم يكن ذلك في السابق من خلال تدخل عسكري بل ناتج عن ترتيبات واتفاقيات عقدت بين الدولتين. التطور والتحول الحاصل في التعاطي الروسي مع الأزمة السورية يخلط الأوراق بشكل عنيف، ويجعل من بوادر حلحلة الأزمة التي لاحت خلال الشهر الماضي لا تغدو سوى قراءة خاطئة في مشهد يبدو أنه يفتقر إلى المنطقية، تعززه خطوة موسكو العسكرية الأخيرة، ومحاولاتها إبقاء النظام أطول مدة ممكنة من خلال القتال بجانبه أو مدّه بالاستشارات والعتاد العسكري، وعندما تحين ساعة رحيله قسراً أو طواعية يكون الانسحاب نحو دولة الساحل الموعودة حيث معقل الطائفة العلوية.. وهي رسالة روسية مفادها أنها لن تتخلى عن مبرر وجودها في الشرق الأوسط، إذ تدرك حجم النقمة التي تحملها المعارضة السورية لها في حال سقط الأسد؛ ما يعني فقدانها معقلها الوحيد في الشرق الأوسط. التحرك الروسي العسكري قد يعني أن فكرة روسيا إنشاء التحالف قد تكون وضعت قيد التنفيذ فعلياً، فالتحالف قد يعني عملياً روسياإيران وميليشياتها والنظام السوري، لكن ذلك ليس بالضرورة أن يؤدي إلى قلب المعادلة، بل ربما يحد من الخسائر التي تكبّدها النظام ومن يدور في فلكه، ويبقي على احتمالية نزوح الأسد إلى الساحل وحمايته من قبل روسيا بانتظار تقسيم قد يطال سورية التي تمزّقها حرب شعواء منذ أربعة أعوام. توحي التعزيزات العسكرية اللافتة بأن الكرملين يعيد صياغة فلسفة السياسة الخارجية الروسية بشكل جذري.. فعلى الرغم مما قيل في مقدمة هذا المقال عن أهمية الشرق الأوسط ومياه المتوسط لروسيا، إلا أن هذه البقعة الجغرافية لا تعد ضمن مناطق النفوذ الروسية التي تشمل القوقاز والبلقان بالدرجة الأولى، لكن أن يحدث هذا التحرك على المستوى العسكري فإننا بصدد تحوّل تاريخي للسياسة الروسية في المنطقة.