مايحصل خلف كواليس المبايعات من مزايدات فلكية تدور بين تجار وسماسرة الإبل أو داخل أسواق بعض المنتجات الموسمية مثل أسواق التمور في بعض المدن وعلى مستوى سلع ومنتجات أخرى كثيرة بمبالغ لا يقبلها المنطق تتناقلها مواقع التواصل وأجهزتها بسرعة مذهلة ويتلقفها العامة دون معرفة حقيقتها وخباياها ولا المقصود منها عندما يخرج علينا شيك مكتمل الشروط ومحرر باسم أحد ملاك الإبل المعروفين أو تجارها على سبيل المثال وهو يحمل تفاصيل بيع جمل بملايين الريالات أويظهر علينا مقطع فيديو سجل من أحد أسواق التمور يظهر خلفه رجل يبدو عليه مظهر الصلاح والوقار وهو يدير عملية شراء كميه تمر بمبلغ يتجاوز سعره الحقيقي أضعافا يؤكد خلالها إتمام بيعه عندما يتسلمه المشتري موثقا ويسلم قيمته أمام عدسات المصورين ثم ما نلبث أن نرى المشهد يتكرر نفسه في منطقة أو مدينة أخرى ولكن بقيمة تزيد عن القيمة السابقة ليرد عليهم سوق الصفقة الأولى بمبلغ أكثر منه وهكذا يستمر النزال ومن لم يلحق هذا العام فالموعد موسم العام المقبل. ولما ظلت مثل هذه الصفقات التي تلازمنا بشكل سنوي وتظهر علينا بين كل فترة وأخرى محل تساؤل الجميع: هل هي صفقات حقيقية لسلع مختلفة تصنف ضمن سلع الطبقات الارستقراطية والباحثين عن التميز القادرين على دفع قيمتها مهما تكلف أم أنها مجرد صفقات وهمية وتمثيل سمج حبكت أدواره يقصد منه ما يقصد من إضفاء سمعة للسلعة أو المنتج أو للسوق نفسه ضمن معزوفة ( سوقنا أحسن من سوقكم ) أو سلعتنا هي الأحسن على حساب الصدق والأمانة، أم أن وراء بعضها ما وراءه خصوصا صفقات الإبل والعقار من مقاصد تتعدى كل هذا إلى ما هو أبعد ومن أمور تدخل في الشبهات، وتلك هي جملة من الأسئلة حملناها مع أسئلة أخرى إلى مجموعة من الضيوف بينهم المطلع والتاجر والدلال وصاحب المهنة للبحث عن نتيجة وإجابة لها . المزايدات الوهمية بداية يقول عبدالكريم العمري: بحكم خبرتي بأسواق "الحلال" خاصة فإن المزايدات الوهمية لا تتوقف فقط عند الإبل بل تتعداها إلى مزايدات مايطلق عليه " سلالات " الغنم والماعز التي يقام لها مهرجانات احتفالية وتزف إلى مسرح عرضها على طريقة نجمات هوليود حتى تلامس أسعارها المائتين والثلاثمائة ألف ريال بل انها قد تتجاوز هذا المبلغ كثيرا، لكنني رغم كثرة المزايدات التي كنت أحضرها كان نادرا ما يتم البيع وترى شيكا يكتب أو مبلغ يسلم بل ان السلعة تتوقف عند هذا السوم بعد أن يحتدم الحراج ويختفي السوَّام بعد هرج ومرج ثم ما يلبث ان يعيدها صاحبها إلى سيارته التي جاءت بها، وهذا الوصف ينطبق أيضا على سوق ما يسمى بنوادر الإبل فإذا ما استثنينا نوادر قليلة جدا تباع بمثل تلك الأقيام التي نسمع عنها فإن الغالبية عادة ما يركبون تلك الموجة ولكنها تصدر هذه المرة من مجالس ومسامرات أصحابها الذين يسوم بعضهم من بعض كنوع من المجاملة أو بقصد رفع سعرها وأن ( سمها مني اليوم وأنا أسوم منك غداً ) وان لم يأت المشتري الموهوم فإن المالك يعيش حلم الملايين حتى وهو لا يملك قيمة تجديد إقامة راعيها. «الحراج» بحاجة لإعادة تنظيم ومراقبة لقطع الطريق على أصحاب «الذمم الواسعة» وأضاف: أما ما يحصل في أسواق بعض المنتجات الموسمية كما يحصل سنويا في بعض أسواق التمور فهي في رأيي لا تغدو كونها مناوشات ضمن الصراعات والحروب الباردة بين الأسواق والمدن المتجاورة مثل الإخوة الصغار في بيت العائلة الذين لا يكفون عن العناد و( المناقر ) حول أمور تافهة هي في نظر الآخرين مادة للضحك والمسخرة، لكن ما يحدث على مستوى بعض تلك الأسواق فإن هؤلاء قد تمادوا به حتى تجاوز المعقول عندما تصدى له عقلاؤهم ورفضوه جملة وتفصيلا وهذا نابع من قناعتهم أن هذه الأسعار المفتعلة حتى وان قصد بها جودة المنتج الا أنها تضر بمصداقية وسمعة السوق وتوحي إلى ان الأسعار مرتفعة، ولذلك عاد الذين افتعلوا الأسعار ليبرروا ما ذهبوا إليه على أنه فقط من أجل الدعاية ولفت النظر إلى جودة السلعة والذي لولا مقطع الحراج هذا لما عرف ولما شد انتباه أحد. أسباب الظاهرة من جهته قال الشيخ معاذ العثيم -كاتب عدل -: إن ظاهرة المزايدة خارجة عن المعقول في أسعار بعض الثمار أو السلع أو الحيوانات أو غيرها ونشرها عبر وسائل الإعلام المرئية أو المقروءة، حتى فاضت وسائل التواصل بمثل هذه الأخبار وبتلك المزايدات فتجد سلعة معينة يجتمع عليها بعض التجار فيوصلون سعرها إلى حد خيالي لا يتصوره أحد، أو تجد صورة شيك ثمنا لحيوان ما لرقم خيالي يتجاوز الأصفار الستة، تنتشر مثل هذه الأخبار انتشار النار في الهشيم ويتناقلها الناس أحيانا كثيرة من باب التعجب والاستغراب، وغالبا ليس قبولا بها أو اقتناعا بمحتواها. وأضاف: في رأيي تختلف أسباب هذه الظاهرة باختلاف مكان ونوع السلعة وأحيانا تدخل بها العنصرية القبلية أو المناطقية وقد يتمالأ تجار صنفا معينا من السلع على تمثيل مثل هذه المزايدة ونشرها على وسائل التواصل ليرفعوا بذلك قيمة عموم السلعة، أو يتمالؤون لرفع قيمة السلعة في السوق الفلاني أو في المدينة الفلانية لتأخذ هالة إعلامية معينة يرومون الوصول إليها، ولهذه الظاهرة آثار خطيرة فهي تساهم في رفع قيمة السلعة إلى رقم هي لا تستحقه وقد تتسبب غبن كثير من المستهلكين الذين يصدقون مثل هذه الألاعيب فيشترون سلعا بأثمان باهظة لا تستحق حتى نصف تلك الأثمان وتصبح كثير من الأسواق مسرحا خصبا للتلاعب الجشع من كثير من التجار الذين لا يخافون الله، والشريعة ولله الحمد لم تترك بابا من هذه الأبواب إلا فصلت فيه وبينت للناس الحق الذي لهم والحق الذي عليهم حماية للتاجر والمستهلك على حد سواء فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الغش:" من غش فليس منا "، ونهى عن تلقي الركبان كما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التلقي وأن يبيع حاضر لباد " رواه البخاري، ونهى أيضا عن النجش وهو الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها سواء كان ذلك باتفاق بين البائع والمشتري أوبغير اتفاق وحكم هذا الفعل حرام لورود النهي الصريح عنه فقد روى الامام مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض.."الحديث، وذلك لما يترتب على النجش من المفاسد الكثيرة ومن التجار من يعمل عمل أصحاب السبت في التحايل على مثل هذه الأحكام الشرعية فقد يأتي إلى سلعة معينة فيرفع من قيمتها فوق ماتستحق ويشتريها حقيقة ليخرج من هذا النهي وهو في الحقيقة يقع في هذا النهي إضافة إلى اثم التحايل على الحرام فالحكم متعلق بالسلعة واستحقاقها للثمن الذي تشترى به، لذا لابد من تظافر الجهود الرسمية وغير الرسمية لايقاف مثل هذه الظاهرة والحد من انتشارها فعلى الصعيد المجتمعي ينبغي التوقف عن تناقل ونشر مثل تلك الاخبار لأنه يراد منها الانتشار وكذلك التثبت من صحتها واعطاء السلعة قيمتها الحقيقية دون بخس أو زيادة ومراقبة الله سبحانه في البيع والشراء والالتزام بالاداب الشرعية والمصالح المرعية في البيع والشراء وكافة الامور الحياتية، وعلى المستوى الرسمي يحق للحاكم تأديب من يثبت تلاعبه بالاسعار والأسواق حماية لاقتصاد البلاد ومصالح العباد وقد جاء في تبصرة الحكام "والنجش في البيع ممنوع حرام، ويأثم فاعله وإن كان معروفا بذلك أدِّب ". أرقام فلكية بدوره قال سطام العوض: أن ما يحصل في بعض الأسواق من المزايدات في أسعار أنواع مخصوصة من السلع أو الحيوانات أو العقارات، وما يتم تداوله من أرقام فلكية مغالية للأسعار المنطقية، يعتبر مؤشراً لخلل ينبغي علاجه على الفور درءاً للمفاسد والأضرار المترتبة على هذا الوضع الحاصل، وقد يكون لهذا الأمر تفسيران: أحدهما ان تكون هذه الصفقات حقيقية وهنا تأتي شبهة وجود عمليات غسيل أموال، والآخر أن تكون المزايدات وهمية هدفها إيقاع الضحايا واستلاب أموالهم عبر خلق قناعة بأن هذه السوق مزدهرة بينما الهدف الحقيقي هو التحايل وسلب الأموال لتحقيق الثراء السريع والفاحش، وينتج عن هذا الوضع خسائر فادحة وربما السجن لوقوع بعض الضحايا في دائرة الدين والقروض، عجزهم عن سدادها، وقد يندرج هذا الأمر في باب النجش المنهي عنه شرعاً وهنا يأتي دور وزارة التجارة وغيرها من الجهات الحكومية لحماية الأسواق من الإرتفاعات المجنونة في الأسعار والبحث عن عمليات غسيل الأموال المحتملة، لحماية الاقتصاد الوطني، وتوفير الحماية للمتعاملين في هذه الأسواق، وقطع الطريق على المتلاعبين كيلا تتحول أسواقنا إلى ساحة مقامرة لهم. النجش المحرم! من جانبه قال حمود المخلفي -أحد المهتمين بنوادر الإبل- : لاشك أن المزايدات في غير رغبة الشراء من أجل رفع السعر لنفع البائع والإضرار بالمشتري في أي مجال كان، هو داخل تحت مسمى النجش المحرم، وهذا الأمر مشاهد للأسف في أسواق العقارات والسيارات والتمور والمواشي غيرها من الأنشطة المختلفة، ففي موضوع العقار مثلا نجد مجموعة من تجار العقار يبالغون في شراء عدد من القطع لمخطط معلن للمزاد لإيهام الناس أن هذا السعر الحقيقي للمخطط، وقل مثل هذا في سوق التمور كما شوهد في بعض المقاطع المسجلة وغيرها، أما عن موضوع الإبل فحدث عن هذا الأمر ولا حرج فرغم قناعتنا أن النادر منها يستحق الارتفاع كغيرها من المبيعات النادرة، الا أننا نجد مبالغة في الأسعار تفوق التصور فحينما تجد ناقة ثمنها الذي تستحقه من الخمسين إلى المائة ألف ريال، وتسأل مالكها عن السوم يقول لك مليون ريال وقد يقول لك وعلى فلان من الناس المعروفين بالسوق أنه من أهل النظرة الثاقبة في هذا المجال، وقد يكون كاذبا في السومة وفيمن نسبت إليه. حماية الأسواق ويقول عايض المطيري -إعلامي -: باعتبار أن الظاهرة موجودة ومتأصلة على مستوى عدد من الأنشطة وتشمل أنواع مخصصة من السلع والعقارات والحيوانات فإن هذه المزايدات البعيدة عن الواقع والمنطق لا نستطيع الا وأن نجد لها تفسيرين، أحدهما ان تكون هذه الصفقات حقيقية وهنا تأتي شبهة وجود عمليات غسيل أموال، والآخر أن تكون المزايدات وهمية بالفعل ومرتبا لها هدفها أكل أموال الناس بالباطل وهنا يأتي دور وزارة التجارة وغيرها من الجهات الحكومية لحماية الأسواق من الارتفاعات المجنونة في الأسعار والبحث عن عمليات غسيل الأموال المحتملة، لحماية الاقتصاد الوطني، وتوفير الحماية للمتعاملين في هذه الأسواق، وقطع الطريق على المتلاعبين كيلا تتحول أسواقنا إلى ساحة مقامرة لهم. البعض يركب موجة ارتفاع الأسعار اعتقادا منه أن هذا هو السعر الحقيقي الأسعار الفلكية في سوق الإبل تضع أكثر من علامة استفهام البعض يسوم ليرفع السعر ثم يختفي حمود المخلفي معاذ العثيم عايض المطيري سطام العوض