الطفولة هي مرحلة عمرية تتصف بالعفوية والصدق والبراءة. هي مرحلة اكتشاف العالم الخارجي محاولا الطفل بها البعد عن إشراف الاسرة. كانت أنشطة الطفولة في الماضي تتلخص في اللعب في الشارع حافي القدمين وسط الرمال وبين الأزقة والأصحاب كانت الألعاب الحركية هي أهم نشاطات الطفولة ذلك الوقت. كان الطفل يستمتع باللعب على الرمال وبالتراب يصنع له قصصا وحكايات، وكانت الحلوى هي فرحة العيد ، وكان ينتظر العيد لأنه مقرون بالفرح فرحة الحلوى وفرحة الملابس الجديدة. كانت صلاة العشاء هي الإنذار الأول لقرب موعد النوم حيث ينتهي الطفل من وجبة العشاء المحضرة من قبل الأم لينام قرير العين على أحلام جميلة، منهم من يحلم أن يكون طيارا ليعانق النجوم والسحاب ومنهم من يحلم أن يكون طبيبا ليعالج صديقه المريض ومنهم من يحلم أن يكون بائع حلوى حتى يتمكن من اشباع شغفه في التهام الشوكولاته. كانت الأحلام بسيطة تعكس بساطة الحياة والأمنيات. كانت الأم لا تشقى أبدا في تربية صغارها. كان الكبير يربي الصغير ويغرس ما تعلمه على يدي والديه من قيم ومبادئ حيث الالتزام الديني من صلاة وصدقة وصيام وذكر. كانت نظرة الأم الحادة هي بمثابة العقاب وكان لوم الأب هو السلطة ذاتها، طفل الماضي كان طفلا يتمتع بصحة جيدة ومناعة قوية وذهن صافٍ وفكر حاضر من تغذية سليمة ونوم صحي ورعاية أمينة وأجواء عائلية يلفها حنان الجد وحرص الجدة ورعاية الأم وسلطة الأب وإشراف الأخ الأكبر. الحديث عن الطفولة في الماضي حديث ممتع الكل يتفق عليه فما بالنا اليوم وأطفال الأيباد والأيفون، أطفال محنطون، طفولة صورية ، لا في نشاطاتها ولا في أحلامها ورغباتها . طفل سمين تكاد السمنة تقتله من الوجبات السريعة والحلويات المشبعة بالدهون والسكريات الضارة، وطفل هزيل دائما مريض ومناعته ضعيفة، عيونه غائرة من انعدام الشهية. جيل يأكل من العمالة المنزلية أو من مطاعم الوجبات السريعة نظام غذائي غير صحي، تربية هشة يكثر فيها الضرب في حالة الطوارئ ويكثر فيها الدلع في أغلبها هي تربية اشرافية صورية إن صح تسميتها. أطفال اليوم أطفال متعبون يعانون من الخمول والكسل والعصبية الزائدة والشرود والسرحان. بيئة الأسرة تفتقد الانتماء والألفة يغيب من يغيب لا أحد يفتقده، أصبحت الأجهزة والعاملات المنزليات هن من تربي أبناءنا يغرسون في نفوسهم قيماً دخيلة لا تمت لديننا ولا عاداتنا وتقاليدنا بصلة. إن ما نشاهده اليوم من جرائم المخدرات والشذوذ وقطيعة رحم هي نتاج طبيعي لطفولة متكسرة، مجروحة، مغتصبة. شوارع اليوم لم تعد مثل شوارع الماضي الآمنة، وبيوت اليوم لن تكون مثل بيوت الماضي العامرة بالحب والألفة. بيوتنا اليوم خاوية باردة الكل منعزل في عالمه حيث الاجهزة وملحقاتها. انتهى الحوار الأسري المباشر، وأصبح التواصل عن طريق مجموعة العائلة يترك الفرد فيها رسالة تفيد بحله وترحاله. إن الحل لاستعادة أبنائنا هو بأيدينا، أن تحتويهم يد أم حانية وسلطة أب واع وبيئة نظيفة يلفها ذكر الله ومخافته ويرويها الحوار الأسري ويرعاها العنصر البشري الفعال لينطلق اطفالنا الى ساحات اللعب الفسيحة التي تشكو من هجرانهم ورحيلهم لها منذ زمن تشتاق لصدى ضحكاتهم وحلو حديثهم وجميل تنافسهم حيث تفجر الطاقات ويغيب الروتين الممل والفراغ القاتل.