سيتضح من هذه السلسلة أو في نهايتها (وهم) بل جهل مقولة أن النسبة المرتفعة للقتلى والمصابين جرّاء حوادث السيارات سببها السرعة فقط أو قطع الإشارة فقط وهي المقولة التي طالما رددها ويرددها أولئك الذين يبحثون عن أقرب شمّاعة ليُعلّقوا عليها عجزهم وفشلهم في (إدارة حرب الشوارع). كنت أرصد ردود الفعل على المقالين الماضيين وهي متباينة وهذا أمر طبيعي ومتوقع وكانت أكثر ردود الفعل ترد في موقع تويتر حيث المكان مُتاح ويتّسع للجميع. معظم الآراء حتى المختلفة فيما بينها اتفقتْ على غياب المرور وتسأل: أين المرور أصلاً؟ ربما أُخصص في نهاية الحكاية (الطويلة) بعض تلك الرؤى المنطقية والقابلة للتطبيق لأن الهدف في النهاية هو المساهمة في تخفيف حدة هذه الآفة المزمنة التي تفتك في أثمن ثروة لدينا (القوى البشرية). أشرتُ في خاتمة المقال السابق إلى سائق السيارة الذي اعتبرته الكل في الكل منه تبدأ الحكاية وإليه تنتهي، وتساءلت عن وضعه (مواطن/وافد) في بلادنا وكيف هو مستوى تأهيله وما هو مفهوم قيادة السيارة لديه أو بالأصح ماذا تعني له السيارة أصلاً؟ فأقول: لا يمر تصريح لمسؤول في المرور أو تنظير حول أسباب وقوع الحوادث إلاّ وترد النسبة الثابتة التي أصبحت (كليشيه) لا تتغير: 85% من الحوادث سببها العنصر البشري ويقصد به السائق تحديداً. لا بأس في هذا ربما يتفق الجميع على جسامة مسؤولية السائق ولكن ما دمنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة (الفتّاكة) فما الذي تم من إجراءات احترازية لتحييد دور هذا العنصر وتقليل نسبة مشاركته في المُعضلة؟ سأجيب دون تردد: لا شيء يستحق. نعم هكذا بكل وضوح. لنبدأ من نقطة الصفر إذاً حول (عنصر) السائق ونسأل كيف يتعلّم قيادة السيارة لدينا ومتى؟ ما سيأتي من حقائق ليس من عندياتي ولكنه الواقع الذي مررنا به جميعاً أنت، وأنا وهم، وأولئك في المدن الكبرى وفي المحافظات والقرى وحتى في صحاري الله الواسعة. ما أن يُشغف الصغير بالسيارة إلا ويبدأ في اختلاس الفرص ليجلس خلف المقود ومن هنا يبدأ التكوين الجنينيّ لسائق المستقبل. البعض يتساهل في ترك هذا الصغير يُجرّب ويغض الطرف أحياناً عن (سياقة الخلسة) وقت القيلولة فيجرّب الصغير مهاراته داخل الحارة ولا بأس بدقشة هنا وصدمة هناك إلى أن تقع الواقعة على حادث جسيم سواء في الممتلكات أو الأرواح وحينها تبدأ المُساءلات واللوم والتهرب من المسؤولية. الذي ينجو من الورطات يستمر في مغامرات السواقة حتى يُعلن عن نفسه سائق الطلبات إذ تبعثه أمه أو أخواته لإحضار المشتريات من الأسواق وبعض الأحيان توصيلهن للمشاوير القصيرة حتى يبلغ السن القانونية للحصول على رخصة قيادة وهنا يبدأ السؤال كيف وأين؟ الوالد يصرّ على قُدرات ابنه ومهارته في السواقة فليس هناك من داع لمدرسة تعليم القيادة ولكن النظام يشترط الحصول على (ورقة) ممهورة ب(ناجح) ليس هذا فقط بل وبنسبة معينة يُحددها المُدرّب في تلك (الدكاكين) أقصد المدارس! إلى الآن لم نصل إلى جواب للسؤال عن حال السائق لدينا(مواطن/وافد) وكيف هو مستوى تأهيله وما هو مفهوم قيادة السيارة لديه أو بالأصح ماذا تعني له السيارة أصلاً؟ لأن الحكاية طويلة والمساحة لا تسمح سأحاول الاختصار في المقالات القادمة، إلى ذلك الوقت كونوا بسلام. لمراسلة الكاتب: [email protected]