تعرفهم من سيماهم؛ يتسببون في قتل القتيل ويمشون في جنازته، باركوا الثورات، بشّروا بالتغيير، بحجة الإصلاح والديمقراطية وحق الشعوب في اتخاذ القرار والمصير، تدّخلوا في شؤون الدول، وافتعلوا العلل، لم يسلم منهم شيء خدمةً لمشروعاتهم السياسية، باسم الحقوق والحرية، فحرّضوا الشباب، ودفعوا بهم حطباً بحجّة نصرة الضعفاء، واستحلّوا الدماء، وبعدما سالت الأرواح أودية حمراء، وتشتّت شمل الشعوب، وصار الدمار عنوان صور الأخبار ولا عزاء، أخذوا يلطمون ويتباكون، لا ندماً وحزناً، إنّما لمزيدٍ من التحريض وخداع المزيد. إشارة لما تم التطرّق له في المقال السابق أنّه مع بدء اشتعال الثورات كم حذّرت في هذه الزاوية ومنذ أكثر من ثلاثة أعوام من ظاهرة التحالفات الفكرية المتناقضة والتي كشفها حسابات شخصيات عديدة ومجهولة مجنّدة في موقع التواصل الاجتماعي تويتر ومن تخطيطها وغايتها مستقبلاً؛ ومن بعد ذلك التشخيص رأيتُ أن التحليل قد تشعّب وأصبحت التحالفات بين دعاة السياسة والثورات لدول الجوار والتي اتخذت غطاء الحقوق قد أخذت تشقّ طرقاً متعددة من أبرزها استغلال بعض القضايا لتحقيق مآرب شخصية أو لتنفيذ أجندة سياسية خفيّة، وظّفت مواقع التواصل الاجتماعي وتويتر خاصةً من خلال حملات الوسوم أو الهاشتاقات التويترية كحملة #فكوا_العاني والكثير من الموثّق ما لا تتسع مساحة الزاوية لها كلها. دعاة السياسة والثورات يستخدمون من الحيل التي يكون ظاهرها دعوى الحقوق والحريات؛ في تناقض عجيب بين ما يتمظهرون به ويستقون من نصوص يلوون أعناقها في توظيف مكشوف لمشروعاتهم السياسية، وإلا كيف بلغ الأمر من مكارثية أن يستحل دم رجل الأمن والجندي المرابط على الثغور ونذر روحه ذوداً عن دينه وحدود وطنه وحفاظاً على أمن شعبه واستقراره، حتى طالعنا آخراً أحدهم أنّ التكفير من حرية الرأي، كما ساووا بينه وبين التحريض والخروج عن طاعة ولي الأمر هي حرية شخصية! إذاً ما الفرق بينها وبين الجاسوسية التي من أساسياتها تحريض الشعب على الحاكم! المشكلة أن البعض لا يعي معنى التحريض على المستوى الأمني، ذلك أن التحريض على كل شيء في الدولة يعني سد الطريق على الأمل وهذا أحد أسباب الإرهاب! يتعارض ذلك الخطاب الذي يصف نفسه ب"الحقوقي" مع الأمن الوطني من خلال أفكارٍ غير آمنة، تنطلق من "شيطنة" لوجهات النظر الأخرى، وادعاء الاصطفاء واحتكار مفهوم الإصلاح لهم وحدهم دون غيرهم من الناس، حتى مفهوم الأمن الفكري وللأسف البالغ تم اختطافه من قبل بعض المغرضين رغم نشأته كمفهوم وطني بامتياز، فالأمن الوطني لا يتحقق من خلال أفكارٍ آمنة. هذه هي الرؤية، أعنف ما يهدد الأمن الوطني هي تلك الأفكار "غير الآمنة" الآتية من عمق التحريض وهو ما كشفته حسابات الكثير التويترية ووثقت مواقفهم وغاياتهم وإن تدثروا ورفعوا شعارات لا للإرهاب أو نظّروا في المفاهيم الوطنية كالأمن الفكري والذي لا يُفهم كيف يدّعيه البعض وحسابه وخطابه يكاد ينفجر من شُحن التحريض نصرة لحزب أو جماعة أو لتحقيق مرادها. إن الخطاب التويتري بات ومنذ زمن يتجاوز مجرد بساطة الغاية من وجوده كمجرد برنامج للتواصل الاجتماعي؛ توظفه استخبارات دول وتتخذ منه جماعات إرهاب وسيلة حرب قليلة التكاليف لكن مكارثية النتائج، لذلك هناك من يعتد به كجزء من سيرة الشخص وقد يظهر ملامح لخارطته الفكرية. الخطاب التويتري ليس بمنأى عن المسؤولية الواضحة عن كثير من المآسي بدءاً من تحريض الشباب والدفع بهم حطباً في مواقد الفتن والصراعات الخارجية، أو استخدامهم قنابل موقوتة تستهدف أرضهم وأهلهم ووطنهم، وكم أتمنى من المراجعات أن نحيط بأخبار وتوثيقات التحريض التبهرية التي تنتجها تلك الخطابات لنئدها في مهدها إن كنّا فعلياً نريد القضاء على الإرهاب.