في الحرب السادسة -وأكثر من أي وقت مضى- حاول بعض الكتاب والسياسيين والإعلاميين من خارج الدائرة الوطنية، كما حاولت بعض وسائل الإعلام تصنيف الحوثية كحركة سياسية اجتماعية وطنية معارضة للنظام السياسي اليمني، انتهجت الوسائل والأساليب غير السلمية لتحقيق أهدافها ومطالبها، ومثل هذا التصنيف الخاطئ؛ وان كان عند البعض نابعاً من طبيعة الجهل شبه الكامل بحقيقة هذه الجماعة وتاريخها ومكونها الفكري والسياسي والديني الطائفي، وتنظيمها العسكري ومكوّنها الاجتماعي المذهبي السلالي الضيق، فإنها عند البعض الآخر نابعة من حسابات ومصالح سياسية يسعى أصحابها إلى تحقيقها من خلال هذه الجماعة والعمل على خدمتها في الوقت ذاته، ويأتي هذا التصنيف في سياق المساعي الكثيرة التي ظهرت في الآونة الأخيرة، الرامية إضفاء الشرعية السياسية والمشروعية المحلية والدولية وإخفاء طابعها الإجرامي ووسائلها الإرهابية غير المشروعة، وبالتالي الحيلولة دون استئصالها كتنظيم عسكري غير دستوري، وتحويلها إلى حزب أو تنظيم سياسي وطرف رئيس معترف به في المعادلة السياسية الوطنية يرتدي العمامة السوداء، وهو الأمر الذي سبق لهذه الجماعة أن رفضت القبول به ورفضت كل عروض الدولة لها في التخلي عن أسلحتها ووسائلها غير المشروعة والانخراط في العمل السياسي الوطني تحت مظلة الدستور والقانون أسوة بغيرها من القوى الوطنية الديمقراطية اليمنية، وما من شك أن مثل هذا التوجه يمثل في حقيقة الأمر إعادة المحاولة لاستنساخ التجربة السياسية والتنظيمية والعملية ل(حزب الله) في (لبنان) دون مراعاة لخصوصية الواقع اليمني. الحوثية من حيث مكوّنها الاجتماعي والسياسي الفكري ونهجها الطائفي السلالي.. أو من حيث أهدافها ورسالتها التاريخية ووظيفتها العامة على الصعيد الوطني أو القومي والإسلامي لا يمكن تصنيفها أو اعتبارها حركة معارضة سياسية مشروعة يمكن الاعتراف بها أو التعاطي التبادلي معها، أكان ذلك وفق القوانين والتشريعات الوطنية.. أو وفق القوانين والتشريعات الدولية المتعارف عليها والمعمول بها في السياسة الدولية، فالحوثية لا تحمل رؤية أو هوية سياسية وطنية، ولا تمتلك نظماً داخلية أو برامج سياسية واضحة ومشروعة، ولا تمتلك مطالب محددة ذات طابع وطني، ولا تقدم مبررات حقيقية ومقنعة لوجودها أو أسباب رفضها للواقع السياسي الذي تنادي بتغييره، فمنذ تأسيسها وظهورها العلني على المسرح السياسي في أول تمرد عسكري ضد الدولة والشرعية ظلت عناصر التمرد والإرهاب الحوثية رافضة أو عاجزة عن تبني برنامج سياسي نظري له أهداف واضحة تسعى من اجل تحقيقه، ولم تعلن للرأي العام المحلي والدولي عن الأسباب الحقيقية لتمردها المسلح وخروجها على الشرعية الدستورية والإجماع الوطني، أو لماذا تقاتل؟ ولماذا ترفض كل خيارات السلام المعروضة عليها؟ ولماذا تصر على الاحتفاظ بأسلحتها الثقيلة والمتوسطة وتنظيمها العسكري؟ كما أنها لم تعلن عن أي مطالب وطنية أو خاصة بها يمكن معالجتها أو الحوار السلمي على أساسها. ولهذا لا يمكن تحت أي ظرف من الظروف أن تصنف الحوثية كحركة سياسية معارضة، يمكن إخضاعها للتشريعات السائدة واستيعابها ضمن النسيج الوطني السياسي، وقد عجزت الدولة وعبر جولات الصراع الخمس عن إقناع عناصر الإرهاب والتمرد الحوثية للقبول بخيارات السلام الحقيقي وتطويعها عبر الوسائل السلمية، بل على العكس وظفت هذه العناصر إرادة الحوار وخيارات السلام التي تبنتها الدولة في التعامل معها، واستغلتها لإعادة بناء قدراتها وإمكاناتها العسكرية والتنظيمية لتوسيع دائرة سيطرتها ونفوذها داخل محافظة (صعدة) والشروع بحرب جديدة ضد الوطن والشعب. كل هذه المعطيات النظرية والتجارب العملية إنما تؤكد حقيقة الحوثية كجماعة إرهابية متطرفة أنتجتها مشاريع سياسية إمامية ماضوية وخدمتها الظروف والمعطيات الاستثنائية المعقدة للواقع الوطني والإقليمي والدولي، وتحمل مشروعاً سياسياً طائفياً سلالياً يتبنى نزعة تضليلية تدميرية وتفكيكية، تتقاطع أهدافه وأجندته مع مصالح وأجندة قوى داخلية وأطراف خارجية مختلفة، والحوثيون مثل غيرهم من الجماعات الإرهابية المعاصرة وظفوا الخطاب السياسي الديني لتبرير وجودهم وإرهابهم وجرائمهم ضد المجتمع. من الناحيتين النظرية والعملية لا يمكن لأي حركة أو جماعة إرهابية متمردة أن تقاتل بمثل هذه الشراسة والإمكانات المادية والعسكرية الكبيرة وعلى مختلف الجبهات العسكرية وغير العسكرية ولفترة زمنية طويلة، ما لم يكن لها برنامج فكري عقائدي ومشروع سياسي يحمل في مضامينه من العوامل والأسباب والمبررات الكافية لإقناع واستقطاب الشباب أو التغرير بهم.. بالانضمام إلى صفوفها والدفع بهم نحو التضحية والقتال حتى الرمق الأخير من حياتهم. بالنسبة للحوثية تختلف العوامل الموضوعية والشروط الذاتية، وتتعدد المصادر الداخلية والخارجية المولدة لعناصر قوتها واستمرارها حتى الآن، وقد سبق تسليط الأضواء عليها ودراستها وتحليلها عبر وسائل الإعلام المختلفة، ومن خلال البحوث والدراسات والندوات والإصدارات الوطنية والأجنبية التي تناولت هذه الظاهرة وتاريخ هذه الجماعة الإرهابية.. وامتداداً لكل ما سبق تناوله عن مصادر وعوامل قوة هذه الجماعة سأحاول في هذا الموضوع تسليط شيء من الإضائة على المنابع الفكرية والقناعات العقَدية المذهبية التي تستمد منها الجماعة الحوثية بعض جذورها ومصادر قوتها. الجماعة الحوثية مثل غيرها من العصابات الإرهابية المعاصرة المتوشحة بالدين (نموذج القاعدة) لا تمتلك برنامجاً سياسياً وأهدافاً واضحة، ولكنها تسترشد بمؤلفات وخطب وأحاديث وفتاوى أئمتها وقادتها الروحيين وأمراء الجماعات التنفيذية، وتسترشد جماعة الإرهاب والتمرد الحوثية في نهجها وسلوكها العملي وحربها ضد الدولة والمجتمع بالإرث الفكري النظري والخطاب السياسي الديني والعسكري لمؤسسها (حسين بدرالدين الحوثي) الذي تضمنته محاضراته وخطبه وأحاديثه الموجهة إلى أتباعه، وعلى الرغم من مقتله في أول مواجهة مسلحة ضد الدولة ووجود العديد من فقهاء السياسة والدين في وسط الجماعة الحوثية إلا أن هذا الإرث لم يفقد أهميته ودوره الروحي المؤثر على عناصر الجماعة حتى الآن، لعدة أسباب أهمها المكانة الروحية المقدسة ل(حسين الحوثي) في عقول وأفئدة اتباعه وأنصاره، وهذه المكانة تمثل ثمرة نجاح اللوبي السياسي الديني، والإعلامي الدعائي للحوثية الذي استطاع أن يضفي عليه هالة من القداسة الدينية والصفات الخارقة التي عادة مايتفرد بها الرسل والأنبياء، وتم تصويره وتقديمه إلى اتباعه وأنصاره كشخصية تاريخية قدرية فريدة في زمانها، وإمام وعالم دين مصلح ومجدد لعلوم الدين، وفي هذا السياق تم استثمار الإرث الفكري للجماعات الإمامية (الجارودية) و(الاثني عشرية) الذي يقول بعصمة الأئمة وعلمهم الغيب، لخلق المبررات المقنعة للتمرد على الدولة والخروج على الشرعية والإجماع حين قدمت (حسين الحوثي) كقائد روحي تنبأت بظهوره العديد من المراجع والأحاديث والروايات والكتب المتداولة عند بعض الفرق الشيعية التي تقول إن ظهوره حتمية دينية ليقود الثورة اليمنية الممهدة لظهور المهدي المنتظر.. مثل هذه الروايات وغيرها تم توظيفها ببراعة في تربية منتسبي هذه الجماعة بالطاعة العمياء والإيمان الراسخ والولاء المطلق لقائدهم (حسين بدرالدين الحوثي)، وأضفى البعض من اتباعه عليه المزيد من الصفات الخارقة، ووصل غالبية الفتية والشباب في قناعاتهم إلى درجة اليقين من أن سيدهم حسين مصطفى من عند الله، وان قوله من قول الله، وبأنه في درجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأنه المصدر الوحيد لتلقي الإسلام الصحيح. الإرث الفكري ل(حسين الحوثي) يحمل مشروعاً سياسياً واضحاً يقوم على قاعدة الحق الإلهي لآل البيت في السلطة السياسية والروحية في المجتمع، ويعتمد مختلف الوسائل والأساليب والأسلحة المشروعة وغير المشروعة لاستعادة هذا الحق الذي يعتبرونه مُغتصباً منذ قيام الثورة والنظام الجمهوري في اليمن عام1962م، هذا المشروع السياسي يرتبط بأجندة سياسية مذهبية وأمنية وعسكرية، ومصالح قوى خارجية لاتخفي حرصها الكبير في الدفاع عنه ودعمه والحفاظ على استمراره وتطوره وتمدده ضمن أكبر نطاق سياسي واجتماعي وجغرافي ممكن.. السمات العامة لمؤلفات (حسين الحوثي): من خلال الدراسة المتأنية للموروث الفكري السياسي ل(حسين بدرالدين الحوثي) بأشكاله المختلفة المقروءة والمسموعة.. يمكن استشفاف أبرز سماته العامة التي من أهمها: - التركيز على عملية غسيل الدماغ لجماعات (الشباب المؤمن) وإعادة حشوها بقناعات مغايرة تخدم مشروعه السياسي عبر توظيف الدين كعقيدة وإرث أخلاقي وسلوكي يشكل الهوية الشخصية والجمعية، ويحاول اختزال الدين في المذهب وجعل القناعات المذهبية المتطرفة بديلا عن القناعات الدينية السمحة كمنطلق لتحديد علاقات هؤلاء الشباب بإطارهم الاجتماعي وبالآخر، وكيفية التعامل معه في إطار الجماعة أو المذهب الواحد، أو المختلف معه مذهبياً وفكرياً. - استثمار حالة الجهل وضعف الوعي الديني لدى أتباعه، وتوظيف عاطفتهم الدينية وقوة عقيدتهم وإيمانهم في إعادة تشكيل وعيهم وقناعاتهم وسلوكهم وتصرفهم العام، ضمن نهج سياسي مبني على تعصب ديني خطير، ورؤية عصبوية متطرفة لا تعترف بالآخر من خارج السلالة، ولا مكان فيها لحوار أو تقارب أو تفاهم مع الآخر وتنكر حقه المشروع في أية سلطة روحية أو سياسية. لقد عمل (حسين الحوثي) على توظيف القوة الروحية الهائلة الكامنة في الدين في اتجاه معاكس للأهداف الحقيقية للدين ورسالته الإيمانية والحضارية البناءة وتسخير هذه القوة لخدمة مشروعه التفكيكي التدميري، مستلهماً من دروس التاريخ وعبره وتجاربه كيفية استخدام سلاح الطائفية والتعصب الديني المذهبي والسلالي الذي ملأ الأرض بالإرهاب والعنف، وضرجها بالدماء والحروب مراراً وتكرارا، ويتجلى بوضوح مسعاه في تحويل التعدد والاختلاف والتسامح التاريخي المذهبي في اليمن إلى أرضية لصراع سياسي عسكري متسلح بتعصب مذهبي وتطرف ديني يجعل اليمنيين العقلانيين غير منطقيين ومتوحشين بشكل غير معهود للدفاع عن قناعاتهم وخياراتهم المذهبية عندما يشعرون بأنها مهددة من قبل الآخر، وحين تتسع قاعدة التطرف والتطرف المضاد له تتحول الطائفية إلى سلاح لتدمير النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية واستقرار الشعب وكيانه الوطني. جميع خطاباته ومحاضراته موجهة حصراً نحو أبناء الطائفة الزيدية وليس إلى جميع اليمنيين، وهو حين يقدم نفسه وصياً على المذهب الزيدي ومصلحاً ومدافعاً عنه، إنما يهدف إلى تحويل هذا المذهب إلى حامل اجتماعي ومسوق مقبول لمشروعه السياسي الذي يقوم على الفكر والسلوك السياسي والطقوس المذهبية للاثني عشرية الجعفرية ورموزه السياسية والدينية.. لقد قامت علاقة (الحوثي) و(تنظيم الشباب المؤمن) مع المذهب الزيدي على أساس النفعية، وهو يتمسك بالمذهب حين تكون الضرورة لازمة لذلك، ولا يتردد في الخروج على هذا المذهب حينما يجده غير مأمول لأن يكون غطاءً وحاضناً لمشروعه السياسي. ولتسويق خطابه وقناعاته الفكرية ومشروعه السياسي استخدم (حسين بدرالدين الحوثي) مختلف أشكال ووسائل الإعلام والدعاية، وكذلك إحياء المناسبات الشيعية الدينية الدخيلة على الواقع الوطني أو تحوير بعضها وجعلها مناسبات دينية خاصة ب (الشباب المؤمن) والحوثية.. وعن هذا التوجه يقول في احدى محاضراته: "من أهم الأسس التي يجب التركيز عليها، باعتقادي النشر الصوتي عبر توفير الكاسيت، والوسيلة الأخرى والاهم الشعائر الحسينية التي ترتكز على مؤسسات الشعائر الحسينية التي تستقطب الناس من مختلف المستويات والشرائح، إذ رأينا حتى حملة الشهادات العليا وكبار المثقفين يخضعون عاطفياً أكثر منه عقلياً، فالأمور العاطفية مهمة وتلعب دوراً في تغيير الكثير من تصورات الإنسان، وان نركز على إنشاء مؤسسات تقييم الحوار المباشر مع أكثر من جهة.. ولا ننسى دور الكتاب في التبليغ أيضاً ووسائل الإعلام الحديثة كالانترنت وغيرها". التعاطي مع وقائع وأحداث التاريخ الوطني والإسلامي بانتقائية سياسية مذهبية يحاول من خلالها إحياء جذور الصراعات التاريخية وتسخيرها في خدمة مشروعه التفكيكي، وجعلها منطلقات ومبررات، وفي الوقت ذاته دلالات يقوم عليها خطابه السياسي التحريضي الموجه لإذكاء جذوة الفتن والصراعات المعاصرة، وتكبيل الحاضر بموروثات الماضي السلبية وتكبيل الوعي الجمعي لأنصاره بالانشداد الواعي نحو الماضي.. كافة محاضرات وخطابات (حسين الحوثي) مبنية على قاعدة ومنهاجية التعصب السياسي الديني والطائفي السلالي الأعمى، وهي محشوة بالأفكار الدينية الراديكالية، والقناعات الإرهابية المتطرفة ودعوات التمرد والخروج المسلح عن الشرعية، ومفرداتها اللغوية واستدلالاتها الدينية المأخوذة غالباً عن أئمة الفقه (الجعفري) و(الجارودي) زاخرة بمصطلحات الجهاد، والخروج والتحشد والتضحية بالنفس والإيمان بالوعد الإلهي بالنصر، وغيرها من المفاهيم والمصطلحات والمفردات التي تحرض على التمرد والقتال، وتغذي قناعات التطرف وتوجه السلوك الفردي والجمعي لأتباعه نحو صناعة الإرهاب وإنتاج الحروب والدمار. عبر قراءة المحاضرات والإنتاج الفكري ل(حسين الحوثي) في إطار تسلسلها الزمني يتجلى بوضوح التوجه (الاثني عشري الجعفري) المتنامي والميول المتصاعدة لإحياء الملل والنحل والطوائف، وخلق المزيد من المبررات والمقومات لضرب وحدة الدين والإنسان والوطن اليمني، والتحريض على المزيد من سفك الدماء، كما يتضح بشكل أكبر ملامح مشروعه السياسي الكبير الذي يستلهم فكر وفلسفة (الثورة الخمينية) وخبرات (حزب الله) واستزراع بذورها الفكرية والمذهبية وأدواتها العملية في الواقع اليمني، هذا التحور الفكري المتنامي نحو الفكر الجعفري الاثني عشري ومشروعه السياسي وصل ذروته قبل موت (حسين الحوثي) بتحويل(تنظيم الشباب المؤمن) إلى حاضنة لاستيراد وتنفيذ فكر (الثورة الخمينية)، وأداة لنشر التشيع السياسي في المنطقة. مؤلفات (حسين الحوثي) في مضامينها الفكرية السياسية - الدينية وأهدافها العامة تمثل مزيجاً من القناعات والأفكار والتوجهات السياسية والدينية والمذهبية التي تختلف باختلاف مصادرها ومشاربها التاريخية والمعاصرة، ويمكن اختزال ابرز المصادر الرئيسة التي تغذى منها فكر الحوثية وبرنامجها النظري ونهجها العملي ومشروعها السياسي وأهدافها ورسالتها التاريخية في التالي: الفكر السياسي للإمامة: فالحوثية تعتبر أحد الأشكال المعاصرة للفكر السياسي الإمامي وامتداداً متطوراً لمرجعياته وإرثه السياسي الديني المتخلف، ومؤلفات (حسين الحوثي) بمضامينها المختلفة تمثل نتاجاً لعملية التحور التراكمية في فكر الإمامة التي حتمتها متطلبات واشتراطات بقائه واستمرار وجوده وفعله بعد الثورة بأشكال وألوان مختلفة توائم متغيرات الواقع ومعطياته المكانية والزمانية. الطموحات الذاتية ل(حسين الحوثي): أحد المصادر الرئيسة للفكر الحوثي نابعة من حقيقة الهواجس والقناعات السياسية الذاتية المتأصلة في عائلة(حسين الحوثي)، وطموحاتها وتطلعاتها في الجلوس على كرسي الإمامة والزعامة السياسية. هذا الطموح ورثه الأبناء عن أبيهم (بدرالدين الحوثي) الذي سبق له في عهد (الإمام يحيى حميد الدين) أن ادعى الإمامة لنفسه وبايعه بعض أنصاره في (مران) و(صعدة)، وتم سجنه لمدة سنتين، وبعد انتصار ثورة 26سبتمبر1962م ادعى الإمامة لنفسه وأعلن التمرد المسلح على الثورة والجمهورية.. وقاتل وجماعته سنوات طويلة في سبيل تحقيق هذا الحلم، واليوم يكرر أبناؤه نفس التجربة والمسعى في تحقيق هذه الغاية والهواجس التاريخية، ولكن بوسائل مغايرة وتحالفات جديدة. فكر وفلسفة الثورة الخمينية الإيرانية: وإن كانت بداية التأثر بفكر الثورة الإيرانية وانتصارها نابعة من عاطفة وطنية شعبية معادية للنظام الإيراني السابق والتأييد المعنوي للثورة، إلا أن هذا الإعجاب تحول عند قوى الإمامة والزعماء الروحيين للحوثية إلى قوة إلهام معنوية ومادية للاقتداء بمنهجها ووسائلها في عملية التغيير وعودة السلطة إلى الإمامة. ولهذا تم اعتماد تاريخ وتجربة الثورة الإيرانية كمادة دراسية أساسية ضمن العلوم التي كان يتلقاها (اتحاد الشباب) ومن ثم (تنظيم الشباب المؤمن)، إلى جانب ابتعاث مئات الطلاب من الشباب المؤمن للدراسة في (إيران). وتأثر الحوثية بفكر وفلسفة الثورة الإيرانية مرده الأساسي يعود إلى العلاقات الشخصية التي كانت تربط الأسرة الحوثية التي زارت إيران أكثر من مرة ببعض قيادات الحرس الثوري والمرجعيات الدينية في مدينة (قم)، كما أنه عكس الحاجة المشتركة للطرفين في تبادل المنافع والخدمات التبادلية، فالقيادة الإيرانية المتحمسة لتصدير الثورة على المستوى العالمي قدمت الكثير من أشكال الدعم للأسرة والجماعة الحوثية وتبنتها للقيام بمثل هذا الدور في اليمن. ومن خلال مؤلفاته نجد أن تأثر(حسين الحوثي) بفكر وفلسفة الثورة الإيرانية قد تجاوز مرحلة الإعجاب والاستفادة من نهجها وخبراتها العملية وتوظيفها بما يتواءم وخصوصيات الواقع اليمني، إلى تبني مشروعها ونقله إلى الواقع اليمني بكل تفاصيله، وكانت البداية في تبني شعار الثورة الإيرانية (الصرخة) منذ العام2002م ليكون شعاراً سياسياً رسمياً للجماعة الحوثية في حربها ضد الدولة والشعب اليمني. الفكر السياسي المذهبي للإمامية: جذوره التاريخية تعود إلى (بدرالدين الحوثي) الأب الروحي لجماعة التمرد والإرهاب الحوثية التي ينتمي إلى (الجارودية)، أما احتياجاته العملية فنابعة من التقارب المذهبي بين الزيدية وأهل السنة والجماعة الذي جعل المذهب الزيدي في نظر (حسين الحوثي) غير مأمول وغير مؤهل لحمل المشروع السياسي للحوثية، وحتم بالضرورة الأخذ بالفكر السياسي المذهبي المتعصب للرافضة باعتباره حاجة ووسيلة ضرورية لزرع الفتن، وإثارة الفوضى والصراع بين أبناء الوطن الواحد على أسس الطائفية، لا سيما أن الإمامية تعتبر المسلمين المخالفين لهم من السنة أو الزيدية كفاراً مستباحة دماؤهم وأموالهم. في مؤلفاته حاول (حسين الحوثي) أن يجسد القواسم السياسية المشتركة بين مختلف الجماعات الشيعية الإمامية التي تشكل بمجملها عناصر عامة مكونة لظاهرة التشيع السياسي المعاصر المتجسد اليوم في الواقع الحياتي من خلال (الاثني عشرية الجعفرية) وثورتها الخمينية، التي أضحت الحاضنة والراعية والداعمة الرئيسة للجماعة الحوثية التي أفرزت من داخلها طليعة سياسية متميزة تسمى في أدبياتهم (بالمستبصرين) للدلالة على مجموعة الشباب المتحولين من المذهب الزيدي إلى المذهب الجعفري. لنا عودة -إن شاء الله- في موضوع آخر لقراءة تطور البنية الفكرية والسياسية والتحور المذهبي في مؤلفات (حسين الحوثي)، ورؤيته الفلسفية للتعاطي مع الواقع الوطني والتطورات المعاصرة. * رئيس تحرير صحيفة 26 سبتمبر اليمنية