عندما تنهار أسواق العقود الآجلة للنفط كما حدث هذا الصيف تتحرك الأسواق الحاضرة عادة في الاتجاه المعاكس مع مسارعة شركات التكرير إلى انتهاز فرصة النفط الرخيص للتخزين. وفي ظل الأسعار الحالية بسوق العقود الآجلة التي تحوم حول أدنى مستوياتها في ست سنوات ونصف السنة من الطبيعي أن تتعزز السوق الحاضرة وأن ينبئ ذلك بانتعاش محتمل في سوق العقود الآجلة تكرارا للأنماط التي لوحظت خلال الأزمة السابقة في 2008 و2009. لكن تجار النفط من شتى البقاع يقولون إن السوق الحاضرة مازالت ضعيفة رغم كل شيء في دليل جديد على الصعوبة الشديدة في تصريف تخمة المعروض العالمي من النفط الخام. وقال تاجر بسوق البحر المتوسط «لا أذكر أنه خلال أي تصحيح من هذا القبيل (في العقود الآجلة) ظلت فروق الأسعار والقيم في السوق الحاضرة بهذا الضعف. ينبئني هذا بشيء واحد - أن تخمة المعروض مازالت تثقل كاهل السوق». وهوت أسعار النفط إلى حوالي 40 دولارا للبرميل من ذروة 2014 البالغة 115 دولارا حيث تفاقمت تخمة المعروض الناجمة عن طفرة النفط الصخري الأمريكي بفعل قرار أوبك الضخ بأقصى طاقة للدفاع عن الحصة السوقية وكبح إمدادات المنتجين ذوي التكلفة المرتفعة. ومع بدء تراجع الأسعار سارع تجار النفط الروسي والأذربيجاني والقازاخستاني والنيجيري والأنجولي إلى طرح خاماتهم بتخفيضات كبيرة في مسعى للعثور على مشترين. وتواصل ذلك معظم فترات العام الأخير وهو ما يدحض وجهات النظر التي قالت مرارا إن الأسعار المنخفضة ستحفز الطلب وتساعد في نهاية المطاف على تصريف التخمة. وقال تاجر روسي «طلب قوي؟ لو كان بالقوة التي يتحدث عنها الجميع لكان من الممكن تصريف الشحنات بشكل أسرع بكثير». ويباع خام الأورال الروسي بخصم يتراوح بين دولار ودولارين للبرميل عن خام برنت القياسي في شمال أوروبا مقارنة مع خصم أقل من دولار معظم فترات 2009 عندما بدأت العقود الآجلة للنفط تتعافى من المستويات المتدنية التي بلغتها في 2008. ويباع الخام الأذربيجاني الخفيف بسعر لا يبعد كثيرا عن أضعف علاوة سعرية له فوق برنت منذ 2010 ويحوم خام كوا إبوي النيجيري - أحد أبرز ضحايا طفرة النفط الصخري الأمريكي الذي حل محله بشكل شبه كامل بالأسواق الأمريكية - غير بعيد عن أدنى علاوة سعرية له فوق برنت في عشر سنوات. المعروض سيزيد أكثر وفي وقت سابق هذا الأسبوع قال بنك مورجان ستانلي الأمريكي أحد أكبر اللاعبين بسوق السلع الأولية في العقود الأخيرة إن ضعف السوق الآجلة في الفترة الأخيرة يبدو مدفوعا أكثر بالعوامل المالية لا الأسواق الحاضرة. وقال محللون بالبنك من بينهم آدم لونجسون «في حين أن العوامل الأساسية للنفط غير قوية فإن الأسواق الحاضرة لا تبرر الضعف الكبير في السعر المقطوع.» وأشار إلى أن فروق أسعار العقود الخيارية لبرنت أبدت متانة أكبر في الأسابيع الأخيرة مقارنة مع الأسعار المقطوعة حيث تقلص فرق السعر بين برنت وخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي رغم المخاوف من تنامي المخزونات الأمريكية في حين ارتفعت قيم خامات بحر الشمال وغرب افريقيا قليلا في الأسابيع الأخيرة. وقال التجار إنهم يرغبون في الاقتناع بوجهة نظر مورجان ستانلي لكن ديناميات المعروض للأشهر المقبلة تنبئ باستمرار حالة الضعف على الأرجح. وقال عدة تجار في الخام الأنجولي إن الصين تكبح الشراء بما يترك كميات كبيرة من النفط في السوق بينما كانت تحميلات أكتوبر هي الأضخم منذ فبراير. ولا يوجد حتى الآن سوى سبع شحنات من الخام الأنجولي في طريقها إلى المشترين بعقود محددة المدة مقارنة ما بين 12 و15 في الأشهر الماضية. واشترت يونيبك الصينية شحنتين فقط مقارنة مع خمس شحنات في المعتاد. وتعتزم نيجيريا تصدير ما لا يقل عن 2.04 مليون برميل يوميا من النفط الخام في أكتوبر تشرين الأول وهو ما سيكون أعلى مستوى هذا العام. ويأتي ذلك في وقت غير موات للدول الأفريقية حيث جرت العادة أن تكون ذروة موسم صيانة المصافي الأوروبية في أكتوبر تشرين الأول وهو ما يحد من كمية النفط الخام التي تستطيع أن تستهلكها. ومن المتوقع أيضا أن تشهد صادرات سبتمبر من خام الأورال الروسي طفرة مع قيام مصافي التكرير المحلية بأعمال صيانة مما سيضاف إلى إمدادات الخامات الثقيلة القادمة من أذربيجان وقازاخستان. ومن المنتظر ارتفاع إنتاج تدفقات الخامات البريطانية والنرويجية الاثني عشر الرئيسية إلى أعلى مستوى لعام 2015 في سبتمبر عند 1.99 مليون برميل يوميا بالتزامن مع انتهاء موسم الصيانة الصيفية للحقول. وفي الأسبوع الحالي ألقت شل الضوء على مصاعب بيع الشحنات عندما طرحت شحنة من خام جولفاكس - الذي يباع عادة في صفقات خاصة وسرية - عبر نافذة بلاتس العلنية.