تعد الحوادث المرورية من الظواهر السلبية التي يعيشها المجتمع السعودي، ورغم الجهود المبذولة للحد منها وتوعية السائقين بمخاطر تجاوز الانظمة والتعليمات المحددة في النظام المروري، ورغم ما قدم في الماضي من حملات توعوية امنية ومرورية، وما رافق ذلك من اسابيع مرورية محلية او خليجية او عربية إلا ان الحوادث المرورية ما تزال مستمرة. الجميع يطرح السؤال التالي الى متى هذه الحوادث؟ وللاجابة على هذا السؤال لابد اولاً من التعرف على هذه الظاهرة ومعاملتها بأنها داء يحتاج الى علاج كبقية الامراض التي تنتشر في المجتمعات، وانها سوف تستمر في ظل التزايد الملموس في اعداد المركبات وعدم وجود نظام موحد للنقل العام، وعدم المسارعة الى استحداث بدائل مناسبة اخرى تخدم مرتادي الطرق ووجود قائدي المركبات الذين يتجاوزون الانظمة باصرار. وبالنظر الى الاحصاءات التي تصدر من الادارة العامة للمرور نجد انها في ازدياد من عام الى آخر نعم الحوادث موجودة في كل دول العالم لكن ليس بالكثافة التي تشهدها بلادنا فقد ذكرت المنظمة الدولية للوقاية من حوادث الطرق ان ما يفقده العالم سنوياً بسبب الحوادث المرورية يصل لحوالي 16 مليون اصابة و700 الف حالة وفاة. كما أكد الكثير من المختصين في بلادنا ان النهضة الحضارية والاقتصادية التي عمت وطننا اسهمت بشكل كبير في تزايد اعداد السائقين الامر الذي شكل عبئاً ثقيلاً على الخدمات المرورية التي تقدمها على الطرق داخل المدن وخارجها. والنظر الى الاحصائية الصادرة من ادارة المرور فقد بينت ان المملكة قد شهدت خلال عام 1425ه حوالي 293281 حادثاً نتج عنها اكثر من 5168 حالة وفاة وهذا الرقم غير دقيق بالنظر الي ان المصاب قد نقله الى المشفى ثم يتوفى بعد ذلك. وبتفصيل اوسع فإنه يموت نتيجة للحوادث ما يعادل 17 حالة لكل 1000 حادث وللتوضيح اكثر حالة وفاة واحدة كل ساعتين على مدار العام. وبذلك يتبين ان الوطن يفقد حوالي 12 شخصاً كل يوم نتيجة للحوادث. لقد أشرنا الى ان النهضة الحضارية اسهمت في هذا النتاج من الحوادث فلو نظرت الى الحي الذي تقطنه لوجدت ان اعداد السيارات فيه في ازدياد يوماً بعد آخر وقس على ذلك بقية مناطق المملكة حتى العمالة الوافدة استطاعت ان تمتلك اكثر من مركبة وهذا اوجد نوعاً من الكثافة على الطرق بشكل يومي خاصة داخل المدن الرئيسية. تزايد عدد السكان وقال العميد فهد بن سعود البشر مدير الادارة العامة للمرور ان ارتفاع الحوادث المرورية في انحاء المملكة يرجع الى الزيادة السكانية المطردة، داعياً الى عدم تفسير ارتفاع الحوادث المرورية وفق رؤية واحدة دون النظر الى العوامل المساعدة التي تؤكد حاجة السكان المتنامية الى استخدام وسائل النقل الخاصة. وأضاف: ان الحلول الفردية لا تجدي مع الارتفاع المزعج للحوادث المرورية، مضيفاً ان هذه الزيادات لها تأثيرات مباشرة على المشكلة، وعليه فإنه لا يجب ان نغفل هذا العامل من خلال العمل على اجراء المقارنات من سنة الى اخرى، مؤكداً انزعاج الجهات الامنية من الزيادة المطردة في اعداد الحوادث بشكل لافت، مشيراً الى ان الامن العام ممثلاً بالادارة العامة للمرور يسعى بكل اقتدار الى رصد المشكلة المرورية، إلا ان الحوادث ما زالت في ازدياد، وقد كشف ذلك ما تضمنته الاحصائية الصادرة عن الادارة عام 1425ه ، حيث ابرزت ان الحوادث الجسيمة تشكل نسبة قدرها 8,8٪، وهي الحوادث التي ينتج عنها وفاة أحد اطراف الحادث او مرافقيه او اصابات تستلزم الانتقال الى المستشفى وينتج عنها بعض الاعاقات. وأشار الى انه بالرجوع الى احصائية العام 1424ه نجد ان نسبة الحوادث الجسيمة قد زادت بما يعادل 17٪ في عام 1425ه ، حيث اتت منطقة مكةالمكرمة بواقع 10836 حادثاً جسيماً يليها منطقة القصيم 2349، ومن ثم مدينة الرياض 2082، فيما سجلت نجران حوالي 654 حادثاً جسيماً كأقل نسبة من الحوادث الجسيمة، وبهذا يتضح ان منطقة مكةالمكرمة تمثل حوالي 42٪ من الحوادث الجسيمة التي تقع في المملكة، وبمقارنة الحوادث الجسيمة لعام 1424 و1425ه نجد ان هناك زيادة تقدر بحوالي 3743 حادثاً، مشيراً الى ان هناك اشهراً تكثر فيها الحوادث المرورية، وهي شعبان بما يعادل 26506 حوادث، وبنسبة 9٪، وشهر ذي القعدة 26185 حادثاً، وبنسبة 9٪، ثم شهد ربيع الاول، واقل الحوادث تركزت في شهر محرم، حيث بلغت نسبة الحوادث 7,8٪ لكن هذا لا يعني ان الحوادث محصورة على هذه الاشهر، بل لابد من اخذ الحيطة والحذر في جميع الايام والاشهر. آثار الحوادث من جهة اخرى فإن واقع الحوادث يؤدي الى العديد من الآثار الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، وبالنظر الى العامل الاقتصادي نجد انه قد بلغت عدد حوادث التلفيات ما يعادل 267506 حادثاً، نتج عنها خسائر مادية جسيمة آلية وممتلكات خاصة وعامة كما بينت الاحصائية ان شهر رمضان هو اكثر الشهور من حيث عدد حوادث الوفيات، يليه شهر ذي الحجة، ثم شهر جمادى الاولى، ويعود ذلك لكثرة الحركة خلال مواسم الحج والعمرة، كما يعد شهر رمضان من الاشهر التي تكثر فيها الاصابات يليه شهر جمادى الاول. وبالرجوع الى اوقات الحوادث نجد ان حوالي 60٪ من الحوادث تقع نهاراً بواقع 174644 حادثاً، وحوالي 40٪ تقع ليلاً بواقع 118637 حادثاً، فيما اوضحت الاحصائية ان 79٪ من الحوادث تقع داخل المدن، و21٪ خارج المدينة، إلا ان الرياضومكةالمكرمة تختلفان عن بقية المناطق لأن نسبة حوادثها تقع بالنهار اكثر من المعدل العام. السرعة هي السبب وأرجع عدد من المختصين بالعلوم الامنية والمرورية ان السرعة هي السبب الرئيسي لكثير من الحوادث المرورية، ورغم التحذيرات الدائمة والحملات التي نفذت ما زال البعض يتناسى المخاطر التي تسببها السرعة، فقد بينت الاحصائية ان السرعة الزائدة كانت خلف 34٪ من الحوادث التي وقعت، وقد تفوقت على بقية اسباب بنسبة كبيرة يليها مباشرة الدوران غير النظامي بما يعادل 10٪، ثم التجاوز غير النظامي والتوقف المفاجئ بنسبة 9٪، وبالرجوع الى ما تضمنته الاحصائية عن اكثر المناطق وقوعاً للحوادث نتيجة للسرعة تأتي مدينة الرياض، وبنسبة كبيرة عن بقية مناطق المملكة بما يعادل 49٪ أي حوالي النصف تقريباً. الوفيات لقد أكدت دراسة مرورية اجراها المركز الوطني للمعلومات ان ضحايا الحوادث المرورية من مصابين وقتلى في ازدياد مستمر وان حوالي 78٪ من حالات الوفيات تقع لمن هم دون 46 سنة كما ان ثلث اسرة المستشفيات في المملكة مشغولة من قبل مصابي حوادث المرور. وتجدر الاشارة الى السنوات الاخيرة قد شهدت زيادة كبيرة في عدد المخالفات المرورية المرصودة والمسجلة من قبل ادارات المرور حيث ارتفع عدد المخالفات المرورية في عام 1424ه بنسبة 349٪ عن عام 1419ه وفي عام 1424ه كان يسجل ما يقارب من 11 مخالفة في كل دقيقة وعلى مستوى المملكة. وبالرجوع الى احصائية عام 1425ه نجد ان حالات وفيات الذكور جراء الحوادث المرورية تبلغ 86٪ من المتوفين، فيما بلغت من الاناث حوالي 13٪، وقد تصدرت منطقة مكةالمكرمة النسبة العظمى بما يعادل 975 ذكراً 327 انثى توفوا جراء الحوادث في العام المشار اليه. وجاءت اكثر الفئات العمرية التي تتركز فيما الوفيات من الحوادث المرورية دون السن المسموح بالقيادة فيه ما يعادل «1007» وفاة دون سن 18 سنة فيما ان 30٪ من المتوفين تتراوح اعمارهم بين 18 - 29 سنة، كما ان نصف عدد المتوفين تقريباً تقل اعمارهم عن 30 سنة وهذا يؤكد ان الحوادث تستهدف بنية التنمية المستقبلية من الشباب، كما ان الاصابات التي يتعرض لها الشباب جراء الحوادث تعادل 31,9٪ من المصابين من عمر 18 سنة الى 29 سنة، وكذلك الشأن في ان نصف الاصابات البالغة تحدث لمن هم دون سن 30 سنة. لقد أبرزت الاحصائية ان عدد الوفيات في مدينة الرياض لعام 1425ه بلغ اكثر من 430 حالة وفاة بمتوسط 36 حالة وفاة شهرياً، وبمعدل وفاة شخص واحد على الاقل يومياً في شوارع الرياض. استخدام السيارات وتمثل نوعية المركبة بعداً هاماً في العملية الاحصائية للادارة العامة للمرور حيث تم رصد نوعية المركبات التي تشترك في الحوادث بصفة دائمة حيث تمثل السيارات الصغيرة اكثر السيارات المشتركة في الحوادث المرورية بمناطق المملكة، حيث مثلت ما نسبته 60٪ من مجموع السيارات المشتركة في الحوادث المرورية وهذا يعود الى انتشار السيارات الصغيرة بشكل كبير يليها (الونيت) بينما، تمثل اقل انواع السيارات اشتراكاً في الحوادث المرورية بما يعرف بالحافلات مع الاخذ في الاعتبار ان حوادث هذا النوع في اغلب الاحيان جسيمة نتج للاعداد التي تتضمنها كل حافلة من مصابين ومتوفين وخاصة خلال مواسم الحج والعمرة. المخالفات المرورية ان المخالفات المرورية هي أهم الاسباب الرئيسية للحوادث المرورية والتي تتمثل في السرعة الزائدة وتجاوز الاشارة المرورية وعدم مراعاة شروط السلامة والدخول والخروج الخاطئ فقط تم ضبط اكثر من (10077797) مخالفة مرورية موزعة على اشهر السنة في المملكة وان اكثر المخالفات التي تم ضبطها يأتي شهر شوال في طليعة الاشهر التي تحدث فيها المخالفات وبنسبة 10,3٪ من مجموع المخالفات المرورية، فيما ان اقل الشهور مخالفة مرورية هو شهر ذي الحجة حيث بلغت نسبتها حوالي 6,7٪. وتشير الاحصائية ان مدينة الرياضوالمدينةالمنورةوالقصيم شهدت اكثر نسبة من المخالفات المرورية. ويعود ذلك ربما للزيادة الكبيرة في عدد السكان واعداد المركبات مما زاد في عدد المخالفين للانظمة المرورية وتبلغ نسبة المخالفة من قبل قائدي المركبات السعوديين ما نسبته 63٪، واكثرها هي مخالفة عدم ربط حزام الامان 13٪، واقلها التفحيط 0,1٪، يليها استعمال السيارة لغير الغرض المرخص، اما السرعة فتساوي 12,7٪ وهي الاعلى في المخالفات ذات الفئات الكبيرة. ولذلك نجد ان مجموع المخالفات في عام 1425ه قد تراجع عن عام 1424ه بما يعادل 5,2٪ لكن يلاحظ ان هناك ارتفاعاً في نوعية معينة وهي المخالفات المؤدية مباشرة للحادث المروري وهي السرعة الزائدة والتجاوز الخاطئ وتجاوز الاشارة المرورية ويلاحظ ان مخالفة تجاوز الاشارة المرورية زادت في عامي 1422ه ثم 1423ه ثم بدأت بالانخفاض عام 1424ه ثم زادت في عام 1425ه وبنسبة 4,7٪. وفي دراسة اجريت على مناطق واحياء مختلفة في العاصمة من قبل باحثين منتسبين الى جامعة الملك سعود اظهرت ان هناك تراجعاً ملحوظاً في نسبة استخدام حزام الامان بعد ان كان المتوسط يعادل 68٪ كما بينت هذه الدراسة ان القيادة وتجاوز السرعة النظامية من اهم الاسباب الرئيسية المؤدية لوقوع الحوادث خاصة في مدينة الرياض والمؤدية الى الوفاة او الاعاقة وبنسبة بلغت 61٪ أما عوامل الانحراف المفاجئ عن المسار وقطع الاشارة المرورية ومخالفة الافضلية والارهاق وعكس اتجاه السير بلغت 39٪. لقد أكد مدير الادارة العامة للمرور ان ادارة الدراسات بالادارة تقوم بدراسة المناطق التي تكثر فيها الحوادث المرورية لايجاد الحلول سواء على الطرق السريعة او داخل المدن والاحياء. وفي الختام نقول ان الحوادث المرورية سوف تبقى في تزايد مستمر اذا لم يع المواطن والمقيم بالاسس السليمة والتعليمات المنظمة للحركة المرورية. لقد أصبحت المركبة وسيلة هامة في هذا الجيل فلم نجعلها وسيلة نقل لا وسيلة قتل والامر لا يختص بالجهات الامنية وحدها بل يشاركها في ذلك كل مؤسسات المجتمع الحكومية والخاصة لنجعل من مستقبل شبابنا آمناً من الحوادث المرورية.