صعب جداً أن يستوعب العقل البشري أن المرأة هذا المخلوق الناعم والوديع التي يرتبط بها مفهوم الحنان والمحبة والأمومة والاحتواء أن يكون خلف كل ذلك الجمال وهذه الصفات امرأة قاتلة، تستطيع أن تمسك بأداة حادة أو بوسيلة قاتلة كالسلاح أو السم لتزهق به روح إنسان بريء، لكن تلك هي الحقيقة التي بدأت تنتشر في عالم الجريمة، ففي الوقت الذي كنا فيه نستمع إلى جرائم قتل بشعة يُقدم عليها الرجل، بدأت في السنوات الأخيرة تظهر جرائم تتعلق بنساء أقدمن على ارتكاب القتل، والشواهد على ذلك كثيرة. في شهر رمضان الماضي أقدمت امرأة من جازان في العقد الثالث من عمرها على قتل زوجها بعدة طعنات داخل منزلهما، وفي ذات الشهر، أقدمت امرأة أخرى على حرق زوجها بغرفته في نهار رمضان بمنطقة الحوية ليختنق ويموت، وكان الشاهد على جريمتها الشنعاء طفليها، كذلك في عام 2012 قامت امرأة سعودية بحمل رشاش وإطلاق النار على زوجها لأنه فضّل الزواج من امرأة أخرى، وفي منطقة الجوف عام 2014م شهدت منطقة الجوف جريمة مثيرة للجدل لقتل امرأة زوجها، كما نفذت الجهات المختصة سابع حكم شرعي منذ عام 2015م في امرأة قتلت ابنة زوجها، والجرائم في ارتكاب المرأة للقتل كثيرة. وعلى الرغم من تلك الجرائم وشيوع أخبارها عبر الصحف ووسائل الاعلام المتنوعة إلاّ أن ذلك يدفع إلى الوقوف أمام جريمة القتل وارتباطها بالمرأة، للتأمل في أسباب تحول بعض النساء إلى قاتلات، فمن أين للمرأة تلك القدرة على ارتكاب جريمة مزلزلة كالقتل دون أن تحتكم إلى عاطفتها ودينها؟، وأي حقد أو كُره من الممكن أن يوصل المرأة إلى الجريمة كالقتل حتى تكون في قفص الاتهام؟، كيف تتحول المرأة إلى قاتلة؟، ومن الذي يدفعها حتى تخلع وجه السلم والعاطفة والسلام لتتحول إلى كائن مجرم؟، هل المجتمع من يخلق منها قاتلة؟، أم ظروف وطبيعة البيئة التي عاشت بها وتكونت بها شخصيتها؟، أم أنه الرجل وهو الحكاية التي تبدأ المرأة منها وتنتهي؟. البيئة والتنشئة والضغوط النفسية والانحراف السلوكي دافع للانتقام والقتل في غياب الوازع الديني عوامل اجتماعية قال د.ناصر عوض الزهراني -أستاذ علم الاجتماع المساعد ورئيس قسم الخدمة الاجتماعية بجامعة أم القرى-: إن العوامل الاجتماعية الدافعة للمرأة للجريمة قد تكون هي نفس العوامل الدافعة بالرجل لارتكاب الجريمة، لكن الذي يختلف هو الكم والنوع، فالجرائم من وجهة نظر اجتماعية لا يمكن تفسيرها بالعامل الواحد، بل إنها تحدث بفعل تساند العديد من العوامل الأخرى ومنها البيئة الاجتماعية، والتنشئة الاجتماعية، ووسائل الاعلام، وضعف الوازع الديني، وجماعة الرفاق وغير ذلك، وهذا ينسحب على جرائم النساء والرجال على حد سواء، مضيفاً أنه كانت وما زالت معدلات جرائم الرجال أكثر مقارنة بجرائم النساء، لكن الذي يلاحظ هو ارتفاع معدلات جرائم النساء بشكل يدعو إلى القلق، مبيناً أنه إذا ما حاولنا تفسير ارتفاع معدلات جرائم المرأة في الوقت الحالي وظهور شكل من الجرائم قلما حدث في المجتمع السعودي في الوقت الماضي كجريمة القتل، سنجد أن ذلك يمكن أن يكون أحد إفرازات المجتمع الحديث والانفتاح بشكل ربما مبالغ فيه على الثقافات الأخرى. سوء معاملة وأوضح د.الزهراني أنه في الماضي القريب كانت تسود المجتمع ثقافة أيضاً مبالغ فيها جعلت من المرأة تعيش حالة إذعان وخضوع كامل للرجل، وترسخت ثقافة أن المرأة يجب أن تصبر على كل ما يمارسه الرجل ضدها من العنف أو الحرمان العاطفي وبالتالي فإن ما يحدث لها في السياق الاجتماعي يعد أمراً طبيعياً، مضيفاً أنه عندما انفتحت المرأة وزاد وعيها بحقوقها وشاهدت من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أو حتى السفر ثقافات أخرى، ونماذج وصور لتمرد المرأة على الرجل، واستحضرت الضغط النفسي الذي تعيشه الناجم ربما عن سوء المعاملة أو العنف أو الحرمان العاطفي، بدأت تعيد التفكير في علاقتها بالرجل محاولة استرداد بعض حقوقها، أو اعادة اعتبارها لنفسها، وعندما فشلت في ذلك فكرت في ارتكاب جريمة القتل، مشيراً إلى أن الحل ربما يكمن في الوسطية في صياغة علاقة المرأة بالرجل، فلا خضوع مطلق له، ولا تمرد عليه، وهذا ما جاء به ديننا الاسلامي والذي حفظ للمرأة كرامتها وحقوقها بالضبط كما حفظها للرجل. انحراف سلوكي وتحدث بدر الدبيان -باحث بالقانون الجنائي- قائلاً: إن الجريمة ظاهرة إنسانية لا يخلو منها أي مجتمع بالعالم، وهي تزداد بتزايد عدد السكان غالباً، إلاّ أنها تختلف باختلاف نوعها وعواملها ودوافعها المؤثرة على ارتكابها، سواء كان ذلك بجرائم الاعتداء على النفس -القتل- أو الاعتداء على ما دونها سواء كان ذلك بالضرب أو التعذيب والتعنيف وما شابه ذلك، مضيفاً أنه يعود ذلك لعدة عوامل مؤثرة ومن أهمها ضعف الوازع الديني، وهو من أهم الدوافع التي تؤدي إلى الانحراف السلوكي والأخلاقي، مما يؤدي إلى ارتكاب محظورات بحد ذاتها جريمة، ومنها تعاطي المخدرات أو شرب المسكر، مبيناً أنه متى ما تغيّب العقل فليس من المستغرب وقوع الجريمة حينها، مشيراً إلى أنه قد تعود الجريمة إلى الأمراض النفسية التي تعد أحد الدوافع غالباً وتختلف بحسب نوعها أو طبيعتها، سواء كان ذلك بسبب آثر الادمان أو غيرها. تحريض وتخطيط وأوضح الدبيان أنه تزداد جرائم المرأة غالباً كلما أزداد اختلاطها مع الجنس الآخر دون ضوابط، مضيفاً أنه أثبتت الدراسات أن جرائم المرأة غالباً تنشأ عن طريق التحريض أو التخطيط، وفعل الجريمة دون استخدام العنف، نظراً لضعف بنيتها الجسدية كوضع المواد السامة بالطعام أو إشعال النيران أو الاتفاق مع رجل لتنفيذ ما خططت عليه، وغالباً ما يكون الدافع لذلك الانتقام، مبيناً أن الشريعة الإسلامية والأنظمة من حيث العقاب في جرائم القتل وغيرها من الجرائم لا تفرق المرأة عن الرجل، كذلك من حيث توجيه الاتهام، فمتى ما توافرت الأدلة والقرائن ضدها التي تثبت ارتكابها الجريمة ستواجه بها أمام القضاء ولها حق الدفاع إمّا بنفي التهمة أو إثبات العكس، أو الإقرار بها، ولها وعليها مثل ما على الرجل تماماً قضائياً، إلاّ أنها تفرق بإجراءات التحقيق من حيث وجود المحرم أو ما يمنع الخلوة بينها وبين المحقق. برمجة لا واعية وأكد د.حاتم سعيد الغامدي -استشاري نفسي ومدير مركز إرشاد بجدة- على أن المرأة تقدم على الجريمة حينما تعيش الاحتراق النفسي نتيجة اضطهاد الطرف الآخر ولم تستطع أن تحقق ذاتها، فالرجل هو الكائن المستبد في طبيعة الدول الثالثة، فيتولد لدى المرأة الرغبة والشعور بالانتقام، فتولد بداخلها تلك الطاقة وهي طاقة الانتقام، مضيفاً أن هناك حالة جديدة بدأت تدخلها المرأة وتؤثر بها بشكل كبير وهي الدخول في قنوات التواصل الاجتماعي، فأصبحت لديها برمجة اللاواعي، فهي تقرأ وتتطلع عبر تلك القنوات فتتأثر وتقلد ما تقرأ عنه دون أن تشعر، حتى يتحول البعض ممن تقرأ عنهم أو تشاهدهم كمثل أعلى، مبيناً أن التقليد قد يحدث ويتوالد بين الأفراد بشكل لا إرادي، فعلى سبيل المثال الظاهرة الأخيرة في تفجير المساجد وهي الحالة الارهابية التي لم تكن موجودة من قبل إلاّ أن المحاكاة والتقليد جعل منها حالة إرهابية متكررة في مناطق عدة، وذلك ما يحدث للمرأة في واقع الجريمة، فعلى سبيل جرائم الأطفال بدأت مؤخراً بالانتشار نتيجة صيتها بين المناطق، حتى أصبحت جرائم المرأة مرتبطة بجرائم الأطفال وكذلك ضد الأزواج، فارتكبت جرائم متعددة بذلك الخصوص من قبل المرأة، لافتاً إلى أن الجرائم تتلاقح وتجد صداها في نفس المرأة. علاج نفسي وأوضح د.الغامدي أن أي جريمة يقترفها الإنسان سواء كان رجلاً أو امرأة فانها يجب أن تخضع للعلاج النفسي، وأي عمل غير سوي يحتاج إلى علاج، وكذلك الحال بالنسبة للمرأة التي تقدم على ارتكاب جريمة القتل، مضيفاً أنها تحتاج إلى علاج نفسي من الضغوطات التي تعانيها في حياتها، مبيناً أن الكثير من الحالات التي ظهرت على السطح من جرائم واقترفت بأيدي نسائية إنما هي نتيجة الضغط الكبير التي وصلت إليه هؤلاء السيدات والذي انتهى بالجريمة، ذاكراً أن المرأة تصل إلى مرحلة من الهستيريا ومن الممكن عندها أن تقتل زوجها أو طفلها، وبعد الجريمة قد تشعر بالندم، وهنا يدخل دور العلاج النفسي معها. جوانب خاصة وقال أحمد المالكي -محامي ومستشار قانوني-: إن هناك العديد من الأنظمة والتعاميم والتعليمات التي صدرت مراعاة للمرأة وحفظاً لكرامتها وصوناً لخصوصيتها حال تعرضها لا قدر الله لأي اتهام تكون من خلاله عرضة للتحقيق والمحاكمة، فمثلاً في مرحلة التحقيق نص نظام الإجراءات الجزائية على أنه لا يجوز تفتيش جسد المرأة ولا ملابسها ولا أمتعتها الخاصة إلاّ من قبل امرأة، مضيفاً أنه في المادة (52) من نظام الإجراءات الجزائية نصت على: "إذا لم يكن في المسكن المراد تفتيشه إلاّ المتهمة وجب أن يكون مع القائمين بالتفتيش امرأة"، وهذا فيه مزيد الحفظ والحشمة للمرأة، مبيناً أنه تم تكليف فريق عمل لدراسة كافة الجوانب الخاصة بخدمة قضايا المرأة في المحاكم وكتابات العدل وقد أصدر عدد من التوصيات منها إيجاد صالات خاصة بالنساء في المحاكم وكتابات العدل لتقديم الخدمة في قضايا المرأة. أحكام قضائية وأشار المالكي إلى أن المحاكم في المملكة لم تقتصر على هذه المميزات النظامية للمرأة، بل جرى العمل على إعطائها الخصوصية ما لا يتوفر لغيرها، وذلك في مظاهر عدة منها؛ مراعاة تقديم مواعيد الجلسات التي تكون المرأة طرفاً فيها، وكذلك مراعاة الخصوصية والسرية في القضايا التي ترفعها المرأة أو ترفع ضدها، حيث لا يسمح لأحد بدخول المجلس القضائي غير طرفي النزاع في حال كان أحدهما امرأة، ناهيك عن الحقوق الأساسية لها والمقررة لها بموجب أنظمة الاجراءات الجزائية والمحاماة والمرافعات الشرعية كحقها في الاستعانة بمحام للدفاع عنها في مرحلتي التحقيق والمحاكمة، وحقها في إبرام وكالة شرعية للمحامي أو لمن يدير مصالحها خارج السجن، ذاكراً أنه في مرحلة تنفيذ الحكم ضدها فقد صدرت عدة أحكام قضائية بالجلد على النساء ممن ارتكبن الجرائم الموجبة للجلد في الشريعة الإسلامية، وتم تأجيل الجلد حتى تضع الحامل وترضع المرضع وذلك حفظاً على حق المرأة بالحمل والإرضاع. د.ناصر الزهراني د.حاتم الغامدي بدر الدبيان أحمد المالكي هضم حقوق المرأة ومعاملتها بقسوة يدفعها أحياناً للانتقام