تبرأت كما كان متوقعاً الرئاسة والحكومة العراقية من تصريحات نوري المالكي المشينة إزاء المملكة ومع تقديري لموقف المؤسسات الدستورية في العراق إلا أن المالكي الذي يعشق الأضواء وإطلاق الاتهامات، بث بذاءاته وسمومه الأخيرة وهو يتولى منصباً رفيعاً في الدولة العراقية وبالتالي فتلك التصريحات المسيئة لا يمكن اعتبارها رأياً شخصياً كونها خرجت من حيز الرأي الفردي إلى دائرة موقف الدولة الرسمي ما يعني أن ثمة مسؤولية أدبية وقانونية ودستورية تتحملها الدولة العراقية. إن المالكي بأسلوبه الممنهج هذا يسعى لغاية لطالما تمناها وذلك باستهداف السعودية من أجل عزل العراق عن محيطه العربي، وضرب التقارب السعودي العراقي الذي تبلور في الشهور الماضية ولا غرابة في ذلك فهو المتحدث باسم إيران والذي جعل بلاده رهينة في يدها منفذاً أجندتها وبامتياز. كان من الطبيعي أن تحدث ردة فعل قوية إزاء تهجمه الفج على المملكة ولسنا بحاجة أن نفند ما ذكره بعد الانتقادات والشجب والاستنكار لكثير من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية تجاه الآراء الشاذة والمغلوطة للمالكي ورغم أن نهج المملكة المعتدل معروف ودورها في محاربة الإرهاب لا ينكره إلا جاحد إلا إن السكوت على مثل هذه الأقوال الطائشة أمر لا يمكن القبول به ولا يقره عقل محايد. إننا هنا لا نستهدف المالكي كشخص، كونه لا يقدم ولا يؤخر، بقدر ما ان الأمر يتعلق بموقعه الوظيفي الرسمي وانعكاس ذلك على طبيعة العلاقات ما بين البلدين. وأعتقد أنه قد آن الأوان في أن تتخذ الجهات الدستورية في العراق موقفاً مسؤولاً وجاداً بإقالة نوري المالكي من منصبه ليس احتجاجاً عما بدر منه فحسب بل حماية لمصالح العراق وإنقاذاً لعلاقاته مع جيرانه. على انه ليس مثيراً للاستغراب لمن يعرف شخصيته المتمردة ونرجسيته المريضة في انه لن يعتذر لما صدر منه وهذا ما حدث فعلاً إذ أمعن في صفاقته ووقاحته بقوله: "انه ليس بحاجة إلى استخدام أي عنوان وظيفي للتعبير عن وجهة نظره في قضايا بلاده الملحة، ولا يرغب في أن يحمل أي طرف مسؤولية كلامه" قد يكون من المناسب أن تنزف الذاكرة هنا لتكشف لنا مدى المعاناة التي تجرعها شعب العراق إبان وجود المالكي في السلطة، فعندما اتفقت المكونات السياسية العراقية على أن حكومة المالكي فشلت في القيام بدورها في النهوض بالدولة وبنائها في ظل تغييبها لمقومات الاندماج الاجتماعي في دولة تنموية يفترض أن يسودها الدستور والقانون والمواطنة. فإنها طالبت برحيله آنذاك بإجماع داخلي وإقليمي ودولي، لاسيما وأن الرجل ترك إرثاً ثقيلاً من أزمات اقتصادية وصلت لخسائر 400 مليار دولار وملفات وقضايا أمنية وعسكرية وانهيار مريع لقواته بشكل يندى له الجبين بدليل سقوط ست محافظات من دون مقاومة ناهيك عن تكريسه للطائفية وما قصته مع الصحوات العشائرية إلا فصل من فصوله العبثية. إن الملاذ يكمن في الإرادة بأن يبادر حكماء العراق في إقالة المالكي وإخراجه من المشهد السياسي لأن ذلك سيؤدي للمّ شمل المكونات السياسية على قاعدة المصالحة الوطنية، ويُخرج البلاد من توجهاتها الضيقة وأزماتها الطائفية وتغليب مصلحة العراق أضف إلى ذلك أن هناك من يرى أن سوء الحال وسقوط المدن في أيدي جماعات إرهابية وتمدد الإرهاب الذي يعاني منه العراق الآن إنما جاء نتيجة لسياسات المالكي وعزز الانهيار بإعادة إنتاج الطائفية وتوليدها ما أدى إلى هشاشة مؤسسات الدولة وانشراخ التآلف المجتمعي. والحقيقة انه عندما تتركز السلطات الأمنية والعسكرية في يد شخص واحد ذي عقلية طائفية، فإنه أمر كاف لفهم أسباب تفاقم الوضع في بلاد الرافدين. وما يؤكد صحة هذا الكلام ما ذكرته كوندليزا رايس في مذكراتها من أنها أخبرت نوري المالكي بامتعاض العرب السنة من استبعاده لأبنائهم من الانخراط في الجيش والمؤسسات الأمنية فأجابها"أنا لا أطيق العرب ولا أثق فيهم". هذه العقلية تكشف وبامتياز عن حقيقة الخلل في بنيتها فانعكست على تعاطي الحكومة التي ولّدت الشروط الموضوعية لتجزئة وانفصال وتقسيم البلاد. أليست سياسة المالكي هي ما دفعت أهالي تلك المناطق السنية في التجاوب مع داعش وغيرها ليس حباً فيها بقدر ما هي كراهية لممارساته آنذاك وهو الذي مارس لغة التضليل باتهام الخارج ومشجب المؤامرة والتخوين فضلاً عن مواقفه المؤيدة والمتناغمة لسياسة طهران وتصريحاته الاستفزازية تجاه دول الخليج، ووقوفه مع نظام بشار الأسد ودعمه له. إن سطور المقال لا تتضمن مبالغات بل هي قراءة لواقع شخصية فشلت سياسياً وجسدت أزمة مستعصية عنوانها الطائفية والاقصائية والإلغاء بدليل تهميشها للسنة ما يعني أن ولاءها ليس للوطن العراق بل للطائفة والمرشد. ألم يكن المشهد العراقي في عهده مأزوماً وملغوماً واستقراره مهدداً بدليل تناحر حكومته مع بقية مكونات الشعب العراقي إلى مرحلة كسر العظم، ولذلك يبدو أن المزاج العام الآن داخل العراق وخارجه لا يمانع في إلغاء أي دور رسمي للمالكي، لا سيما بعد ما قام به من تجاوزات طالت الدين وأقوال أساءت للجيران والأشقاء، وهي خطوة على الطريق الصحيح لإنقاذ العراق من أزمته الخانقة. صفوة القول: إن الملاذ يكمن في الإرادة بأن يبادر حكماء العراق في إقالة المالكي وإخراجه من المشهد السياسي لأن ذلك سيؤدي للمّ شمل المكونات السياسية على قاعدة المصالحة الوطنية، ويُخرج البلاد من توجهاتها الضيقة وأزماتها الطائفية وتغليب مصلحة العراق.