استكمالاً لما تطرقت إليه سابقاً عن نوعية الأشخاص الذين يحملون صافرة التحكيم العادلة والمنصفة والتي تعطي كل صاحب حق حقه بكل شجاعة بعيداً عن الألوان والأطياف والانتماءات الرياضية الشخصية. إن مهمة التحكيم في كل أرجاء المعمورة كعطاء آني يشاهده المهتمون والمتابعون لفن كرة القدم كلعبة فنية استقطابية تشد الجماهير قبل وأثناء وبعد المباريات التي تمارس في الميدان وتأخذ جل الوقت في التفنيد والتحليل والتعليق والنقد كحق مشروع لكل المهتمين والمحبين لهذه اللعبة الشيقة الأولى والأخيرة. وهذا واقع مشهود ومعترف به ونجاح التحكيم في مسار الدوري العام المتصدر يحتاج إلى شخصية تملك الشجاعة في اتخاذ القرار بعيداً عن التردد والافتراض والتخمين عند اتخاذ القرار القانوني عند حدوث المخالفة من لاعب ضد آخر. وهذه النوعية التي نبحث عنها كهيكل قيادي تفتقر إليها الساحة التحكيمية العربية كثيراً من وجهة نظري، إلا ما ندر. والسبب نزوح اللاعبين الذين يعتزلون الركض داخل الملاعب ثم يتجهون إلى تخصصات أخرى بعيداً عن الانتماء إلى مجال التحكيم الشاق والمرهق فكرياً ونفسياً وغير مجد ومفيد مادياً في هذا الوقت الذي أصبحت المادة فيه هي عصب الحياة أولاً وآخراً. إن على الاتحاد العربي لكرة القدم مهمة التنسيق والتشاور مع الاتحادات العربية في تحسين وتعديل لائحة الحكام لتتناسب مع تلك المشقة التحكيمية التي تأخذ من الحكم جل وقته في الإعداد اللياقي والنفسي وكل ما يتطلبه بكل المكونات التي يتطلبها قبل وأثناء وبعد أدائه التحكيم لتلك المباراة لكي يكون قادراً على إخراج مباراة نظيفة بالقرارات المدروسة الملتصقة بنص وروح القانون كسلطة وليس تسلطاً على رقاب اللاعبين بمفهوم سطحي كقراءة قانونية فقط بعيداً عن المعرفة الحقيقية لأنه لم يمارس فن هذه اللعبة ميدانياً. إن الدول المتقدمة تخرج من الجامعات كل التخصصات العلمية والنظرية بأعداد كثيفة وتعجز أن تخرج عشرة حكام في السنة، وربما في سنوات نتيجة لصعوبة مهمة الحكم والتحكيم وليس كما يعتقد البعض بسهولة هذه المهمة. إذا والحالة هذه فإن مجال التحكيم العربي عامة والسعودي خاصة يحتاج إلى إعادة التركيبة بما يتناسب ومتطلبات الوضع القائم من نقص في الأداء العام للحكم العربي لكي نستقطب من نريده وليس من يريدنا كشغل لفراغ وكسب للشهرة والمال لبعض انصاف الرياضيين الذين يتجهون لهذا المجال وهم لا يدركون صعوبة هذا الأداء الرياضي الذي يرتبط بكل الخطط والنجاح العام لسياسة الأندية، وربما بصافرة ظالمة وخاطئة قد تهلك وتبيد كل حصاد السنة، وهذا واقع شاهدناه في حياتنا الرياضية ثم نقول تلك المقولة المشهورة والمتكررة (الحكم بشر) وكمن يفسر الماء بعد الجهد بالماء. أنا متأكد أن الحكم السعودي خاصة يملك ضميراً حياً ويحاول أن يعطي كل صاحب حق حقه، لكن ربما ان البعض ينطبق عليهم المثل القائل (فاقد الشيء لا يعطيه) لأنه يفتقر إلى العلم التطبيقي للقانون نظراً لعدم الممارسة الفعلية كمحصلة من تاريخه الرياضي كعطاء ميداني يؤهله أولاً وآخراً في تطبيق القانون بعيداً عن النظريات القرائية الأكاديمية التي هي مؤهل كثيراً من الموجودين على الساحة العربية حالياً. إن المكافأة المقررة للحكم السعودي في تلك اللائحة القائمة الآن لا تشجع على جلب اللاعبين المعتزلين بل هي لائحة عقيمة وضعيفة تحتاج إلى قرار يصحح ويعالج ذلك المرض الذي قد سرى في جسم التحكيم بابتعاد بعض الكفاءات القادرة على انتشال بقايا هذا البيت المتصدع والذي يتجه إلى الهاوية.. وليس هذا قصوراً في كل لجان التحكيم التي توالت بإدارة دفة التحكيم، إنما هو محصلة لتلك الفئة التي تتقدم لكل الدورات التحكيمية كواقع محسوس وملموس بتلك المؤهلات التي توضع بكل بساطة لطالب الالتحاق لمجال التحكيم وفيها جملة يفضل أن يكون لاعباً فيما اعتقد وليس شرطاً ملزماً بأن يكون قد مارس لعبة كرة القدم ليكون الأساس قوياً مبنياً على قاعدة ممتازة.. أليس كذلك؟ * أستاذ محاضر قانون كرة القدم