عرفت الصديق تركي عبدالله السديري منذ نصف قرن، وتظافرت كيمياء الأرواح والمشاعر مع تقارب الاهتمامات الثقافية والحياتية والرغبة الجادة في القراءة وإثراء العقل بمنتج المعرفة وتطوير الذات، لتخلق علاقة قوية وتقارباً نادراً في مفهوم الصداقات، وكانت أزقة دخنة الحي المبرجز في ذلك الزمان الجميل وحياتها اليومية وأنماط مفاهيم مجتمعها الصغير وعوالم معكال وجبرة والبرقية وسلام والسياحة في شارع الثميري وشارع الوزير هي تخوم معرفتنا بالعالم والكون. كانت هذه الأماكن وتلك الاهتمامات الحياتية والثقافية هي الجامع والرابط بين روحين كان قدرهما أن ينخرطا في مهنة واحدة، يعيشان همومها ومتاعبها ويقطفان ورد النجاح، ويكتويان بجمر الإحباط والهزائم والخيبات المتوالية بفعل اصطدام أحلامهما وطموحاتهما بواقع مخيف من عجز بعض المجتمع واتكاليته وهروبه من تحمل مسؤولياته في العملية الإنتاجية وصناعة التطوير وتوطين التحديث، وفشله في مواجهة التحديات والتحولات، إلى جانب تواضع وشح إمكانات صناعة فعل العبور إلى واقع مختلف في العيش والتفكير وتعاطي التعامل مع قضايا الشأن العام. عملنا في الصحافة.. وتميز تركي عن العاملين والمنتمين من جيلنا إلى المهنة في مفاهم العمل الصحفي وتفرّد بامتلاك أسلوب أخّاذ راقص ولغة باذخة مترفة في مفردتها واختيار طريقة عرض الأفكار وتسلسل وترابط سياقاتها.. ونشر أول نتاجه الكتابي والقصصي في مجلة "الجزيرة" الشهرية التي كان يملكها ويرأس تحريرها شيخنا وأستاذنا المرحوم عبدالله بن خميس، وكانت قصة بعنوان "الجياع"، ونشر قصة أخرى في صحيفة "الرائد" التي كان يرأس تحريرها المرحوم عبدالفتاح أبو مدين، الأمر الذي أعطاه تميزاً واحتفاء في محيط الكتاب والصحفيين. في جريدة "الرياض" بدأ صعود وتألق عطاءاته المهنية والفكرية، وتولى رئاسة تحريرها في ظروف بالغة الفقر في الإمكانات، وعمل بصبر وجهد مضاعف ونضال لا يطاله إلا المغامرون المؤمنون بأنفسهم في القدرة على تحقيق النجاح والمكاسب العملية وفي مدة قصيرة نقلها من صحيفة متواضعة إلى كيان شامخ ورمز فكري وثقافي وتنويري ومهني أضاف إلى منجزاتنا المعرفية إبهاراً جديداً ووضعنا على خارطة الإبداع والخلق والعطاء. تركي السديري قامة كبيرة سيسجل له التاريخ أنه واحد من الكبار. لمراسلة الكاتب: [email protected]