في ذاكرة جيلي - الذي كان شغوفاً بالقراءة والمتابعة والاقتراب من فكر ووعي وتجارب ورؤى الخلاقين من الأدباء والمفكرين والكتاب وصناع الرأي العام - في الذاكرة أسماء رموز أثروا الحياة الثقافية والتنويرية بوعي متقدم، ومارسوا المعاناة الشاقة والمرهقة للعبور بالإنسان إلى فضاءات المعرفة والثقافة وإقامة علاقة بين الكتاب والعقل، بين الحرف الصادق والشريف والنزيه وبين الإنسان كسلوك وثقافة وتعامل حياتي، أمثال محمد حسين زيدان، ومحمد حسن عواد، وحامد دمنهوري، وحمزه شحاته، وأحمد السباعي، وعبدالله بن خميس، وحمد الجاسر، ومحمد الفهد العيسى، وغير هؤلاء الرائعين المؤثرين الذين أسسوا لثقافة جيل، ومسار حياة، وزرعوا رغبة المعرفة والاطلاع في اهتمامات المجتمع، وكرّسوا في داخله شهوة التعامل مع الفكر والرأي والخلق الأدبي والحياتي والثقافي بوصفها تغييراً في مسارات الشعوب، وحافزاً على الإنتاج الحياتي، وتكوين نمط حضاري متفوق يساهم في انتشال الإنسان من أوبئة التخلّف والجهل، ويرقى به إلى أمكنة وارفة من العطاء الإنساني الذي به يخلد الإنسان ويتفوق العقل، ويمارس منتجه التأثير في صناعة حضارة وتطور يغيّران من طريقة التعامل مع الحياة. في الذاكرة أسماء خالدة، ورموز أعطت للوعي والفكر والثقافة كل وقتها واهتمامها، وعملت بإيمان ينطلق من قناعة أن الحرف هو الوسيلة الأمثل لتغيير مفاهيم وسلوكيات المجتمع، وأنه القادر على الوصول إلى الإنسان، وإعادة صياغته كمواطن وعقل وإنتاج ومساهم في بناء مداميك النهضة والتطور والحداثة لكل المجتمعات. وقد أثرت هذه الرموز في الحياة الاجتماعية والفكرية للمجتمع، وأقبل جيلنا على المنتج الفكري والثقافي للزيدان، وتلقّف كتاب "خواطر مصرّحة" للعواد، وسارع لغسل متاعبه وإحباطاته وهزائمه ومعالجة وجعه وانهياراته وتفتّته عبر حرف موسيقى وخيال وعذوبة محمد الفهد العيسى في ديواني "ليديا" و"على مشارف الطريق".. وكان للذائقة الشعبية نصيبها من الاهتمام عنده في "حبيبي في روابي شهار، وادي وج والمثناة". كنت مرة أتسامر مع المرحوم أستاذنا الزيدان في أحد فنادق الكويت، حيث كنا ومجموعة من الأصدقاء الصحافيين نمثّل المملكة في مؤتمر الصحفيين العرب الأول المنعقد عام 1965، فقال لي كلمة لاتزال محفورة في الوجدان، مغموسة بالألم قال: "نحن أمة دفّانة".. وهذا صحيح، قول صادق، وقراءة واقعية. والسؤال الذي يتناسل صدمات وخيبات: ماذا في ذاكرة هذا الجيل؟ أو ما هو مخزون هذه الذاكرة المستقبلي..؟ في الذاكرة خواء، وانكسارات، وأوجاع. لمراسلة الكاتب: [email protected]