ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. لا، ولا حتى بالثروات الفلكية أرقامها، والأماكن المترفة، والعيش الباذخ، والسلوك المبرجز، ولا حتى بأشهى وأطيب وألذ أصناف الأطعمة، وأمتع اللحظات في الحياة. ليس بهذا وحده يحيا الإنسان، ويرسخ ذاته، ويفرض تواجده ككائن بشري ذي قيمة، وتأثير، وعطاء، وتكريس لفعل الإنتاج والتفاعل مع الطموح وإثبات أن الإنسان مخزون طاقات هائلة إذا ما استغلها ووظفها التوظيف السليم والواعي فإن ما يشبه المعجزات سيتحول إلى واقع معاش وملموس ومحسوس. لا، ولا حتى يحيا الإنسان بالشعارات، والادعاءات، والزيف، والخداع، ووهم الانتصارات، وشخصنة التاريخ، والفعل الذاتي، والنرجسية النتنة، وخداع الناس، والشعوب بالمواقف الاستهلاكية، ووعود صياغة الإنسان، وكرامة الإنسان، وعيش المجتمع، ومحاربة الجهل، والتخلف، والعجز، والمرض ، في وقت تتكرس فيه ممارسة التجهيل، والتسطيح، والتعامل مع الناس كقطيع يُساق من أجل الهتافات، وبالروح والدم نفديك، مع أنه لا أحد في المطلق يكون صادقاً. إذن: يحيا الإنسان بالمعرفة، والوعي، وامتلاك المهارات الثقافية والتدريبية المؤهلة للدخول في فضاءات الإنتاج، والخلق، والإبداع، والعطاء، وإلغاء كل أشكال العجز، والهروب، والاتكالية التي هي داءات قاتلة تحوّل الإنسان إلى هامش اجتماعي كسيح، وذليل، وبليد لا يمكن أن يكون في مقدوره ولا حتى في استطاعته أن يؤثر أو يساهم في عملية النمو والتنمية والمسيرة الحضارية. المعرفة، والتنوير، والوعي العلمي والحضاري والفكري، ومحاولات تفعيل عمل العقل للتفكير، وصناعة الرؤى، واستشراف المستقبلات، ونقل المجتمع من أفكاره وأنماط وعيه وثقافته التقليدية إلى منابت التحولات، والمستجدات، واستنهاض كل إمكاناته من أجل الدخول إلى عوالم وفضاءات ومضامين الحداثة، والعلمنة، وتقبل الآخر عبر حوار هادئ معقلن .. هذا كله ما يمكن أن نناضل من أجله، ونوظف كل طاقاتنا وجهودنا وأفكارنا له. ونشتغل به كهمّ وهاجس. إن تحول المجتمعات، وتألقها، وتواجدها في أمكنة تحت الشمس لا يمكن أن تتحقق إلا بالعلم والمعرفة، والنقلات التاريخية المبهرة في الوعي. وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية هي نواة هذا الفعل. والسؤال: كم من المسافات الحضارية، والفكرية بين ما ترمز له جامعة الملك عبدالله، ومؤسساتنا التعليمية..!؟