أعرف قليلاً من الناس، وأتمنى ان لا يزداد عددهم، بعد ان سعيت إلى تقليصهم، وهم كثر، ولكن بعيداً عني، معروفون لدى كل شخص يتعامل معهم، يظهرون بوضوح متى ما انغلقت الدائرة عليكما، أو بمعنى ادق عليك وعليه، والشطارة، ان تفتح هذه الدائرة وتنفذ بجلدك منها. وتقف بعدها متفرجاً على آخرين يلوذون بالصمت بداية، ثم يتميزون في القدرة الفائقة على الهروب، واعتبار الطرف الآخر مريضاً نفسياً، أو باحثاً عن الاهتمام، أو مضطرباً، أو متسلقاً رغم عدم وجود سلالم. هؤلاء يتميزون بقدرة عجيبة على اكتساب العداوات مع الآخرين وبأسهل الطرق، في كل شمس تشرق يكتسبون المزيد من الاعداء الوهميين في الغالب، من خلال نمط تفكيري عدائي خاص، ومعتقدات حسابية تجعل منهم ضحايا للآخرين من المجرمين والمتحالفين مع الشيطان ضدهم كما يتصورون. كل كارثة تحل بهم اياً كان سببها تلقى مسؤوليتها على الغير، حتى وإن كانوا خارج نطاق الدائرة. هؤلاء الاعداء يتم انتقاؤهم حسب قرب مواقعهم من الكارثة، مع العلم انهم بعيدون عنها تماماً. أي فشل تحاك منه قضية كبيرة لا تحتملها الملفات العادية، وتكثر بها ادوات الجريمة والأدلة الجنائية التي يُحكم منها من طرف هذا الشخص دون محكمة. مثل هؤلاء الذين نعرفهم يسعون دائماً لكسب عداوة الآخرين، وانخفاض محبتهم، حتى مع من هم اقرب اليهم وفي بعض الفترات ينقلبون عليهم فجأة، ودون مبرر ويضعونهم في خانة الاعداء. لا صداقات حقيقية، أو علاقات إنسانية ايجابية لهم، بل يتعمدون خسارة الآخرين دون سبب. فمثلاً ان التقاك احدهم تعمد نسيان اسمك، واحياناً تجاهلك من منطلق انه كثير النسيان. تصادفه احياناً يلتقيك بكل حب، واحياناً أخرى يعبر من امامك وكأنه لا يعرفك تصدم في المرات الاولى عندما تكون خبرتك الحياتية محدودة، لكن بعدها وعندما تتوفر جميع بيانات هذا الشخص لديك، وتعرف سعيه الدؤوب لزيادة من يبتعدون عنه تشعر ان الأمر لا يعنيك على الاطلاق. يقول الدكتور كونيغ على مثل هذا الشخص المزاجي ان يتوقف يوماً ويقول لنفسه «انا شخص مثير للغم» ولا يوجد من يحبني، سوف أغير من حالي.. وان يترك الآخرين يقررون ما يشاؤون. الكارثة ان مثل هذا الشخص يدفع الآخرين للهروب، ومغادرة المكان لأنه شخص مثير للفزع. وتفريق الجماعات بمزاج عال. من الصعب ان يتصرف معك كصديق باستمرار لأنه غير ودود، ومتقلب ومغرور وأناني كما يقول احد الباحثين. ويُشعر الآخرين بأنهم لا شيء وانه يعرف كل شيء مفتقداً اي لمسة تواضع من الممكن ان تقرب المسافات بينه وبين الغير. لا يملك القدرة التي تؤهله ان يحب الآخرين، ولا يفكر في التدرب على ذلك حتى يصبح شيئاً حقيقياً في طبعه، ويخسر حتى المتعاطفين معه والجاهلين بخباياه بسرعة من خلال عدم بذل اي جهد في إزالة كل سوء تفاهم ينشأ بينه وبين الآخرين. يهمش من حوله، ويلغي اهميتهم، ويفشي اسرارهم متى حانت الفرصة لذلك. بارع في ضرب الظهر بقدرة لا يمكن ان يبرع فيها سواه. يسعى بقدرة غريبة لفقدان حب ومودة الآخرين رغم كثرة اختلاطه بهم، لأنه في الأصل اختلاط متصنع يسعى من خلاله لتكريس ذاته، وليس لكسب صداقة الآخرين، رغم نشاطه وفعاليته التي يتقمص من خلالها شخصية أخرى خلاف شخصيته. وفي كتاب «قوة التفكير الايجابي» يقدم الدكتور نورمان بيل مؤلف الكتاب وزميله الاخصائي النفسي فردريك كونيغ نصائح ذات جدوى في كسب وتقدير الآخرين، ولعل هذه النصائح لا تتفق مع الشخصيات العدائية، ولا يمكن بأي حال من الاحوال التفاعل معها، لأن مثل هؤلاء ليس لديهم ما يعطونه للآخرين للمساعدة في ان يكونوا اقوياء، أو متماسكين، أو قادرين على مجابهة الحياة بفعالية، أو ان يصبحوا شخصيات افضل من الممكن ان يحملوا لهذا العدائي حباً شديداً لا يموت، لكنه هو لا يعرف هذه المعايير، ولا يلتفت إليها في ظل إحساسه ان اي شخص سوف ينجح من الممكن ان يؤثر على مواقعه، وبالتالي لن يخرج عن دوره المرسوم له في البحث عن علاقات عدائية جديدة.