الانسجام أو أن تكون داخل الحدود تماماً أو يطلق عليه العالم الإيطالي ميهالي شكسينتمي "التدفق" The Flow أو سيكولوجية الخبرة الأمثل كما كان عنوان كتابه The Psychology Of Optimal Experience حيث يؤكد فيه أن الإنسان يصل إلى قمة السعادة عندما يمارس شيئا ما يحبه من القلب فلا يفكر الا فيه، وكأنه يفقد وعيه وينسى كل ما يدور حوله الا ما يقوم به في تلك اللحظة وذلك الوقت فقط. والمثال على ذلك لو كان الشخص منهمكا تماماً في عزف قطعة موسيقية وينسى كل شيء حوله. بل وحتى إنه من فرط انسجامه قد يصل لدرجة من التعب والإرهاق ولكن لا يشعر بذلك. مثله أيضا مثل الرياضي الذي يمارس رياضة الجري في سباق صعب، فنجد أن كل تركيزه على حركة جسده وعضلاته ورئتيه وقدميه وعلى أرضية السباق التي يجري عليها. يصف عالم النفس ميهالي هذه المرحلة بأنها عبارة عن الانغماس التام في سلوك تحبه ويكون هدفك الاستمتاع بذلك السلوك وهذا ما نقول عنه بالعامية "غرقت في عملي لدرجة أنني لم أنتبه كيف مضى الوقت". وتكون خلالها قد استخدمت مهاراتك لأقصى حد ممكن لإنجاز ذلك العمل. كلنا مرّ بهذه التجربة، ولعلنا لم ندرك مدى الراحة النفسية التي نصل إليها من خلال مشاعر كهذه، فأهم فوائدها، وضوح الهدف لدينا وكذلك جودة الانتباه والتركيز على العمل محل الإنجاز. أيضا وجود حالة من الصفاء، ووضوح الرؤية، والشعور بالدعم الذاتي والإنجاز، وأن العمل المستهدف يسير فى مساره السليم. بالاضافة لذلك الشعور بالسيطرة التامة والتركيز على الموقف وبل حتى إهمال الحاجات الفسيولوجية. ويرى العالم ميهالي أن الموقف يشبه من يلعب لعبة الشطرنج في مدى تركيزه أو كمن يواجه تحديا ويؤمن ويعرف مدى قدرته على تخطى ذلك التحدي. هذه المشاعر مهمة، إذ إنها تساعدنا على تعلم مهارات جديدة وعلى إتقان ما نقوم به الى أقصى درجة. إلا أن هناك بعض الشروط للوصول لهذه المرحلة، منها أن تكون قادراً على أداء المهمة التى تقوم بها، وأن تناسب قدراتك وكذلك تجنب أية مؤثرات خارجية. والشغف بما يقوم به الانسان وبالتالي الاستمتاع بالعمل وليس التركيز على الانتهاء منه فقط. حقيقة إن الشعور بهذا الاندماج العميق مع ما يمارسه الانسان من عمل، يحقق درجة كبيرة من السعادة وزيادة في الثقة بالذات والرضا. بقي أن نعرف أن كتاب ميهالي قرأه الكثير من رجال الأعمال والمشهورين مثل الرئيس الأميركي بيل كلينتون ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، بل واستعان بأفكاره المدرب السابق لفريق رعاة البقر فى مدينة دالس Dallas Cowboys وذلك لإعداد الفريق للفوز بالكأس في عام 1993 وغيرهم كثير. ختاماً لعل التحدي الأكبر في اعتقادي ليس الوصول الى حالة الانسجام وإنما وجود الشغف في المقام الأول والحب لما يقوم به الإنسان، فمتى ما توفر هذا الشرط تأتي حالة الانسجام بسهولة. ويا ترى كم منا لديه حالة التدفق هذه والشغف؟ ويا لها حقاً من هبة ونعمة إلهية لا تقدر بثمن. لمراسلة الكاتب: [email protected]