في الوقت الذي تتم فيه المحادثات اليمنية - اليمنية في الرياض بناءً على طلب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وقبول غالبية الأطراف السياسية اليمنية، نجد أن هذا الجهد الكبير المبذول من اليمنيين والدولة المضيفة لم يجد الدعم المطلوب من الأمين العام للأمم المتحدة الذي فضل أن يدعو اليمنيين لمؤتمر آخر يعقد في جنيف تحت رعاية الأممالمتحدة. وفي الوقت الذي يتطلع فيه اليمنيون لدعم جميع الأطراف الدولية وخاصة الأممالمتحدة بصفتها المنظمة التي تمثل شعوب العالم، تفاجأ اليمنيون كما تفاجأ العالم بمثل هذه الدعوة لمؤتمر جنيف الذي دعا له الامين العام. وإذا كانت الدعوة لمؤتمر جنيف مفاجأة ومستغربة، فإن ما يزيد الأمر استغراباً عدة نقاط تتمثل في: أولاً: أن الأزمة السياسية في اليمن قاربت عامها الرابع ولم يبادر الأمين العام للأمم المتحدة بطلب عقد مؤتمر لجمع الأطراف اليمينة على طاولة الحوار السياسي. فخلال الأعوام الماضية اكتفى الامين العام بالاستماع لأخبار اليمن عبر ما يصله من مبعوثه الخاص لليمن. فهل لم يكن يعلم بما يحدث من تطورات سياسية؟ ثانياً: أن الأزمة السياسية في اليمن كانت تحت اشراف مبعوث الأمين العام السيد جمال بن عمر الذي ظل لما يزيد على ثلاث سنوات ولم نسمع منه أو من الأمين العام رغبة في عقد مؤتمر خاص لجمع الأطراف السياسية اليمنية على طاولة الحوار سواءً في اليمن أو في خارجه. وإنما اكتفى المبعوث الأممي بحضور اللقاءات اليمنية والتنقل بين اليمن والأممالمتحدة. ثالثاً: أن الأزمة السياسية في اليمن كانت محل اهتمام دول مجلس التعاون بشكل مباشر وقدمت هذه الدول المبادرة الخليجية التي وقع عليها جميع الفرقاء السياسيين والتي بناءً عليها تنازل الرئيس علي عبدالله صالح عن الرئاسة لصالح انتخابات شرعية يتم بناء عليها انتخاب رئيس توافقي لإنهاء المرحلة الانتقالية. وحسب هذه التطورات السياسية تم انتخاب الرئيس عبدربه منصور هادي رئيساً للجمهورية اليمنية بتوافق واتفاق جميع الفرقاء السياسيين. هذه المبادرة الخليجية التي وقعت من جميع الفرقاء السياسيين اليمنيين واعترفت بها الأممالمتحدة والدول الإقليمية والعالمية ما زالت هذه المبادرة التي كفلت الحق السياسي لجميع الأطراف اليمنية على طاولة الحوار اليمني. فإذا كانت المبادرة الخليجية على هذا الشكل من القبول السياسي اليمني والدولي والأممي، فما هو الجديد الذي سوف يأتي به الأمين العام من دعوته لعقد مؤتمر جنيف. رابعاً: أن الأزمة اليمنية تطورت من أزمة سياسية إلى أزمة سياسية وأمنية في نفس الوقت وذلك عندما قامت جماعة الحوثي بالانقلاب المسلح على الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي. هذا الانقلاب المسلح لم يقتصر فقط على احتلال العاصمة اليمنية صنعاء، وإنما تجرأ على فرض الإقامة الجبرية على الرئيس هادي وحكومته الشرعية وامتد ليشمل مدن اليمن الأخرى مستخدماً القوة المسلحة وارهاب اليمنيين بشتى الطرق. هذه التطورات السياسية والامنية لم تفرض وجودها على الأمين العام، لذلك لم يطالب بعقد مؤتمر جنيف لحل الأزمة السياسية والأمنية في الجمهورية اليمنية. فهل هذه التطورات السياسية والأمنية في اليمن لم تكن على المستوى الذي يجعل الأمين العام للأمم المتحدة يطالب بعقد مؤتمر جنيف في ذلك الوقت؟ خامساً: أن الأزمة السياسية والامنية في اليمن خاصة بعد الانقلاب المسلح لجماعة الحوثي واستخدامها لغة عدوانية على المملكة العربية السعودية وتماديها في حشد عناصرها المسلحة وتوجيه أسلحتها للحدود السعودية، هذه الأفعال العدوانية ضد المملكة وضد الشعب اليمني دفعت الرئيس عبدربه منصور هادي للطلب الرسمي من المملكة التدخل لحماية الشعب اليمني وتحجيم قدرات جماعة الحوثي الإرهابية. هذا الطلب دفع المملكة لتشكيل تحالف دولي يهدف لإعادة الشرعية السياسية وحماية الشعب اليمني عن طريق عملية عسكرية اطلق عليها «عاصفة الحزم». وهي التي اعادت التوازن للشارع اليمني وحجمت قدرات جماعة الحوثي الإرهابية. وخلال هذه التطورات السياسية والامنية لم نسمع مطالب للأمين العام بعقد مؤتمر جنيف ليساهم في إعادة الشرعية أو حفظ كرامة الشعب اليمني من جماعة الحوثي الإرهابية. سادساً: أن الأزمة السياسية والامنية في اليمن حظيت باهتمام كبير جداً من دول مجلس التعاون على جميع المستويات الإقليمية والدولية وفي جميع الجوانب الخدمية. هذا الاهتمام الذي بدأ سياسياً بالمبادرة الخليجية لم يتوقف عند المستوى الإقليمي، وإنما استمر في العمل السياسي على مستوى المنظمات العالمية ليتمكن بعد ذلك من استصدار قرارات أممية من مجلس الأمن وآخرها القرار الأممي 2216 الذي يتضمن إعادة الاوضاع السياسية والأمنية في اليمن لما قبل الانقلاب المسلح الذي قامت به جماعة الحوثي الإرهابية، وفي نفس الوقت يلزم هذا القرار الأممي جميع الأطراف الإقليمية والدولية بالعمل الإيجابي لإنهاء الأزمة اليمنية. هذه الجهود السياسية على مستوى الأممالمتحدة يفترض أن تكون حجر الزاوية في حل الأزمة اليمنية خاصة وأن هذه القرارات ملزمة للجميع داخلياً وخارجياً. فطالما أن هذا الجهد السياسي مقر من قبل الأممالمتحدة، فلماذا لا يكون صوت الأمين العام للأمم المتحدة عالياً في المطالبة للالتزام ببنود هذا القرار الأممي والجهد السياسي الكبير من دول مجلس التعاون؟ إلا إذا كان مؤتمر جنيف سوف يصدر قرارات أكثر قوة لغة وقدرة تنفيذية على أرض الواقع. فإذا كانت هذه النقاط الست التي أتينا عليها نقاطا تدعو للاستغراب من دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لعقد مؤتمر جنيف، فلماذا الإصرار على عقد مؤتمر جنيف على الرغم من الجهد الذي بُذل وما زال يُبذل لحل الأزمة السياسية والامنية في اليمن. لعلنا نطلع على الأسباب التي ذكرها الأمين العام، أو من يعمل معه، لعقد مؤتمر جنيف. تمثلت هذه الأسباب في: اولاً: في اتصال هاتفي مع الرئيس عبدربه منصور هادي، دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى «تكثيف الجهود لتسهيل الحوار بين الفرقاء السياسيين اليمنيين. وأكد أنه لا يمكن حل الأزمة اليمنية بالطرق العسكرية.» وأضاف لهذه النقاط قوله بأنه كلف مبعوثه لليمن «بالتشاور مع الحكومة والأطراف اليمنية ودول المنطقة» لحل الأزمة اليمنية في مؤتمر جنيف. فإذا كانت دعوته الأولى تتمثل في الحوار السياسي وبأنه لا حل عسكريا للأزمة اليمنية هو الأساس، فإن هاتين النقطتين ثابتتان في المبادرة الخليجية وفي العمل السياسي لدول مجلس التعاون وكذلك في القرارات الأممية وخاصة القرار الأممي 2216. ولكي يبدو أن النقطة الرئيسية التي يتطلع لها الأمين العام تتمثل في إشراك الدول الإقليمية في حل الأزمة اليمنية وذلك بعقد مؤتمر في جنيف يستطيع من خلاله دعوة جميع الأطراف الدولية الاقليمية سواء التي التزمت بالقرارات الأممية أو لم تلتزم. ثانياً: أكد بعض من يعمل مع الأمين العام بأن الخلاف يكمن في «إصرار الحكومة اليمنية استئناف العملية السياسية بناء على قرارات المبادرة الخليجية وما نتج عنها من قرارات والقرارات الأممية خاصة القرار الأممي 2216.» فإذا كان الأمين العام لا يتطلع لتطبيق المبادرة الخليجية والقرارات الأممية المتعلقة بالأزمة اليمنية، فما هي الأجندة التي يتطلع لها من مؤتمر جنيف؟ إن ما سبق يوضح لنا أن الإصرار على عقد مؤتمر جنيف يهدف إلى: أولاً: القبول بالمتغيرات على أرض الواقع اليمني والذي يعطي جماعة الحوثي الحق في التمسك بما قاموا باحتلاله بعد الانقلاب العسكري والقبول بهم كقوة عسكرية في اليمن. هذا المنطق يعطي جماعة الحوثي قدرة تفاوضية وسلطة سياسية وأمنية في مستقبل اليمن. ثانياً: إشراك الدولة الإيرانية في حل الأزمة اليمنية والمساهمة في رسم مستقبلها السياسي والأمني. هذا الدور هو الذي تتطلع له إيران من دعمها لعملائها جماعة الحوثي ومن إصرارها على عقد مؤتمر جنيف في دعم لمبادرة الأمين العام. ثالثاً: عدم إيمان الأمين العام بالقرارات الدولية التي يصدرها مجلس الأمن بما فيه القرار 2216 والذي قد يرى أنه لم يعط جماعة الحوثي حقهم في الانقلاب المسلح. رابعاً: قبول الأمين العام بوجهة النظر الإيرانية التي تصور أن ما يحدث في اليمن شأن يؤثر على المصالح الإيرانية في المنطقة. خامساً: إيمان الأمين العام بأن الدولة الإيرانية دولة محبة للسلام والاستقرار وبانها تحارب الإرهاب. فإذا كان يؤمن بذلك، فهذا شأنه، وإذا كان يريد تسويق إيران على هذا الأساس، فهذا تآمر على الرأي العام الإقليمي والعالمي. وأخيراً، في الوقت الذي نتطلع لإنهاء الأزمة اليمنية لما في مصلحة اليمن وشعبه، فإننا نتأمل أن تكون هذه الحلول مبنية على احترام كرامة الشعب اليمني واحترام سيادته من قبل جميع الأطراف الإقليمية والدولية. هذا هو العمل الرئيسي الذي نعمل عليه في دول مجلس التعاون، وهذا هو العمل الرئيسي الذي يجب أن تعمل عليه الأممالمتحدة وأمينها الذي يفترض أنه يعمل لمصلحة الشعوب دعم السلم والأمن والاستقرار ومحاربة التطرف والإرهاب أياً كان مصدره. وتبقى المسألة في نهاية الأمر للشعب اليمني وحكومته الذي يقرر ما هو الطريق الصحيح للعمل ومعرفة من يقف معه ومن يقف ضده ويستغل حاجته السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية. * أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية - جامعة الملك سعود