هذه الأيام تكثر الإعلانات التجارية في كل وسائل الإعلام عن الأغذية والمسلسلات التلفزيونية والرحلات السياحية وكأنما يتسابقون الى جمع أكبر عدد ممكن من الضحايا أقصد المستهلكين. يهمنا اليوم الدعايات لجذب المستهلكين للتسوق وبالذات شراء "مقاضي" رمضان. أتمنى أن أسأل تلك المحلات والشركات العملاقة هل يعتقدون أننا لا نعرف المعكرونة والشوربة والشعيرية وشراب التوت والمشمش، أم أننا لم نعرف أن رمضان قريب أم أننا لا نعرف مكان تلك المحلات والسوبرماركات؟ أعزائي المستهلكين الكرام، لا يجب أن نلوم المسوقين، فهذا حقهم لتسويق بضائعهم وترويجها مادام في إطار الأخلاقيات، ولكن يجب أن نلوم من ينساق وراء تلك الدعايات دون مراعاة لحاجاته الفعلية وحساب للميزانية المخصصة لتلك الحاجيات ولا يدرك شناعة ما قام به إلا بعد وصوله للبيت وتراكم تلك البضائع عند باب منزله أو في مستودعه وحتى الثلاجات لا تكفي لتخزينه وربما تفسد خلال أيام. خلال الأسبوعين القادمين يتكرر المشهد الذي نراه كل عام بتزاحم الناس بطوابير على جمع أكبر كمية من المواد الاستهلاكية وأكثر عدد من المتطلبات الحقيقية والمتوقعة وكأنما ستفقد تلك البضائع من الأسواق ولا يوجد بديل عنها. عندما نرى تزاحم الناس عند أبواب المحلات نتوقع أنهم يوزعون أغذية بالمجان "ياتلحق ياما تلحق". الغريب أن كل ماذكرته الآن معروف لدى الجميع ونسمع كلاماً من أغلب الناس يندد بالسلوك الاستهلاكي غير السليم ويحدد الطريقة السليمة للتسوق، ولكن عندما تقابل ذاك الشخص عند محاسب المحل أو السوبر ماركت تجد خلافاً تاماً لما كان يقول. إذن المسألة ليست جهلاً أو عدم معرفة بالأسلوب الصحيح للتسوق. ما هو هو السبب إذن؟ العلماء والباحثون درسوا هذه المشكلة وهي مشكلة ليست خاصة ببلدنا فقط، بل يوجد نفس السلوك في كثير من الدول الغنية مالياً. هناك مجموعة من الأسباب التي تجعل الشخص يندفع في أوقات معينة للشراء ويمسك بقوة في أوقات معينة ربما تكون أكثر حاجة وإلحاحاً، لكنها متعارضة مع مزاجه أو قناعاته أو إشباعه لشيء داخله. من أهم دوافع الشراء أكثر من الحاجة هي العوامل الاجتماعية والنفسية مثل الشعور بالكرم والصرف على الأسرة أو التعود على أوقات معينة للشراء الكلي مثلا مع دخول شهر رمضان أو العيد بمعنى أن يكون السبب الدافع هو عادة اجتماعية يشارك الآخرون فيها ليس إلا، وربما تكون الدوافع عند البعض للمباهاة والمبالغات المالية والمقارنات الأسرية وغيرها. ماذا تقول مراكز الدراسات الاستهلاكية؟ ٍأذكر هنا نتائج الدراسات وٍاقترح حلولاً لها لاحقاً. الدراسات تقول ان أكبر دافع للتسوق أكثر من الحاجة هو الجوع والغريب أن بعض الدراسات وجدت علاقة بين شراء مواد استهلاكية غير الأغذية والجوع فمثلاً نتائج إحدى الدراسات على سلوك شراء الملابس وجدت أن الجوع أو رائحة الطعام تجعل الشخص يندفع للشراء وقد قاموا بتعطير بعض المحلات برائحة بعض الفواكه والفانيلا والقرفة مما يجعل الزبائن يشترون أكثر وأرجو ألا يعمل هذا أصحاب محلات الملابس النسائية فلا أظنهم بحاجة لشراء معطرات لزيادة المبيعات. دراسات أخرى أثبتت أن وجود الأطفال مع المتسوق يؤثر عليه بشراء أغذية أو بضائع أو ألعاب ليس مقرراً شراؤها، وأيضاً وجدت دراسات أخرى أن المزاج السيىء يلعب دوراً في زيادة المشتريات ففي إحدى الدراسات قامت الباحثة بعرض فيلم حزين على مجموعة من الناس وعرضت فيلما ممتعا على مجموعة أخرى وطلبت منهم الذهاب للمحل وشراء علبة ماء فقط، لاحظت أن المجموعة الأولى التي شاهدت الفيلم الحزين اشترت مواد أخرى مثل الشوكولاته بينما اشترت المجموعة الثانية علبة الماء فحسب، لهذا لا أنصحك بالتسوق ومزاجك معكر سواء كنت امرأةً أم رجلاً وأنصحك أيها الزوج أن تتصالح مع زوجتك بكلمات طيبة إن كنتما مختلفين قبل ذهاب أحدكما للتسوق مما سيكلفك مادياً ومعنوياً بما أنت غني عنه، وابحث عن طريقة تجنبك تعكر المزاج دائما وقبل التسوق خاصة. أكدت دراسات أخرى أنه كلما كبر حجم العربة كلما زادت المشتريات، ومن أغرب نتائج بعض الدراسات أن السير بعكس عقارب الساعة يزيد من الرغبة في الشراء ولهذا لاحظوا مداخل المحلات العالمية الكبيرة أنه يكون في الغالب من اليمين ثم تسير في ممر يجعلك تسير عكس عقارب الساعة. أخيراً ذكرت بعض الدراسات أن للوراثة والجينات والكرم دور كبير في السلوك التسوقي فالبعض يقبل على شراء كميات كبيرة ويفضل محلات الجملة والشراء بالكرتون ولا يقتنع بالشراء بالكيلو ويرى أنه ليس من طبائعنا فهو بذلك يشبع رغبة داخلية لديه وينسى مسألة الإسراف تماماً كما يحدث في الولائم والزواجات وقد تحدثنا عنها سابقاً.