يبدو واضحا من خلال طبيعة الزيارة التي يقوم بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند اليوم إلى المملكة وطبيعتها وأهدافها أنها جاءت لتكرس نضج البعد السياسي في الشراكة الإستراتيجية التي أرسيت بين البلدين في عام 1996. وكانت القيادة السعودية ولا تزال تلح في كل المناسبات واللقاءات التي لديها صلة بالعلاقات الثنائية السعودية الفرنسية أن البعد السياسي هو قاطرة هذه الشراكة التي تنص على تعزيز التعاون بين البلدين في جميع المجالات الدبلوماسية والاقتصادية ومجالات كثيرة أخرى، وعلى ضرورة إيلاء المساهمة في تطوير المهارات والكفاءات البشرية السعودية أهمية خاصة. وإذا كانت هناك دولة غربية من تلك التي أطلقت المملكة معها شراكات إستراتيجية استطاعت فعلا أن تتفاعل مع البعد السياسي في مثل هذه الشراكات على نحو يستجيب لمصالح طرفيها، فهي فرنسا لاسيما بعد وصول الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند إلى سدة الحكم عام 2012. وكان الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك حريصا جدا على إبراز البعد السياسي في هذه الشراكة رغم أن الطبقة السياسية الفرنسية والأوساط المالية والاقتصادية والصناعية قضت وقتا أكثر من اللازم حتى تدرك أن الشراكة الإستراتيجية كما تتطلع إليها المملكة لا تعني السعي وراء العقود وإنما تتطلب رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار مصالح البلدين. الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند فإنه أدرك بشكل جيد الرسالة التي كانت المملكة ترغب في إيصالها إلى شركائها الإستراتيجيين الكبار. ولذلك فإن العلاقات الفرنسية السعودية شهدت منذ مجيئه وثبة نوعية تم من خلالها تفعيل البعد السياسي في الشراكة السعودية الفرنسية. وتجلى ذلك من خلال ملفات ساخنة تطرح اليوم في منطقة الخليج وفي المنطقتين العربية والمتوسطية من أهمها ملفات الأزمتين اليمنية والسورية وملف الإرهاب والملف النووي الإيراني. ففي ما يخص ملف الأزمة اليمنية، كانت فرنسا متفهمة للأسباب التي جعلت المملكة تقود تحالفاً عسكرياً ضد الحوثيين منذ السادس والعشرين من الشهر الماضي. ويقول عدد هام من المراقبين الفرنسيين إن فرنسا هي من الدول الغربية القليلة التي أدركت أن كثيرا من الملفات الإقليمية الساخنة لديها انعكاسات داخل كل بلد من بلدان المنطقة، وبالتالي فإنه لابد من أخذ هذا المعطى بعين الاعتبار في الجهود الرامية إلى معالجة هذه الملفات. ومن هنا جاء التفهم الفرنسي للتحالف العسكري الذي تقوده المملكة ضد الحوثيين في اليمن. من هذا المنطلق جاء أيضاً التنسيق السعودي - الفرنسي بالنسبة إلى موضوع الملف النووي الإيراني. ولاحظت المملكة طوال المفاوضات التي أجرتها الدول الغربية مع إيران قبل التوصل يوم الثاني من شهر أبريل الماضي إلى اتفاق إطار يمهد الطريق مبدئيا إلى تسوية الملف، حرصا فرنسيا خاصا على التدقيق في كل معطى من معطيات الملف ولاسيما تلك التي تبرر مخاوف الدول العربية الخليجية من أن يوظف الملف لاحقا توظيفا يخرج عن الأغراض المدنية. وقد تطابقت وجهات النظر السعودية والفرنسية ولا تزال في ما يتعلق بملفين ساخنين آخرين أساسيين مطروحين في المنطقة هما ملف الأزمة السورية وملف التصدي لتنظيم "داعش". ولابد من التذكير بأن فرنسا كانت أول بلد غربي يعترف بالمعارضة السورية ويكون واضحا في موقفه من النظام السوري الذي يحمله الأوضاع المزرية التي وصلت إليها سورية اليوم. كما تجدر الملاحظة إلى أن فرنسا قبلت بالمشاركة في قوات التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" انطلاقا من قناعة سياسية إستراتيجية بأن هذا التنظيم يشكل خطراً كبيراً على المنطقة العربية والمنطقة المتوسطية ودول الاتحاد الأوروبي. ومن هنا يمكن تفهم عدة نقاط في زيارة الرئيس الفرنسي إلى المملكة منها أنه أول رئيس دولة غربية كبرى يستقبله في الرياض خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بعد التغييرات الهامة التي أجراها على مستوى المفاصل الأساسية في مؤسسات الدولة في المملكة. ومن هنا أيضا يندرج قبول المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى بأن يحضر الرئيس الفرنسي القمة الخليجية الاستثنائية التي تستضيفها المملكة يوم الخامس من الشهر الجاري للبحث في سبل معالجة الملفات الساخنة التي سبق ذكرها بالإضافة إلى ملفات أخرى. وهذه سابقة في سجلات المجلس.