العروس المسربلة بثوب أصفر باهت تصب القهوة لعريسها من إبريق فخاري يسمى «جبنة»، وهي تخفض عينيها المبتسمتين فيما تحدث الأساور الذهبية رنيناً حول رسغها. وعلى مقربة من هذين العروسين، هناك عريس آخر يحمل بإحدى يديه حذاء عروسه البرتقالي ويمسك ذراعها باليد الأخرى وهما ينطلقان على ممر جبلي وعر لارتشاف الماء من ينبوع تقول التقاليد المحلية انه يمنح الخصوبة. من السهل على المرء أن يعرف من هم العرسان الجدد في حديقة توتيل الجبلية، ليس لكونهم يسيران ويتنزهان أزواجاً بين العائلات العديدة والأطفال المتراكضين بل من نظراتهم الخجولة، ومن الحناء التي تزين أطراف أصابعهم منذ اتمام مراسم زفافهم الحديث. الجمهور المحتشد كان اعتيادياً ذات أصيل خلال زيارتنا الأخيرة، إذ إن كسلا هي منذ عشرات السنين مقتبل العرسان الذين يأتون إلى هنا لتمضية شهر عسلهم منذ عشرات السنين. مواهب «23 سنة» تقول وهي تغمس قارورة بلاستيكية في مياه النبع ثم تشرب منه: «لقد جئنا إلى هنا لرؤية الجبال ونهر القاش. أعرف كثيرين من العرسان الذين جاءوا إلى كسلا لقضاء شهر العسل». مواهب تحتذي وتضحك وتمسك بذراع زوجها حتى لا تسقط في الماء. ويبتسم العريسان اللذان عقدا قرانهما قبل ثمانية أيام في الخرطوم بعضهما لبعض وهما يهرعان نازلين باتجاه المقهى الصغير ومحلات بيع الأغراض التذكارية. ويمر الأثنان برجل يعلق آلة تصوير من عنقه ويحاول أن يغريهما بألبوم صور يظهر فيها عرسان التقط صورهم أمام الصخور الحمراء: «ثلاث صور ب 3000 دينار «ما يوازي 12 دولارا». إلا انهما يتابعان السير. ومن السهل أن ترى ما الذي يجعل هذه المدينة المتاخمة للحدود الإرترية تجتذب العرسان. إنها بقعة نادرة من الجمال الطبيعي والاخضرار وسط طبيعة صحراوية قاحلة شمال شرقي السودان. ومع ان جنوب البلاد تكسوه الخضرة، إلا ان المنطقة الجنوبية قد مزقتها الحروب التي توقفت بعد 21 سنة من اندلاعها. وتتميز كسلا بامكانية الوصول إليها. إنها تقع على بعد 370 ميلاً من العاصمة الخرطوم. وقد تكون الطريق وعرة ضيقة ومتقطعة، إلا انها لا تزال من أفضل طرق المواصلات في البلد الفقير المترامي الأطراف والغارق في النزاعات. وهناك حدائق غناء وبساتين كثيرة ينبت فيها القريب فروت والرمان والبرتقال والموز والشمام. إن ابرز معالمها هو مسجد الختمية التابع لإحدى الطرق الصوفية الإسلامية. والمعلم البارز الآخر هو جبال تاكا التي ترتفع قممها الغرانيتية من السهول لتطل على المدينة. على مشارف المدينة ينصب رعاة الجمال البدو من قبيلة الرشايدة خيامهم المصنوعة من جلود الماعز عندما تأتي الأمطار الصيفية. وحضور نساء القبيلة قوي في الأسواق حيث يمكن تمييزهن من براقعهن المزينة بالخرز التي تغطي أنوفهن وأفواههن. ويخترق نهر القاش مدينة كسلا وتجف مياهه في شهر أيلول حتى حزيران التالي - إلا ان الأمطار الموسمية تحدث فيضانات سريعة وخطيرة - ففي العام 2003 أغرفت السيول المدينة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 300 ألف وقتلت منهم العشرات ودمرت مئات المنازل. وتكتظ الفنادق بالزوار في شهر تموز عندما تتدنى درجات الحرارة في الليل نتيجة للعواصف الرعدية وترتفع مياه نهر القاش. يقول موظف في أحد الفنادق: «تموز هو شهر العرسان الجدد فالطقس يتحسن وتصبح الجبال جميلة جداً». في الحديقة الجبلية تجلس العروس مروة مع عريسها بكري في المقهى ومعهما أحد الأقارب للاستمتاع بمشهد الغروب وتناول الحلويات والقهوة السودانية. وتقول مروة بصوت خافت ان هذه هي رحلتها الأولى خارج الخرطوم، وانها تتمنى رؤية بقية أنحاء البلاد، وتضيف أود رؤية الحدائق والمساجد. وعندما تعتم السماء تبدأ العائلات والعرسان الجدد بالنزول على الطرق الجبلية، ويتوقف بعضهم عند الأكشاك لشراء التذكارات والحلوى.