آبل ليست مجرد شركة تقنية بل هي حركة دينية اجتاحت العالم قبل ثلاثة عقود، هذا ما يعتقده البعض. الهوس المرضي تجاه اقتناء منتجات شركة آبل والقيمة السوقية الهائلة التي وصلت إليها الشركة بالإضافة للعوائد التاريخية المتصاعدة والأرباح القياسية يجعل الشركة محط أنظار جميع متابعي التقنية بالعالم. آبل ليست مجرد شركة تقنية بل أضحت علامة تجارية فاخرة تنافس مثيلاتها بشركات الأزياء والسيارات الفارهة. ويظل السؤال قائماً، لماذا هذا الهوس العجيب بمنتجات آبل؟ كيف سلبت الشركة لب محبيها ولماذا أصبح زبائنها هم الأكثر ولاءً بين المستهلكين بالعالم؟ كيف تحولت التفاحة المقضومة إلى العلامة التجارية التقنية «الأرقى» في العالم؟. إحصائيات شركة آبل مثيرة جداً. القيمة السوقية لشركة آبل تتجاوز 626 مليار دولار وتتصدر بها جميع شركات العالم. آبل تملك ما يزيد على 155 مليار دولار ك مبالغ نقدية «كاش» أي أن الشركة لو وزعت هذه المبلغ «الفائض» على مواطني السعودية لحصل كل واحد منهم (20 مليون سعودي) على مبلغ 30 ألف ريال سعودي. هذه الوفرة النقدية تعود إلى عوائد مالية خرافية تضاعفت بشكل غريب بالسنوات السبع الأخيرة. حيث حصلت آبل على 182 مليار دولار كعوائد مالية في العام المالي المنصرم ونجحت بتحويل 39 مليار ونصف دولار إلى أرباح صافية. هذه النسبة الفائقة في هامش صافي الربح الذي يصل إلى 21 سنت في كل دولار يدلك على الهوس الغريب بمنتجات الشركة حول العالم والولاء الرهيب لدى عملاء الشركة في دفع مبالغ طائلة نظير منتجات آبل. بمعنى أبسط، الشركة تربح 21 دولارا في كل مائة دولار من المبيعات وتتصدر بهذه النسبة الشركات التقنية الأكثر ربحية بالعالم. هذا الرقم يعتبر رقما هائلا إذا ما قارنته مع ألد منافسيها بالسوق أي شركة سامسونج الكورية التي تحصل على هامش صافي ربح لا يتجاوز 8 دولارات ونصف. (قطاع الأدوية يتصدر القطاعات الأكثر ربحية في العالم بمتوسط يقارب 20% ويتصدر الترتيب شركة قايزر بهامش صافي ربح يبلغ 42% وهي الشركة التي تبيع منتجات ليبتور وفياغرا «واذا عُرف السبب..») لكن هل هذا الهامش العالي في صافي الأرباح عائد إلى سعر منتجات آبل المبالغ به ربما، ولكن هذا ليس السبب الوحيد. شركة اتش تي سي التايوانية والتي تبيع أجهزتها بسعر يزيد على سعر آبل تحصل على دولار واحد فقط ربح في كل مائة دولار. إذن لماذا تصل عوائد وأرباح شركة آبل لهذا الرقم الخرافي؟ هل تعلم أن كل موظف بشركة آبل مسؤول عن توليد مبلغ مليونين وربع المليون كعوائد مالية؟ أي أن الموظف الواحد بشركة آبل يدر مبلغ نصف مليون دولار كصافي أرباح (صافي الأرباح / عدد الموظفين (80 ألفا)). هل تثبت هذه الاحصائيات الخرافية الحقيقية التي يرددها محبي شركة آبل بكون منتجات الشركة هي الأفضل بالعالم؟ دعني اختصر الإجابة لك لا. السبب الحقيقي في هذه العوائد الخرافية والسيطرة الرهيبة لمنتجات آبل يعود إلى سبب بسيط يعرفه كل طلاب المال والأعمال بالعالم. السبب ببساطة يعود إلى «التسويق». شركة آبل هي الشركة الأولى بالعالم من ناحية القدرة التسويقية وشكلت على مر التاريخ المحطة التقنية الأهم في رسم معالم وتفاصيل علم التسويق فيما يخص المنتجات التقنية. قبل أن تشتري منتجا من منتجات شركة آبل، يجب أن تعرف أن آبل نجحت أولاً وثانياً وثالثاً ورابعاً في تسويقه ومن ثم يأتي نجاحها في صناعة المنتج التقني في المرتبة الخامسة. هذه السياسة هي التي جعلت آبل تعتلي المرتبة الأولى بالعالم. هذه السياسة هي التي خلقت جيل من مدمنين منتجات شركة آبل. هذه السياسة التسويقية الأقوى بالعالم هي التي صنعت علامة التفاحة المقضومة الأرقى بالعالم. عند مراجعة تاريخ شركة آبل يتبين لك أن الشركة أدارها ثلاثة من أعظم رجال التسويق بالتاريخ من ضمن سبعة رجال تولوا دفة القيادة بالشركة. وعند التدقيق بالتاريخ يظهر لك حقيقة غريبة، عندما رحل آخر هؤلاء الثلاثة العظام في منتصف التسعينيات، قاربت الشركة على الإفلاس، وعندما عاد أحدهم بعام 1997، عادت الشركة إلى السيطرة على السوق خلال سنوات قليلة. يتفق الجميع على أن هؤلاء العباقرة الثلاثة يعود لهم الفضل بوصول الشركة لهذه المرتبة العظيمة. أول الرجال هو مايك ماركيولا وهو الرئيس التنفيذي الثاني بالشركة. مايك انضم لشركة آبل عندما كانت لا تزال تمارس أعمالها من مرآب صغير وهو من حولها إلى شركة حقيقية واعتمدت الشركة على فلسفته التسويقية العبقرية لغاية اليوم. ماركيولا كان في بداية الثلاثينيات من عمره عندما انضم إلى شركة آبل وكان يملك عشرات الملايين من الدولارات نظير عمله بالقطاع التسويقي في شركة انتل المصنعة للمعالجات الدقيقة. رسم مايك فلسفة شركة آبل التسويقية واختصرها بثلاث نقاط: التقمص العاطفي، التركيز والتقديم ومن يومها أصبحت هذه الفلسفة عند آبل كالكتاب المقدس. أول النقاط تتمحور حول الفهم الحقيقي لحاجة المستهلك والسعي إلى الوصول لمنتج يخدم احتياجاته ويحقق أهدافه بكل دقة وهو ما دفع الشركة إلى إطلاق جهاز الآيفون وهو الهاتف الثوري في عام 2007 والاعتماد على تقنية اللمس التي لم تتبنها الشركات المنتجة للهواتف في ذلك الوقت وهذا يمثل فهم شركة آبل لحاجة المستخدم الحقيقية بغض النظر عن الموجود بالسوق من منتجات. العامل الثاني يدور حول التركيز على منتجات مفيدة مربحة بدلاً من الاحتفاظ بعدد كبير من المنتجات المتعثرة وهي النقطة التي اعتمدها ستيف جوبز عند عودته لتولي دفة القيادة بالشركة بعام 1997 حيث قتل عدد هائل من المنتجات التي تصنعها الشركة من كاميرات وطابعات وخوادم ومساعدات الكترونية وقلص منتجات الشركة إلى أربع فقط توزعوا على قطاعي الحواسب المحمولة والمكتبية الأمر الذي أنقذ الشركة من الإفلاس الذي كان على مسافة 3 أشهر. العامل الأخير في فلسفة ماركيولا يتلخص في تقديم المنتج وتسويقه وهو ما يخص الجانب الخارجي من إعلانات مبتكرة إلى تصاميم حديثة جذابة والاهتمام حتى بتغليف علبة المنتج وهو السبب الذي يدفعك إلى الاحتفاظ بكرتون الآيفون أو الماك بوك برو بينما تحذف مثلاً كرتون كمبيوتر توشيبا أو هاتف بلاكبييريثلاث نقاط بسيطة: اعرف حاجة المستخدم الحقيقية، ركز على المنتج الناجح فقط ثم غلف المنتج بطريقة مبتكرة تجعل المستهلك يحكم على المنتج من «غلافه». يعترف ستيف جوبز بأن مايك ماركيولا كان بمثابة الأب الروحي له وتعلم على يديه الكثير من خفايا عالم المال والأعمال في حقبة زمنية كان عمر ستيف جوبز مؤسس شركة آبل لا يتجاوز بها الثانية والعشرين. الرجل الثاني الذي شكل علامة فارقة في صياغة سياسة شركة آبل، حسب رأيي الشخصي، هو جون سكولي الرئيس السابق لقطاع بيبسي كولا بشركة بيبسيكو والذي عمل بشركة آبل كرئيس تنفيذي من 1983 إلى 1993. لكن هذا الرجل اختلفت عليه كتب التاريخ والمحللين الاقتصاديين وحتى وصل الاختلاف إلى المدونات التقنية الحديثة. السبب يعود ببساطة إلى كونه الرجل المسؤول عن طرد ستيف جوبز عام 1985 من شركته التي أسس بعام 1976. هذا السبب دفع الكثيرين إلى محاولة تقليص الدور الذي اضطلع به سكولي في تاريخ آبل ولكني اخترته من ضمن أهم ثلاثة رجال بتاريخ آبل لأسباب حيادية بعيدة عن اعجابي الفائق بستيف جوبز وهو الذي اختار سكولي شخصياً لقيادة الشركة بعام 1983. سكولي ضاعف عوائد شركة آبل المالية من 800 مليون دولار بعام 1983 إلى 8 مليارات دولار بعام 1993 وترك منصب الرئيس التنفيذي والشركة بحالة جيدة وان قاربت على اعلان الإفلاس بعد مغادرته بثلاث سنوات. سكولي يعتبر من أحد أهم رجال التسويق بالتاريخ والسبب يعود إلى الدور الذي لعبه في تحويل شركة بيبسيكو من مجرد شركة صغيرة للمشروبات الغازية في أمريكا إلى شركة منافسة لشركة كوكا كولا بعد اطلاقه لأحد أضخم الحملات الإعلانية بالتاريخ وهي التي تعرف ب «تحدي بيبسي» في السبعينيات الميلادية من القرن المنصرم. حملة (تحدي بيبسي)كانت ببساطة مجرد اختبار بسيط لأشخاص عاديين يوضع أمامهم كوبين من المشروبات الغازية بلا أي علامات فارقة أحدهما تابع لشركة كوكا كولا والآخر لبيبسي ويطلب من الشخص اختيار الكوب صاحب الطعم الأفضل والذي كان غالباً مشروب بيبسي وهذا ما دفع شركة بيبسيكو إلى مضاعفة أرباحها بشكل خيالي والتحول إلى شركة منافسة للمشروبات الغازية بأمريكا والعالم (الغريب أن سكولي خضع للاختبار واختار مشروب كوكا كولا). سكولي الذي لا يفقه أي شيء بعالم التكنولوجيا لُخصت سياسته التسويقية في « صناعة منتجات تجعل المستهلك يُغرم بمنتجات آبل وتدفعه بالتفكير بأن شركة آبل قادرة على تغيير حياته إلى الأفضل» وأيضاً أكد على «أهمية خلق جيل من المتابعين للشركة يتمتعون بالولاء والحب تجاه الشركة» وأخيراً شدد على « أهمية تحول المنتجات إلى علامات تجارية بدلاً من كونها منتجات بحد ذاتها». سكولي تمكن من تأسيس ثقافة تسويقية في شركة آبل جعلت منها علامة تجارية فاخرة، وكما تمكن من تسويق منتج بيبسي كولا على كونه «نمط حياة» لا يمن أن يمر يوم من غير أن تشربه بدلاً من كونه مجرد مشروب غازي سكري الطعم لست بحاجة له أصلاً، تمكن من التأثير بوجهة نظر الناس نحو منتجات آبل ودفعهم إلى التفكير على أنها أشياء لا بد من اقتنائها بغض النظر عن وجود منتجات أفضل منها بالسوق. فالهدف لا يكون باقتناء الأفضل، بل باقتناء منتجات شركة آبل. فانت لا تشتري كمبيوتر محمولا بل تشتري ماك بوك برو، ولا تشتري هاتفا ذكيا بل آيفون. أما أهم الرجال الثلاثة فهو الأب الروحي ومؤسس الشركة ستيف جوبز الذي كان يصنف على أنه أحد العباقرة الغرباء الأطوار بالقرن الماضي والذي مزج بين العقلية التقنية الفائقة والقدرة التسويقية الفطرية على بيع الأشياء. ستيف جوبز قال عندما رأى أول نسخة تجريبية لحاسوب آبل والمبتكر «يمكننا أن نبيعه» ولم يقل هذا اختراع عظيم أو فتح علمي وكان حينها بالعشرين من عمره. ستيف كان يتمتع بحس تقني عال، وإن لم يكن يمارس أي مهام تقنية حقيقية بشركة آبل، وأيضاً نظرة مستقبلية عميقة واخيراً قدرة على تحويل الأفكار إلى منتجات ناجحة بالسهل الممتنع. كان يؤمن على أن البساطة هي الجمال وكان يحرص على أن تكون منتجات آبل كذلك ومن ثم كان يستخدم شخصيته الأسطورية الآسرة للتسويق للمنتج. كان يكفي أن يقف ستيف جوبز على المسرح ويتحدث عن المنتج بالكلمات التي يحب «ثوري»، «رائع»، «عصري»، «الأفضل»، «سبق معرفي».. ليبادر الألوف بالذهاب إلى متاجر آبل لاقتناء المنتج الذي تحدث عنه جوبز. كان يستخدم شرحاً مبسطاً يخاطب قلوب الناس لا عقولهم ولم يكن يحب التورط في التفاصيل التقنية التي لا يفهمها غالبية الناس. في حفل إطلاق الأيبود بعام 2001، اخرج الجهاز الثوري من جيب بنطاله وأخبر الحضور بأن الجهاز يستوعب ألف أغنية ويمكن وضعه بجيب البنطال بدلاً من أن يقول إن الجهاز يحمل ذاكرة تخزينية تقدر ب 5 قيقا بايت وعرض .78 انش وغيرها من تفاصيل تقنية «غير مفهومة». كان يؤمن بمقولة رددها كثيراً هنري فورد مؤسس شركة فورد الأمريكية للسيارات « لو سألت الناس عما يريدون، لقالوا أحصنة أسرع.» ولهذا كان يطبق هذه الفلسفة البسيطة على جميع منتجات آبل منذ تأسيسه للشركة. كان قادراً على رؤية الخيط الرفيع بين حاجات الناس ورغباتهم ولهذا سخر جهوده في خلق منتجات تخدم حاجاتهم «وليس رغباتهم» فعندما أطلقت آبل جهاز الآيفون الهاتف الذكي عام 2007، لم تلتفت لجميع الهواتف المحمولة الموجودة بالسوق أو تهتم لرغبات الناس وقامت بتبني تقنية اللمس والشاشة الكبيرة بدون أي أزرار ملموسة. رغبات الناس بذلك الوقت كانت تتمحور حول هواتف صغيرة الحجم لكن ستيف جوبز فهم حاجتهم لجهاز ثوري استطاع به من تغيير تاريخ الهواتف المحمولة. لهذا، ولغاية اليوم، تطبق آبل هذه الفلسفة. إذا قمت بعمل مقارنة بين جهاز الآيفون 6 وجهاز سوني زي 3 مثلاً، ستجد أن شركة سوني اتجهت إلى مضاعفة قدرات الجهاز باستخدام المعالج رباعي النواة وذاكرة عشوائية تصل إلى 3 قيقا بايت بينما جهاز الآيفون الجديد ثنائي النواة ويحمل ثلث الذاكرة التي يحمل هاتف سوني زي 3. آبل لا تصنع جهاز يحمل المواصفات الأعلى تقنياً، لم يكن هذا هدفها ولن يكون، بل هدفها صناعة منتجات تخدم احتياجات الناس بدون الدخول بحرب تفاصيل تقنية معقدة لا تهم المستخدم. لهذا أجهزة آبل قد لا تكون الأقوى بالعالم، ولكن ربما تكون الأفضل. لكن أعظم السياسات التسويقية التي طبقتها آبل في سبيل الفوز بسباق الأفضلية كانت تعتمد على فكرة بسيطة يعود الفضل بتبنيها إلى ستيف جوبز في عام 2007 عند إطلاق درة تاج التفاحة المقضومة ونهر الذهب المتفجر «الآيفون». ستيف جوبز أكمل طريق ماركيولا وسكولي وتمكن من خلق سياسة تسويقية جديدة دفعت بشركة آبل إلى مصاف الصدارة العالمية. فلسفة ستيف جوبز بعام 2007 اعتمدت على «أسلوب الحصرية». أسلوب الحصرية تتلخص بالتالي: سنطلق جهاز ثوري، ولكن لن نسمح للجميع باستخدامه وسنتيحه فقط لشركة اتصال واحدة بالعالم. ماذا يحصل عندما أعجب أنا بالآيفون وأكون مشتركا مع شركة اتصال مختلفة؟ لا شيء. لا تحصل على الآيفون الا مع تلك الشركة فقط. ماذا يحصل عندما أكون منتميا لبلد غير أمريكا وأريد الحصول على جهاز الآيفون؟ لا شيء. لا يمكنك الحصول على الجهاز إلا بشرائه من أمريكا ودفع مبالغ طائلة. ماذا يحدث عند تقييد حرية البشر ومنعهم من اقتناء شيء يرغبون به؟ يجن جنونهم. هذا ما جرى عند إطلاق الآيفون بعام 2007، بدأ عدد كبير من الناس حول العالم (لا يتجاوز العدد آلاف) بمحاولة الحصول على الممنوع المرغوب «الآيفون» بشتى الطرق ونقلوا رغباتهم المحرمة لبقية أطياف المجتمع. هذه الأسلوب التسويقي سبّب هوسا لدى محبي التقنية الذين اندفع كثير منهم لاقتناء جهاز آبل الثوري، لكن المشكلة أن الجهاز غير متوفر ومتاح فقط بأعداد قليلة جداً بالسوق. وهذا سبب موجة جنونية أخرى سمحت لشركة آبل من استخدام الناس كوسيلة تسويق مجانية بأحاديثهم عن الجهاز الممنوع والذي يحصل عليه فقط عدد صغير من المحظوظين. كيف تحصل على الآيفون بذلك الوقت؟ عليك بالاصطفاف والإقامة لأيام خارج متاجر آبل للحصول على جهاز واحد. لكن هل توقف أحد بذلك الوقت ليسأل عن مواصفات الآيفون أو امكانياته؟ لا. استمرت شركة آبل بهذه السياسة التسويقية الاحتكارية وتعمدت تقليل أعداد أجهزة الآيفون بالسوق لزيادة سعار المستخدمين ودام هذا الأمر لسنوات طويلة. عند كل طرح جديد للآيفون، يقف المئات امام المتاجر لشراء الجهاز الجديد، ولكن متاجر آبل تبيع فقط العشرات من الأجهزة وتترك البقية يذهبون إلى بيوتهم محملين بخيبات الأمل ويحكون لمعارفهم عن عدم توفر الجهاز اللعين. أدت هذه السياسة المجنونة إلى انقسام المجتمعات حول العالم إلى فئتين: فئة تشعر بأنها محظوظة ومميزة لكونها حصلت على الجهاز الأشهر ولهذا تستمر باقتنائه كل سنة وفئة كارهة لهذا الجنون الاستهلاكي. فئة تدافع بقوة هائلة عن شركة آبل وتعتقد بأن منتجات آبل جزء من تركتهم الخاصة وبكون توجيه الإساءة لهذه المنتجات يعتبر إساءة شخصية لاختياراتهم الشخصية ولأسلوب حياتهم الخاص. وفئة ترى بأن الجهاز حصل على شهرة مبالغ بها وبأنه أقل من غيره من الأجهزة وتستمر بتبني وجهات نظر كارهة لكل شيء يخص شركة آبل امعاناً وفجوراً بالخصومة. نقاش هاتين الفئتين لا ينتهي ولا يمكن أن يصل إلى نتيجة بل هو مجرد جدل بيزنطي عبثي. لكن هذا الجدل ساهم في استمرار احتلال جهاز الآيفون لصدارة المواضيع في المجالس والصالات بل وحتى الأماكن العامة حول العالم. استمر الجميع بالنقاش عن أفضلية الجهاز من عدمها واستمرت آبل بنشر الآيفون كفيروس معد حول العالم حتى تجاوزت مبيعات الآيفون النصف مليار جهاز. وكلما هدأت حدة النقاش، تطلق آبل شرارة جديدة ممثلة بشاشة أكبر في مرة، ولون ذهبي نادر الحصول عليه في مرة أخرى. تمكنت آبل بهذه السياسة التسويقية المجانية من تقسيم المجتمع إلى شقين: فئة تحب الآيفون وفئة تكرهه. شخص يحمل آيفون وشخص لا يحمل آيفون. بهذه الفلسفة الفريدة من نوعها، تمكنت شركة آبل من تأسيس قطاع الحاسبات الشخصية في نهاية السبعينات الميلادية وعادت لتعيد تأسيس قطاع الهواتف المحمولة في نهاية العقد الماضي. إرث آبل التاريخي وأجهزتها الثورية وسياستها التسويقية المتقدمة خلقت علامة تجارية قد لا تكون «الأفضل» بالعالم ولكنها حتماً «الأرقى». إما أن تكون مع آبل، أو تكون مع غيرها. هكذا هو العالم الآن.