وفاة ستيف جوبز في أكتوبر الماضي عن عمر يناهز السادسة والخمسين كانت حدثا مؤثرا خلال هذا العام في عالم التكنولوجيا لتحرمه من واحد من أكثر الشخصيات تأثيرا وإبداعا في عصر الكمبيوتر. توفي جوبز في أوج نجاحه عندما كانت أبل تباري عملاق النفط إكسون موبيل كأكبر الشركات في العالم من حيث القيمة وعندما قادت إنجازاته إلى مقارنات حقيقية ربما بعمالقة آخرين في الإبداع الأمريكي مثل توماس أديسون وهنري فورد. الأوقات المتكررة غير المحسوبة خلال الأيام والأسابيع اللاحقة على وفاته كانت مليئة بتأثيره التحويلي على أجهزة الكمبيوتر وصناعة الأفلام الرقمية والموسيقى والهواتف الذكية والحوسبة اللوحية. * لكن ماذا حدث لأبل وعالم التكنولوجيا بعد خسارتهما جوبز وحدسه؟ تراجعت أسهم ابل بعد أنباء وفاته، لكنها تعافت سريعا مع إدراك المستثمرين أن الرجل قضى سنوات في إعداد خلفائه ووضع الشركة في مركز يسمح لها بمواصلة النمو لمدة طويلة بعد رحيله. حتى أن جوبز أسس جامعة سرية لأبل لتدريس مبادئه لكبار التنفيذيين. وفي حين عين أستاذ التخطيط والتنفيذ كيم كوك كخليفة له كمدير تنفيذي، تأكد جوبز من أن جوني إيف كبير المصممين والأقرب إليه في أبل في وضع لا ينازعه فيه أحد. واتضحت قوة إرث جوبز في الأيام التالية على رحليه عندما اجتاحت أجهزة آي فور فور إس الجديدة أرفف المتاجر وحطمت بشكل سريع الأرقام القياسية برغم أنها لم تتسم إلا بتعديلات تكنولوجية بسيطة عن سابقتها. كان السلاح السري في الهاتف هو تكنولوجيا ثورية أخرى استلهمها جوبز أطلق عليها "سيري" وهي خاصية مساعدة صناعية يتم تفعيلها بالصوت بحيث تستجيب بذكاء للأسئلة والتعليمات المنطوقة بشكل طبيعي. وبينما ينظر المشككون إلى الابتكار بأنه ليس اكثر من مجرد حيلة براقة، أشار جوبز إلى القائم بكتابة سيرته الذاتية بأن تلك التكنولوجيا تحمل إمكانية أن تكون أداة تحول كما هو الحال في قدرته على انتشار استخدام الفأرة قبل خمسة وعشرين عاما، أو طراز تحكم باللمس على الشاشة الذي طرحه مع أجهزة آي فون. يتوقع خبراء حاليا أن تصبح تكنولوجيا "سيري" وأنظمة صوتية أخرى طرقا شائعة للتحكم في أجهزة الكمبيوتر والأجهزة المحمولة، بل وربما الأكثر أهمية أنها يمكن أن تفتح الباب أمام ظهور التليفزيون التفاعلي تلك الغاية التي بذلت جهود طويلة في عالم تكنولوجيا الترفيه لتحقيقها. قال جوبز لكاتب سيرته والتر إساكسون إنه "سيكون أبسط واجهة للمستخدم يمكن أن تتخيلها... أخيرا قمت بحلها". وكان من أفضل الأنباء أيضا بالنسبة للمولعين بالتكنولوجيا هو حقيقة أن جوبز لم يكن الوحيد فقط أو حتى الشخص الأول الذي لديه الفكرة الرائعة تلك. كانت مايكروسوفت طرحت تحديثا في مطلع كانون أول/ ديسمبر بحيث يحول بشكل فعال أجهزة إكس بوكس البالغ عددها 57 مليون جهاز في غرف المعيشة حول العالم إلى وحدات تليفزيونية تفاعلية بالتحكم فيها عبر الصوت. قد يعني هذا انتصارا قيما لخصمه القديم بيل جيتس، لكنّ هناك عددا وافرا من أرباب العمل الآخرين الذين يتقدمون لارتداء عباءة جوبز. سيرجي برين ولاري بيدج مؤسسا جوجل لهما بالفعل تأثير تحولي على حياة مستخدمي الإنترنت، بينما سيكون مارك زوكربيرج هو جوبز الآخر حيث أحدثت ابداعاته ثورة في طريقة تفاعل الناس. والمهم للغاية هو أن الثلاثة كلهم يتقاسمون تعويذة مشتركة هي ثورة الكمبيوتر وأن دورهم فيها قد بدأ. ان جوجل على سبيل المثال تواصل الابتكار على شبكة الإنترنت لكنها أيضا رائدة في نظام النقل والطاقة البديلة، وسياراتها ذاتية القيادة يمكن أن يكون لها تأثير كبير على طريقة انتقال الناس إذ أن أساليبها في البحث على الانترنت تعتمد على طريقة عثور مستخدمي الكمبيوتر على المعلومات. وتفرض بالفعل تحديا كبيرا على خط إنتاج أبل. ويتم تشغيل نظام أندرويد الذي تنتجه جوجل على معظم الهواتف الذكية الجديدة المباعة حول العالم، كما أنه يقترب سريعا من اللحاق بأجهزة آي فون من حيث المهارة وسهولة الاستخدام بحسب الكثير من المحللين. ويواجه جهاز أي باد بمجموعة من الأجهزة المنافسة الجديدة القوية بما فيها جهاز كيندل فاير من إنتاج شركة أمازون حيث بيع أكثر من مليوني جهاز منذ طرحه في تشرين ثان/ نوفمبر. وينقسم المحللون بشأن كيفية سريان تلك المنافسة. كانت أسهم أبل تراجعت بالفعل من أعلى مستوى لها في نيسان/ أبريل عند 426 دولارا. ويتوقع ليونيد كانوبكا لدى شركة سيكينج ألفا "انفجار فقاعة أبل" التي ستدفع الأسهم للتراجع إلى ما دون حاجز 100 دولار، في حين يصنف أندي زكي لدى شركة بوليش كروس أبل بأنها صاحبة "أكثر الأسهم المقومة بأقل من قيمتها" من بين كل الشركات الكبيرة. وسيعتمد نجاح أبل في نهاية المطاف بشكل كبير على علامتها التجارية بقدر اعتمادها على منتجاتها ، ويبدو حاليا أن المستقبل يعتني بالشركة إذ أظهرت دراسة أجرتها شركة نيلسن عن المراهقين الأمريكيين خلال أعياد الميلاد بأن الأجهزة الالكترونية الثلاثة التي تأتي في صدارة قوائم رغبات الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من سن 6 إلى 12 عاما كلها من إنتاج أبل. أظهرت نتائج الدراسة أن 44% من الأطفال يريدون جهاز آي باد و30% منهم يريدون جهاز آي بود تاتش و27% يريدون جهاز آي فون.