اتجهت إلى مطعم في آخر الشارع، وجلست في إحدى الجلسات الصغيرة، ونظرت إلى صورة معلقة، كانت صورة وادٍ أعرفه مليء بالمياه، وحوله الأرض بأعشابها الجميلة، فقلت ما هذا؟ هذا الوادي منظره جميل عندما يمتليء بماء الأمطار أما الآن فهو مقفر تسلكه الكلاب الضالة والذئاب، ما هذا الكذب؟ جاء الطعام بعد عشر دقائق، ومن العبث أني مضغت قرن فلفل أخضر فاشتعل فمي، فشربت من الماء حتى هدأ ثوران الفلفل، ثم تناولت الغداء وحمدت الله وخرجت نحو المقبرة فصليت على الموتى ودعوت لهم بالمغفرة، ثم واصلت طريقي إلى الشاطئ الجميل فقلت: كم هو غريب ذلك البحر، وكم هو خطر، ما زلت أذكر ابتلاعه لمركب الصيادين الخمسة قبل أربعة أشهر، ولكن كم فيه من الخيرات، الأسماك، وأسماك التونة اللذيذة التي أفضّلها علِى الأصناف الأخرى كالسردين والكنعد والماكريل وغيرها. كنت غارقاً في أفكاري وإذا صوت امرأة تستغيث بالله ثم بمن في الشاطئ فانطلقت نحوها، فأشارت إلى رجل في البحر، وقالت: إنه مريض بالفصام، وسوف يغرق أو ينتحر، فاتصلت بالأمن فرد عليَّ: حاول أن تمنعه من الدخول في البحر وسوف نأتي، وأعطنا اسمك بسرعة، فقلت: أنا أحمد حسين أحمد، ثم انطلقت أسبح نحو الرجل ولكن لم أستطع استعادته للشاطئ ، والغريب أنه يسبح بمهارة. جاء اثنان من الأمن وجاءت إليهم السيدة وقلت لهم : لقد طلبت هذه السيدة مني إنقاذه، فقالت السيدة: أنا عمته وقد ذهب أخي وتركنا لعمل ثم يعود فدخل مهلهل إلى البحر، انقذوه أرجوكم. نادى الشرطيان عليه: يا مهلهل ارجع بسرعة. ولم يرجع، فناديا عليه مرة أخرى، يا مهلهل الأمواج خطرة والمد قادم فلم يرجع. قالت المرأة: إنه لا يُطيع سوى صديقه خالد!! فقالا: أين هو؟ فقالت: في قرية (.......) على بعد خمسين كيلومتراً. فاتصلا فوراً بالقرية ومن دورية القرية جاء خالد، فوقف أمام الجميع ونادى: يا مهلهل ارجع فرجع مهلهل طواعية. استغرب الجميع، كيف تمكن هذا المسمى خالد بكلمة واحدة أن يقنع مهلهلاً بالعودة، وسألنا خالداً عن السر في هذا فأجاب: نحن أصدقاء منذ الطفولة، ورابطة صداقة الطفولة عجيبة جداً كما شاهدتم.