في شارع مظلم في أحد أطراف الحي، يتعين على ساكنيه أن يتمتعوا بقدرات زرقاء اليمامة، وأن يبقوا أعينهم مفتوحة محدقين في الطرقات، كي لا تقع مركباتهم في الحفر العميقة التي يحفرها مقاولون مستهترون ويرحلوا دون أن يكملوا العمل بها، أو على أقل تقدير أن يقيموا حولها سياجاً ولوحات تحذيرية. وقد سجلت حالات ليست بالقليلة لحوادث سقوط مريعة لمركبات في حفر غائرة في الشوارع العامة بعضها تسبب في مقتل أناس، وبعضها ابتلع مركبات براكبيها، فيما تبدو الأضرار المادية لمن أنجاه الله من السقوط في تلك الحفر، واقتصر الضرر على المركبة هي من الأمور التي يحمد الله الناس عليها اليوم. وقد أفرزت الطفرة الأخيرة حراكاً مهولاً لآلات المقاولين الصغار والكبار حتى تحولت أغلب الشوارع إلى ميادين لتلك الآلات التي لا تبقي ولا تذر شارعاً إلا وفرت به حفرة، لكن المفارقة أن صغار المقاولين يجيدون الحفر في الشوارع سريعاً، لكنهم لا يملكون ذات السرعة في ردم ما حفروا، فبعضهم يترك الحفر لأيام وأسابيع دون سياج خرساني، ودون إضاءة أو أي لوحات تحذيرية، وهو الأمر الذي جعل تلك الحفريات مصيدة لعابري الطريق. ولا يبدو أن من أصيب أو أصيبت مركبته بسوء جراء السقوط في تلك الحفر يجد أي تفاعل أو تعويض أو حتى مواساة، حيث تتحول الأمور إلى أشبه بالقضايا الشخصية والخلافات التي تحدث بين شخصين، حيث يتعين على من تضرر جراء السقوط في تلك الحفر أن يتقدم بشكوى إلى الجهات الأمنية مطالباً بالتعويض عما أصابه من ضرر، ثم تصبح معاملة تدور بين الدوائر الحكومية، تتقاذفها تلك الجهات بشكل مستمر حتى يصاب المشتكي بملل كبير، ويشعر بأن خسارته من الوقت والجهد في السعي وراء التعويض المنشود يمثل خسارة لا تقل عن خسارته الأولى بوقوعه في الحفرة. ويبدو السؤال ملحاً عن غياب المحاسبة وتطبيق الأنظمة على أولئك المقاولين المستهترين بحياة الناس والذين هم في مجملهم بضعة عمال جلهم يعمل لحسابه الخاص، وغالبيتهم ليسوا مدربين على أعمال المقاولات حيث تنبئ هيأتهم أنهم مجرد عمالة عادية استعان بهم المقاول لإنجاز عمل لا يجيدونه، فلا يلبسون سترات عمال المقاولات، ولا يعتمرون خوذا على رؤوسهم مما يجعلهم كذلك عرضة لحوادث الدهس بحكم عملهم في الشوارع التي لا تخلوا من أمواج المركبات التي لا يهدأ غدوها ورواحها.