انطلقت أمس الأحد بمجلس قضاء العاصمة الجزائر محاكمة أكبر وأهم محاكمة تتصل بقضايا فساد مالي وإداري تطال أكبر شركة بترولية جزائرية حكومية (سوناطراك) المتورطون فيها وزير سابق للنفط ومسؤولون كبار في الشركة وأبناؤهم وأبناء وزراء سابقين ورجالات نافذين في الدولة. وتعرف القضية لدى الرأي العام الجزائري ب"قضية سوناطراك 1" ويتورط فيها 19 مسؤولا كبيرا في الشركة بعضهم موقوف وعددهم (7) وبعضهم الآخر ملاحَق بموجب مذكرات توقيف دولية وعددهم (12) شخصا، فضلا عن تورط مسؤولين في (4) شركات نفطية أجنبية على رأسها شركات فرنسية وألمانية وإيطالية استفادت من صفقات مشبوهة. ويوجّه القضاء الجزائري لهؤلاء تهمة "قيادة جمعية أشرار وجنح وإبرام صفقات مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري العمل بها بغرض إعطاء امتيازات غير مبررة للغير والرشوة في مجال الصفقات العمومية" و"تبييض وتبديد أموال عمومية وزيادة في الأسعار خلال إبرام صفقات مع مؤسسة ذات طابع صناعي وتجاري". ويبرز اسم وزير الطاقة والمناجم السابق شكيب خليل كواحد من أبرز المسؤولين المتورطين في فضائح الشركة المالية لكن وجوده خارج الجزائر - وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية تحديدا - وعلامات الاستفهام الكبيرة التي أعقبت إلغاء مذكرة التوقيف الدولية التي أصدرها القضاء الجزائري بحقه أول مرة، تجعل تورطه من عدمه في القضية محل غموض كبير حيث عاد اسمه للظهور بعد فتح النيابة العامة لقضاء نابولي بإيطاليا تحقيقا بشأن رشى قدرت قيمتها ب(198 مليون دولار) حولتها شركة "إيني" الإيطالية عن طريق فرعها في الجزائر "سايبام" إلى حساب شكيب خليل ومسؤولين مقربين منه من أجل الظفر بعقود تجارية بترولية ضخمة تفوق قيمتها المالية 8 مليارات دولار. وكانت الفضائح التي انفجرت عن الشركة البترولية العملاقة العام 2009 فيما بات يعرف بقضيتي "سوناطراك 1" و"سوناطراك 2" وراء قرار الرئيس بوتفليقة في 2013 إسناد مهمة التحقيق في قضايا الفساد التي اهتزت لها البلاد إلى فريق مختص في الاستخبارات العسكرية الجزائرية ضمن ما صار يعرف ب "حملة الايادي البيضاء" وحديث مصادر قريبة من القصر الرئاسي في تسريبات للصحافة عن استحداث الرئيس الجزائري خلية على مستوى رئاسة الجمهورية تضم كبار المحققين المتقاعدين وخبراء قانون أوكل لها مهمة متابعة ملفات الفساد بالأخص ما اتصل بقضية "سوناطراك 2" ورفع التقارير المفصلة عنها إلى مكتبه. ولعل المفارقة أن الرئيس بوتفليقة الذي أوكل لفريق من كبار المحققين التحقيق في فضائح الشركة البترولية العملاقة، يبرز فيها اسم شقيقه الأصغر "سعيد بوتفليقة" ضمن الشخصيات النافذة أعلى هرم السلطة ممن قد تكون لها علاقة بالرشاوى والعمولات التي وزعها وزير الطاقة السابق شكيب خليل على أصدقائه، حيث كشفت تسريبات لصحيفة "الوطن" كبرى الصحف الجزائرية الصادرة باللغة الفرنسية في أبريل 2013، أن القضاء الجزائري لم يستدع شكيب خليل للاستماع إلى أقواله خشية من ظهور اسم شقيق الرئيس في قائمة المتورطين بعدد من الصفقات التي حظيت بدعم من أعلى هرم السلطة، على رأسها الصفقات التي ذات الصلة بمجموعتي (ألستون) الفرنسية للنقل و(جنرال إليكتريك) الأمريكية المتخصصة في الطاقة.