سألني أحد الأصدقاء أن أكتب نصيحة مختصرة للمصورين؛ فوجدت نفسي أمام كم هائل من عالم الأفكار والمعلومات والنصائح الفنية والتقنية والتقليدية. وكان محك جعلني أغربل إحساسي تجاه كل ما عرفته وأعرفه وأتعرّف إليه.. فماذا أقول عن بحر التصوير الفوتوغرافي بنصيحة واحدة؟ الصورة الفوتوغرافية هي قطعة فنية؛ قصيدة شعرية؛ معزوفة موسيقية؛ تعلو وتهبط قيمتها الفنية بقدر تأثيرها في الوجدان، وتحريكها للأذهان، وبقائها في الذاكرة!. هذا المثلث الذي لا يخرج عنه أي عمل إبداعي مؤثر. والمصور الساعي للتميز يضع أول أهدافه "التأثير في وجدان المتلقي" فيسخّر فكره وذائقته وإحساسه في البحث عن المشاهد الإنسانية في الحياة التي تصور علاقة الإنسان بالإنسان والحيوان والأشياء من حوله وتأثيره عليها وتأثره بها. وبقدر التركيز على اللحظات العاطفية في الصورة تكون بصمتها في قلب المشاهد. تخيل معي صورة من مرتفع تطل على مدينة من المدن مهما كان تكوينها جميلاً وإضاءتها رائعة فهي لن تمس الفؤاد كما لو كان في المرتفع مسن يقف بعكازه ينظر للأسفل، أو طفل يجلس وحيداً أو امرأة حامل بيدها حقيبة سفر "مثلا"! مثال آخر لصورة أرض جرداء تشققت عروقها وأمامها جبال مع شروق أو غروب "وهذه الصورة نراها كثيراً لمصوري اللاندسكيب" ستكون أجمل لو رأينا فيها "مثلاً" عروساً بفستان الزفاف أو رضيعاً يحبو أو رجلاً يصلي أو قطعة أثاث أو ملابس ملقاة على الأرض.. إلخ! وجود العنصر البشري أو أجزاء منه كظهور اليدين أو القدمين أو ما يدل على البشر في الصورة يدب فيها الروح ويخلق عشرات القصص والتكهنات ولن ينساها المشاهد. كذلك من المؤثرات وجود متناقضات الحياة في الصورة سواء المشاعر المتضادة، الأحجام المتباينة، الخامات المختلفة، العناصر المتعاكسة لقول الشاعر "والضد يظهر حسنه الضد" وهنا تظهر براعة المصور وذوقه وخبرته وسرعة بديهته في اكتشاف وملاحقة تلك الصور من الحياة أينما كانت أو صناعتها باحترافية. مع ابتكار التكوين المتناسق، واختيار التوقيت الصعب، والتعامل مع مؤثرات الضوء وإثارته، واكتشاف دهشة الزوايا. كلها مهارات فنية لابد من إتقانها لإخراج عمل خالد ومميز. ولكن تلك المهارات الفنية والتقنية وحدها لا تخلق إلا تأثيراً لحظياً. وإنما إثارة الفكر والعاطفة والحواس هي المحرك الأساسي الذي يحدث التأثير طويل الأمد. المتلقي هو إنسان أولاً إن لم تهزّ عاطفته، وتخاطب عقله، وتحرك إنسانيته، وتثير حواسه، لن ينجح عملك في الوصول إليه. الصورة المؤثرة ليست ألواناً متناسقة وتكويناً جميلاً ومعالجة راقية؛ بل هي قطعة من الحياة إن لم تكن مؤثرة فهي صورة ميتة! ونشاهد الكثير من تلك النماذج لمبتدئين و"محترفين" أيضاً تملأ حسابات التصوير يقال إنها عادية وفي الحقيقة هي ميتة! فما معنى صورة لبحر هادئ وسماء صافية فقط مع شروق أو غروب؟ ما معنى أن تقلد صورة التقطها قبلك عشرات بل مئات المصورين؟ ما معنى صورة وردة بزاوية اعتيادية أو طائر يقف ثابتاً أو صورة قمر في سماء صافية بدون أي عناصر أخرى؟ حتى وإن كانت صورة صحيحة فنياً هذا لا يعني أنها مؤثرة وستبقى في الذاكرة!. التأثير في وجدان المتلقي لا يأتي صدفة -إلا ما ندر من اقتناصات- ولكن يأتي من تأمل الحياة في تفاصيلها الصغيرة والنظر للأمور الروتينية حولنا على أنها تحمل شيئاً مختلفاً كل يوم. تأمل أبيات الشعر والأمثال الشعبية واصنع منها صورة؛ انظر للحياة بعين الطفل الفضولي وبعين الطائر وبعين النملة؛ وكأنك ترى الأشياء لأول مرة لاحظ اللمسات العاطفية في علاقات الأمومة والصداقة عند الإنسان والحيوان، ابحث عن مواطن الأكشن وانفعالات الناس، ابتعد عن الصور العامة بمنظورها التقليدي الواسع، جرب ما لم تجربه!. كل تلك الأفكار لم أستطع كتابتها في نصيحة مختصرة لصديقي المصور فما كان مني إلا أن كتبت له: كن موجوداً حيث لا يوجد أحد، والتقط من الزوايا التي لا تجد فيها أحداً، واحفر أعمالك داخل عقول وقلوب الناس. المصورون كُثُر، والمنافسة على أشدها؛ فابحث عما يجعل عملك مثيراً بالقدر الذي يجعل المتلقي يبتسم أو يحزن أو يضحك ويهز رأسه ولا يجد ما يقوله!