عيناي دائماً تنظران إلى الأعلى بلهف ويستعر حنيني لغاليةٍ تقبع في الذاكرة والتي كانت دائماً تؤويني تقربني من أحبابي وتقصيني. كلما سمعت صوتاً في الفضاء وأنا على الأرض لا أتصور نفسي إلا وأنا أحلق في الفضاء قد أشرق في قلبي صوت همس يذكرني بما كان وصوت يتردد في أذني طالما أشجاني وآنس وحدتي وسلاني رغم الغياب. آهٍ على حالي فليل المعاناة طويل والفراغ يقتلني والذكرى تؤرقني على ماكان من أمسي ريحانة قلبي أفارقها وأصبح بيني وبينها حجب أهفو لمقود طائرتي كما يهفو الظمآن للماء وقد سلك صحراء جرداء وقد أوقفه التعب والعطش وكما يهفو البحار لشاطئ الأمان عندما تتيه سفينته والموج يلطمه أو كما يهفو فارس للسيف لينازل العدو ولا سيف في يده فذلك كحالي لأني فقدت بيتي الثاني (طائرتي) فأنا قابع في منزلي تحرقني نيران ذكرياتي ومشاعري لها الحطب.. سألت نفسي لمَ كل هذا الحب؟! لا أجد جواباً شافياً ولكن شيئاً في داخلي يتحرك ويلهب أحاسيسي فلربما أنني أحب المغامرة والإثارة والتغيير وركوب الصعاب فأنا مثل الطيور المهاجرة أحب الترحال والمغامرة والبحث عن كل ما هو جديد وجميل وهناك السحاب يحتضنني وأشعر بالدفء الذي فقدته على الأرض من زوجة تكابر أو ولد فاجر أو أخ شقيق غير رفيق أو صديق غير صدوق. أحس بالدفء عندما أكون في الفضاء أسمع صوت الرعد وكأن السحاب والبرق والرعد والمطر والشمس والقمر أهلي وأحب طائرتي فلعلي أحب الجرأة واكتشاف العالم ورؤية كل جديد وربما أنني أحببت حياة الصقور الشامخة التي تظل محلقة لا تلامس الأرض إلا لوهلة من الزمن رغم الألم والمتاعب والأخطار. أحب الطيران كما أحب ليلى قيس (المجنون)، لا ريب في ذلك أو ظنون، فأنا في حب طائرتي مفتون، ولهفتي وتقاعدي وابتعادي أحيا في نفسي ذلك الحب المدفون. إنني أشعر بالسمو بعظمة الخالق بالعزة بعظمة العقل البشري وعظمة العلم فيزداد قلبي يقيناً وإيماناً بالله الخالق العظيم مدبر الكون وربه وواهب العقل. كما أحس أنني في عالم آخر بعيداً عن مشاغل ومشاكل الحياة وكما أحس أحياناً بالوحشة لأنني لا أعلم ما يخبئ لي القدر وهل ستطأ قدمي الأرض ثانية. فإذا ما تركني الخلان على الأرض أقلعت بالطائرة فهناك السحاب يحتضنني في الفضاء وأشعر بالدفء عندما أحس بصوت الرعد وتساقط المطر هي لحظات تمخضت عن حكايات في أحضان السحب والفضاء الرحب العظيم وأحاسيس لطيفة وكأنني في عالم آخر يقدر وجودي ويسليني ويؤنس حدتي إذا ماظلمني أقرب قريب وتخلى عني أصدق صديق. ولأني مهما علوت أحس بإحساس داخلي صادق يدمي قلبي حنيناً لأمي الأرض ولوطني الحبيب. ولسوف أبعث صوتي وندائي لكل الورى لأخبرهم بعد التقاعد ماجرى فدمع عيني قد جرى على الثرى وبعد عن عيني الكرى على فراق طائرتي فلم أعد أحس بتلك الأحاسيس لاهثاً خلف السراب أفكر هل أعود ثانيةً؟!