عندما كتب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قصيدته الرائعة التي منها:- ضحكت فقالوا ألا تحتشم بكيت فقالوا ألا تبتسم بسمت فقالوا يرائي بها عبست فقالوا بدا ما كتم صمت فقالوا كليل اللسان نطقت فقالوا كثير الكلم حلمت فقالوا صنيع الجبان ولو كان مقتدراً لانتقم بسلت فقالوا لطيشٍ به وما كان مجترئاً لو حكم يقولون شذ إذا قلت لا وإمعة حين وافقتهم فأيقنت أني مهما أرد رضى الناس لابد من أن أذم والتي تصف حال الناس لأي فعل محسوس أو غير محسوس وعدم قناعتهم بما يسمعونه ويشاهدونه في غيرهم وانتقادهم فقط لمجرد الانتقاد وكأن الأنفس جبلت على التفسير السلبي لأي أمر دون أن يأخذوا في الحسبان الرسالة التي قدمت لهم أو للمجتمع ومعرفة دوافعها قبل الحكم عليها وعلى صاحبها، وهي رسالة خلاصتها في نهايتها كما يراها الإمام ويصدقها الواقع ان رضى الناس غاية لا تدرك ومهما ابتغى الإنسان رضى الآخرين فلا تكفيه القناعة انه لن يصل الى درجة الرضا ولكن أشد ما يخشاه هو الذم بالرغم من الإخلاص والصدق ولأن فيما ذكر وجه حسن في الضحك والبكاء والابتسامة والصمت والكلام والحلم كذلك الوجه الإيجابي في القبول والرفض ولكن لن نراه إلا بشرط ان نكون ايجابيين في النظرة والحكم. واذا عدنا الى تاريخ الامام الشافعي وهو أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ هو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، ومؤسس علم أصول الفقه، وهو أيضاً إمام في علم التفسير وعلم الحديث، وقد عمل قاضياً فعُرف بالعدل والذكاء والذي ولد عام 767 م وتوفي عام 820 م وهذا نقله في قصيدته عن مجتمعه تجاهه فكيف بحالنا في هذا الزمان الذي لا يكتفى فيه بالقول بل انه يشكك في الإخلاص لان الاحكام هنا تعتمد على الأهواء وليس على الحقائق ويتجاوز الأمر الى إلصاق التهم ونشر الإشاعات وتأليفها بإحكام وبسهولة في ظل هذا العالم المتفنن بوسائل التواصل الاجتماعي الذي اصبح ينقل الإشاعة وكان وثيقة صحتها عند مرسلها والكذب افة الالسن، ويكتفي الناقد بقول ناقل الكفر ليس بكافر مستبيح الاعراض بما ينقل بلسانه وقلمه وعبر جهازه وهي حالة من الانفلات الاخلاقي والسلوكي بداء ينهش في جسد المجتمع بشكل عام واصبح ابسط الناس يمتلك الحق في تقييم افضلهم واقلهم علماً يخطّئ اعلمهم وحديث التخرج يقيم القياديين، وهنا ضاعت القيم في الاوساط العامة حتى وان بقي اهلها واصبحنا ندور حول انفسنا ونتراجع ولا نتقدم وهذا هو الواقع المشاهد الذي لا يتواكب مع الجهود المبذولة المادية والمعنوية بشكل عام. ولو اخذنا الأمر بمنظور اخر وركزنا على ختام رائعة الشافعي رحمه الله وكيف لنا ان نصل الى رضى الناس دون ان يذم الصادق والمخلص والوطني فلا بد اولاً ان نراعي الله فيما نقول ونفعل ونؤمن ان الله مطلع على كل صغيرة وكبيرة نقوم بها او نقدم عليها او حتى نفكر فيها، ثم ان نؤمن ايماناً كاملاً ان ما نحبه لأنفسنا يجب ان نحبه للآخرين والا فلن يتحقق الايمان الذي كسبنا صفته من شرعنا المطهر، وان لا نتعامل بالحرام ولا بالمشتبهات ولا نقدم المنافع الشخصية على منافع العامة لكي نحقق السلامة لديننا ولمالنا ولأنفسنا وللآخرين وهذا يدفعنا الى العمل على تحقيق الامانة في كل تفاصيل حياتنا ولكامل الحقوق والواجبات، كما يجب ان يقع الصدق مع النفس بدقة وجعلها خط المحاسبة الاولى سواء كنا مسؤولين او مستنفعين، ولا يجب ان نشخص الداء تشخيص من لا يبحث عن الدواء، ومن خلال ذلك كله سنصل الى الرضاء وسيعذرنا من يقدر الصدق والاخلاص اذا وقع خطأ غير مقصود او اجتهاد لم يوفق المخلص والصادق فيه لإحسان الظن به. ختاماً، ان من ينظر في عمله الى الناس فلن يحقق رضاهم ولا رضى الله ولكن من ينظر في عمله الى الله فسيحقق رضى الله ورضى الناس كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس)، ولذلك فان الحكم الفصل هنا هو الصدق في تلمس رضى الله عز وجل في كل اعمالنا واقوالنا حتى نحقق من وراء ذلك الاجر على ما نقوم به والثواب الجزيل من خالقنا سبحانه وتعالى ثم سنحقق رضى الناس ولا يقع بعده علينا الذم لان الموكل برضى الناس في هذه الحالة هو الله سبحانه وتعالى الذي وعد من يلتمس رضاه اولاً فان الله سيرضي عليه الناس.