لم يكن منتدى جازان الاقتصادي الذي عقد في الفترة 24-26 فبراير مجرد حديث عابر وينتهي، بل كان يضع حجر الأساس للكثير من المشاريع الحيوية التي ستشهدها جازان في السنوات القادمة. ولعل أهمها انشاء مدينة جازان الاقتصادية على مساحة تقدر بنحو 106 كم2 حيث ستحتضن مصفاة جازان لتكرير النفط التي ستكون جاهزة للعمل خلال عامين من الآن. والمدينة الاقتصادية ليست مجرد صحراء قاحلة كما يتصور البعض لكنها الآن تحتضن مصنع صلب للحديد يصدر منتجاته الآن الى كل مدن المملكة. ويقف خلف فكرته وبنائه وانتاجه شباب ومستثمرون سعوديون عانوا كثيراً في اقناع كثير من المستثمرين قبل نحو عشر سنوات للاستثمار في هذا المصنع. فقد كانت معظم الردود لهم في حينه "أنتم تحلمون"، فلمن ستبيعون وكيف ستنقلون منتجاتكم الى المملكة وانحاء العالم بدون ميناء جيد أو تواصل مع مدن الصناعة والبناء في الغربية والشرقية والوسطى؟ وكيف ستنافسون مع سابك ومصانع الحديد الأخرى الموجودة في تلك المناطق؟ وكيف ستنافسون الصينيين والكرواتيين والبرازيليين وغيرهم من منتجي العالم؟ لم يلتفتوا الى كل تلك الاحباطات وانطلقوا بمشروعهم بقوة وبمساندة مشكورة من صندوق التنمة الصناعية (كما قالوا لنا أثناء زيارتهم) حيث زرته يوم الأربعاء الماضي لأجد مجوعة كبيرة من الشاحنات وهي تحمل أسياخ الحديد بمقاسات محتلفة متجهة الى مشروع الحرمين الشريفين، وشاحنات أخرى لموزعين في جميع أنحاء المملكة. لقد ذهلت لهذا الإنجاز الذي يعتبر نواة لمدينة اقتصادية واعدة، فالنموذج والقدوة موجود في مصنع صلب للحديد بقيادة ادارية سعودية كاملة وبنسبة سعودة عالية تتجاوز 35%. والزائر للمدينة الاقتصادية لا يمكنه أن يخطئ مشاهدة مصنع كريستال لانتاج التيتانوم حيث بدأ الانتاج منذ أشهر قليلة، وفي نفس الوقت يلحظ العمل على قدم وساق لانشاء ميناء جازان الذي سيكون من أكبر الموانئ في المملكة بطول 3 كيلو مترات. وان مللت من الصناعة وروائح الحديد والنار فماعليك الا اختيار منطقة استرخاء سياحية بحرية كانت أم جبلية. فقد قدم أمير السياحة في أول أيام المنتدى نبذة عن مواقع السياحة الواعدة في جازان وضواحيها من رحلات بحرية أو رحلات استشفاء بالمياه المعدنية أو صعود جبال فيفا الشاهقة في رحلة نحو السماء. وفي اعتقادي أن جازان اذا استغلت سياحيا فإنها ستكون وجهة مهمة للسياحة الشتوية والربيعية على أن تهتم هيئة السياحة بتسويق الرياضات البحرية والجبلية في برنامج موحد لزائري المنطقة. علاوة على ذلك، فمنطقة جازان مازالت بكراً، ولديها مقومات كبيرة لتكون ميناء تجاريا وصناعيا هاما، ومزاراً سياحياً جذابا اذا وجدت الدعم الكافي والمستقل لنهضتها. فجازان تمثل ضعف مساحة منهاتن في نيويورك، وتحتضن 5% من سكان المملكة، وتمثل القوة العاملة فيها نحو 6.5% من قوة عمل المملكة. وهي قوة عمل شهدت لهم أرامكو ومؤسسو مصنع صلب بمستوى التعليم المرتفع والقدرة على تعلم المهارات والانخراط في سوق العمل بمرونة عالية، وهي صفات تفتقرها سوق العمل السعودية بشكل عام. ومدينة جيزان تشهد تخطيطاً حضرياً ممتازاً في سعة الشوارع وكفاءتها وامتدادها الأخطبوطي لربط مدن جازان الأخرى مع بعضها البعض بقيادة أميرها الحيوي جداً سمو الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز حيث تجده دائما في عمق الحدث. فقد حضر كل أيام المنتدى من بداياته وحتى نهاياته. واستمع جيداً للأوراق التي طرحت أثناء المنتدى، ووعد في كلمته الختامية أنه سيأخذ بتوصيات المنتدى الهامة، وأن هناك توجيهات من حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله بمواصلة المسيرة مع دعم لا محدود لجازان. وأرى أن تعامل جازان بشكل استثنائي حتى تحقق أهداف النمو الفعلي لمدن الأطراف، وفي نفس الوقت تحقق أول نجاح لفكرة المدن الاقتصادية. لذا اقترح أن يمنح الاستثمار في جازان مزايا ضريبة صفرية للشركات الأجنبية لعشر سنوات على الأقل، وصفرية خدمات الرسوم لقروض صندوق التنمية الصناعية، مع انشاء مدارس تعليمية ومراكز تدريب نموذجية مدعومة بنسب أعلى مما هو حاصل الآن لمعظم المناطق النائية، وأن ينشأ صندوق تمويل واستثمار خاص فقط بجازان تشارك فيه الحكومة بالنسبة العظمى مع انشاء بنك ادخاري مستقل لجازان للاقراض على أسس تجارية لأبناء ومستثمري جازان. ويمكن تحقيق كل ذلك اذا تضافرت الجهود لقيادات المنطقة في العمل كفريق واحد وبخطة استراتيجية واضحة. لذا أرى ضرورة انشاء هيئة عليا لمنطقة جازان بمجلس ادارة يغلب عليه سمات تنفيذية بفريق من القطاع الخاص برئاسة أمير المنطقة وبعضوية أرامكو وثلاثة من القطاع الخاص وآخرين من الحكومة المعنيين بالاستثمار والصناعة والتمويل لتكتمل المنظومة في تحقيق تنمية شاملة لهذه الرقعة المهمة في وطننا المعطاء.