غيداء درويش عروبية الهوى... منبتها حلب... سكناها عمان، عمرها من عمر مدينتها حلب الموغلة في القدم... هذه المدينة هي مسقط رأسها ومستودع أحلامها... نشأت في عائلة أحبت الدنيا تحت مظلة الدين... وتناولت العلم والثقافة مع رغيف الخبز فكان غذاؤها صحياً ردف الجسم والعقل والروح، عاشت في عمان وعاشت عمان فيها تبادلا العطاء والمحبة، فعمان أوقدت فيها شرارة التحدي التي تخلق الإبداع لمن بمتلك الموهبة. غيداء درويش لم ترض ان تسطر حياتها على ماء أصدرت كتابها الأول لوحات بلا معارك عام 1997، ومرايا الكلام عام 2000، و«الضفيرة» عام 2004، خاضت غمار الحياة في منتصف شارعها متحاشية تدافع المركبات المحملة بكل أنواع الملوثات... ووصلت الرصيف الأخير نقية كما دخلته منتصرة بعناد على نفس إمارة بالسوء. ودرويش عضو رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو في الهيئة الادارية للمنتدى العربي، وعضو المؤتمر القومي العربي، وسبق لها ان شاركت في العديد من الندوات والمؤتمرات في العديد من العواصم العربية ومعها كان هذا الحوار: حشرجات الدمع قالت الأديبة غيداء درويش في بداية الحوار معها عن جديد رمضان : جديده بالنسبة لي هو قديمه.. ففي كل رمضان تحتفل دمعتي معي بقدومه، وأحياناً تسبقني الى طبق الحساء ... فهذه الدمعة تترجم قهراً وحزناً انسانياً على أهلي الذين يشربون الحسرة على عزيز فقدوه، أو بيت يعيشون تحت أنقاضه في رمضان، أو شجرة معطاءة أقتلعها المغتصبون من جذرها فمأساة أهلي تحجب عن عيني جمالية اللّمة العائلية التي فرضها رمضان، والوجبة الأولى في رمضان دائماً هي مؤجلة عندي ريثما تنزاح عن حلقي حشرجات الدمع. الغلو في النهم والاسراف وقالت عن رمضان مقارنة مع باقي الأشهر : أجد هنا أن رمضان هو استراحة المحارب ، يختلف عن باقي الأشهر بنظامه الدقيق واحترامه للوقت، وبروحانيته التي تسمو بالانسان وترتقي به حيث الوجه الآخر الجميل للحياة بعيداً عن زخرف الدنيا بما ومن فيها... تتوطد أواصر اللقاء بين الانسان وخالقه حين يبوح إليه، يشكو له، يتوسل غفرانه، يرجو رحمته، رمضان يغسلنا روحياً وجسدياً... نتطهر من ذنوبنا وأدراننا، كذلك نريح أجسادنا من ثقل ما يُرمى بها على مدار الأشهر الأخرى ذلك أنني أعيشه كما هو لا كما يعيشه البعض كمناسبة للغلو في النهم والاسراف. رأب صدع المجتمع وتحدثت عن خصوصية رمضان : لرمضان خصوصية فهو يذكرنا بنعم الله علينا، وكنا قد نسيناها في الزحمة أو تجاهلناها كذلك يذكرنا بمن جنت الحياة عليهم فذاقوا مرارتها وحرمانها، فتأتي زكاة المسلم لرأب صدع المجتمع في التضامن والتكافل بين المسلمين، أحب هذا الشهر الفضيل وأعيشه لأنه يعيدني الى ذاتي. أغوص في الكتب الدينية وأكدت درويش ان قراءاتها تختلف في رمضان وأضافت : أنا انتهز فرصة الشهر الكريم لأغوص في الكتب الدينية وتفاسير القرآن ونظرة الاسلام الى المرأة... وأقوم بجمع بعض الآيات القرآنية التي تحض على القيم والأخلاق وأحفظها لأرددها في صلاتي، وأكدت ان كتاب «النبي» لجبران من الكتب التي ارتبطت بطفولتها بقوة. الغوص في عمق الأشياء وذكرت ان روحانية رمضان تمنحها السكينة، والهدوء، وراحة النفس بعد عتابها ومحاسبتها، والتأمل المقرون بالايمان الكبير بالخالق وقدراته.. كذلك يمنحنها الوقت للغوص في عمق الأشياء، يكفيه فضلاً رمضان أن الأمة تتوحد فيه وتلتم عليه؟ الجيران تجسر الألفة وحول رمضان أيام زمان وذكريات الآباء والأجداد قالت : ما جلست على مائدة افطار الاّ وارتسمت أمام عيني صورة الماضي... بسملة أمي رحمها الله ودعواتها المستفيضة الى الله والتي لا تنتهي وترجونا ان نبدأ في الأكل قبلها أبي حين ينتهي بسرعة من طعامه ليهرع الى سيجارته التي اشتاقها... جدتي وترأسها للمائدة الكبيرة... أخوتي يبلعون الطعام بلعاً ليلحقوا بالدرس... لا أذكر أن مائدتنا اقتصرت على العائلة الصغيرة فقط بل كانت تلّم أقرباء وأصدقاء وجيران... كان هناك تواصل وحميمية.. كانت هناك أطباق نتبادلها والجيران تجسر الالفة والمودة بين الناس. حنين دافق الى الامس وعن ثنائية رمضان والسفر قالت : سبق لي ان سافرت عند الأهل فقط في مسقط رأسي «حلب» حيث الجذور، حيث المحبة، حيث كان البيت عامراً بوالدي ووالدتي... رمضان في حلب له في نفسي نكهة خاصة لا تجاريها أفراح الدنيا... أما وقد أنغلق البيت على غياب أصحابه فلم يبق لدىّ الاّ وجع الذكرى، وحنين دافق إلى الأمس وكثير من الشجن. مطابخ الشعوب وحول رمضان والمطبخ قالت : المطبخ مدرسة تدرس فيها حضارة الشعوب، فالطبخ فن قائم بذاته يتحكم فيه الإرث الحضاري ويتوجه الابتكار النوعي، واختلاط الشعوب وانفتاحها على بعضها، منها الذاتي العريق الذي يصر البعض على حمايته من الاندثار وحضوره الآسر على المائدة كالمأكولات الشعبية القديمة الجديدة مع الدخول في تجارب مطابخ الشعوب الأخرى كنوع من التغيير وفي أغلب الأحيان تعود لمذاقنا وما تعودنا عليه، فالمطبخ العربي يستثير حواسك ويدعوها كلها إلى المائدة . فاللون والذوق والتذوق والنكهة والرائحة كلها تجلس معك وتشجعك على التمتع بأطايب الطعام. الشهية تتفتح على مصراعيها وأضافت : المطبخ العربي عريق بتنوعه وأصنافه عتيق بنكهاته وبهاراته، ملون بسلطاته، دفاق بعصائره... فالعين تأكل في المطبخ العربي والأصابع تتمرد على افرازات المدينة لتكون هي الأداة الأصيلة والأصلية، والرائحة تغزو الانوف فتنفتح الشهية على مصراعيها، واللسان متميز بتذوقه. غربة شديدة وقالت في مقارنة بين رمضان حلب ورمضان عمان : تكاد تتشابه بلاد الشام في عاداتها في رمضان والفوارق لا تتعدى الشكليات، فمدفع الافطار مثلاً ما زال في حلب، العلامة الفارقة للافطار، وللمسحر في حلب حضور ينافس وسائل الايقاظ الحديثة من النوم، ويتشابه البلدان في وفود المصليين الذين يؤمون الجوامع، نساء ورجالاً لأداء صلاة العشاء والترويح، ومتى انتهوا من أداء فروضهم الدينية تبدأ فروضهم الدنيوية، في التراحم والتواصل بين الأقرباء والأصدقاء يباركون بعضهم بهذا الشهر الفضيل، بالنسبة لي رمضان يثير لدي الشوق والحزن معاً، الشوق لصوت أمي وهي تصلى التراويح وقيام الليل، فلا أذكر أن أمي تنام في رمضان فقائمة طلباتها من الله عز وجل طويلة، وهي تترجمها لنا بأن الله يحب عبده اللحوح، أما الحزن فهو الذي فرضته الغربة، فما من مرة اجتمعت بالأهل والأولاد معاً، فالغربة فرضت عليّ القسمة القصرية، أما ان أكون مع الابناء أو مع الاهل، وبهذا أنشطر فرحي بهذا الشهر الى غصة حرمتني فيه الغربة أحد الطرفين الحبيبين الى نفسي.