يكاد بيت حمزة لا يفرغ يوماً واحداً من مدعوين لتناول الإفطار، فهو مشهور بكونه صاحب «نَفَس طيب» في الطهو، ويقيم طاولة فيها مختلف الأكلات التركية والشرقية، ما جعله ملاذاً لكثيرين من الأصحاب والشباب. حمزة الشاب التركي الذي يتابع دراساته العليا في الجامعة اليونانية، أقام شبكة علاقات مع شباب عرب ويونانيين من أصل تركي ويونانيين، وهؤلاء يتناوبون على زيارته وتناول الإفطار لديه في شهر رمضان. ويشكل الشهر الكريم أحد أكثر مظاهر تجمّع الجاليات العربية والمسلمة في الغرب، فهو يجمع الأسر ويقربها بعضها من بعض، في مظاهر احتفالية أسرية تمتد طوال فترة الصيام. وتتنافس الأسر، خصوصاً الميسورة منها في دعوة الضيوف من الجيران والزملاء والمعارف إلى الإفطار، فيما تتنافس ربات البيوت في إعداد أكبر عدد ممكن من الأطباق والحلويات والمشروبات. ولكن وبعيداً من هذا الجو الاحتفالي، يبدو مشهد إفطارات الشباب العزاب في رمضان أكثر تواضعاً وربما أكثر حرية وصحة. فالإفطارات الأسرية لها تقاليد وطقوس صارمة، إذ لا بد من تناول كمية معتبرة من الطعام مراعاة لصاحب الدعوة وتطييباً لخاطر ربة البيت التي تكون أمضت يوم صيامها في إعداد الطعام، وتأكيداً للإعجاب بمهارتها، ثم لا بد من متابعة الجلسة حتى السهرة التي تضيّع غالباً صلاة التراويح. أما الشباب العزاب فهم وإن كان كثيرون منهم يحترف الطبخ، لا يولون هذه الواجبات اهتماماً كبيراً، فهم يتناوبون أو يتعاونون على إعداد وجبة الإفطار إن كانوا يتشاركون السكن، كما يتبادلون الدعوات للإفطار، لكنها تبقى دعوات أقل تكلفة وتنوعاً، ولا تصيب المرء بالتخمة والإرهاق. أما أفضل ما فيها فإن لا حرج في الانصراف في أي وقت أو أكل كمية أقل من الطعام. ويتعاون الشبّان خلال ساعات النهار الأخيرة في إعداد الطعام وشراء المواد المطلوبة لإعداده، وهو ما يستغرق وقتاً غير قليل بالطبع، ولكنه لا يقارن بتقاليد الإفطار لدى الأسر. ويعتبر الشاب العارف بشؤون الطهو وأسراره ميزة المجموعة التي يسكن معها اذ يعامل كعملة نادرة وضرورية في هذا الوقت. وعادة ما يطلب من «طباخ» الشلة أن يحضر هو الطعام ويشرف عليه، على أن يترك لغير العارفين بالطهو مهمة غسل الأطباق وإعادة ترتيب المكان. الشباب، كما ربات البيوت، نقلوا أجواء رمضان الشرقية إلى اليونان، حيث لا تعرف البيوت العربية خلال الشهر الكريم إلا أكلات البلدان الاصلية للمهاجرين. ويستغل الشبان، شأن معظم سكان اليونان، أسواق الخضار والفواكه الشعبية التي تقام في كل منطقة يوماً في الأسبوع، وتوفر الفواكه والخضار الطازجة بسعر مقبول. ويثير رمضان عاماً بعد عام فضول اليونانيين القريبين من العرب، خصوصاً بين الشباب من زملاء عمل أو دراسة، فيبادر هؤلاء بدعوتهم الى الإفطار لكي يعيشوا رمضان بمأكولاته ومشروباته وأجوائه، وتكون فرصة للسؤال عن الصيام وساعاته الطويلة، خصوصاً أنه في هذا العام يتوافق وشهر آب (أغسطس) الأكثر حراً. وهناك خيارات أخرى للشبان العزاب خلال رمضان، مثل الإفطار في بعض المطاعم العربية التي تقدم وجبات رمضانية مستوحاة من المطبخ الشرقي، ولكنه يبقى غير ممكن اعتماده في شكل يومي، نظراً للتكلفة المادية وصعوبة التجمع. أما الخيار الذي حظي بشعبية عالية في السنوات الأخيرة فهو الإفطار في أحد المساجد حيث تقدم وجبات إفطار للشباب والعمال الذين لا يجدون الوقت لإعداد طعامهم. ويغطي بعض المحسنين والمتبرعين التكلفة كما يساهم الصائمون أنفسهم في توفير بعضها أيضاً فيما دأبت بعض سفارات الدول المسلمة على التكفل بتكاليف الإفطارات على مدار الشهر. وعلى رغم التعب والعطش والانشغال بالإفطار، يبقى رمضان في الغربة من أجمل ذكريات الشباب وأعذبها، اذ يساهم الجو الروحاني والتجمعات الكبيرة في تخفيف العناء وتذليل المصاعب، وهو ما يكرسونه في صور جماعية حول موائد إفطار عامرة يتذكرونها عاماً بعد عام.