لم أدرك مشاعر والدي عليه رحمة الله وهو الذي عاش لأكثر من قرن (100) عام حين تُنتهك خلوته في دكانه بالخرج من قبل أحد ضحايا الصحوة من غلمان الأقارب أو صبيان المعارف وهو يترقب سماع نشرة الأخبار فيقوم هذا الغلام بقفل الراديو بحجّة موسيقى الأخبار. كان والدي وهو أحد جنود جيش الملك عبدالعزيز حيث شارك في ثلاث مهمات وأخرى مع الفيصل في حملة اليمن معروفا جيدا لدى أهل مدينة الخرج فقد كان ينوب أحياناً عن إمام جامع الملك عبدالعزيز في صلاة الفجر فيؤم المصلين في تلك الفريضة، لهذا كان رحمه الله ينزعج جدا من تصرف أولئك الغلمان في إسكات صوت المذياع بحجّة الموسيقى. لا أذكر أنه أمر في يوم وهو الذي أدخل جهاز التلفزيون لدارنا في أول بثّه في الستينيات الميلادية بإخماد صوت الموسيقى والغناء وقت كان صوت فيروز أو صباح أو أم كلثوم يصدح في أرجاء منزلنا. كان يمر مرور الكرام بكل خشوع وسكينة في ذهابه وإيابه من وإلى المسجد. اليوم وقد بلغتُ من العُمر عتيّا عرفت مشاعره غفر الله له وأدركت حكمته في الصبر والتحمّل لكنني لم أروّض صبري مثله. لا أسكت عمن يتدخل في حياتي وينتهك خصوصياتي لهذا أُحاول محاورتهم بالتي هي أحسن لكنهم لا يسمعون فقد تقولبوا على نصوص حفظوها ويرددونها كشريط الكاسيت يدور ويدور ويدور دون إدراك منهم أو فهم. قبل عدة أيام مضين كنت أتسوق في معرض لأجهزة ومعدات الكمبيوتر فدخل غلام في عمر أصغر أولادي وسلّم مصافحا فرددت سلامه بترحاب وعرّف بنفسه فعرّفت بنفسي. بعد انتهاء علاقتي بالمكان غادرت وإذا بالغلام يلحق بي ويستوقفني. ظننت أن له حاجة أو يرغب بالاستفسار عن أمرٍ ما وإذا به يلقي عليّ موعظة عن طول إزاري وأنه في النار مع كعبيّ وهكذا من تسطيح. قلت له إن الزمن قد تجاوز هذه المواعظ منتهية الصلاحية والقبول العقلي فإذا به ينتفض ويكيل لي اتهامات أقلها جهلي بالسنّة. طلبت منه انهاء الحوار والالتفات لما جاء من أجله قبل أن يُقفل المعرض أبوابه للصلاة. أدبر الغلام عجِلاً وأنا حزين على حاله وحال أمثاله من أبناء/بنات بلادي الذين لا زلنا نعوّل عليهم الكثير. لمراسلة الكاتب: [email protected]