كيف يستطيع الجار أن يصف رحيل جاره، الى أبد يفصل وجوداً عن وجود.. جوار دام 8 أعوام، سعدت به كثيراً وتشرفت بجوار رجل عظيم في فكره وادبه، اعتدت أن آخذ منه ولا أعطيه شيئاً، استل من فكرته فكرة ومن أسلوبه رشاقة القلم، أحاول أن أكون ظلالاً لأفكاره أفشل كثيراً وقد أُفلح في مرات قليلة، في حياة جريدة "الرياض" حياة لقلم ومتسع لطموح الشباب واستفادة جيل من جيل، نقرأ للكبار ونتعلم منهم ونتذأب في حضورهم وتدمع عيوننا وفاءً في غيابهم.. وصف الرحيل رحيلاً عن المكان والزمان الى التفاتات لا تجد في نظرها من تبحث عنه، البحث عن الغائب شيء مؤلم حد الإحراق، فالنظر الى زوايا الكتابة بدون نثار الحبيب عابد خزندار نظر يمتلأ بالدموع والحسرات، كيف تموت الزاوية التي تفتح الأبواب أمامي لدينا الافكار الجديدة ؟ النثار غاب.. عزاء الكلمة للكلمة عزاء لا يوجد له صيوان ولا صلاة ولاقبر، تدفن الكلمات بالكلمات فالتراب يعجز عن دفنها حتى لو كانت الكتابة على التراب!! عابد خزندار يكتب بنظر لا يكتب بأقلام: فالنظر يكتب للروح أما الأقلام تكتب لكل شيء للنجارة والدواء والجماد والناس، فنحن عندما نطل على نثار عابد خزندار نريد أن نعرف نظرته الروحية حول همومنا وأحلامنا.. فنجد المواساة والنصيحة وعناد الروح اللذيذ.. عرف الراحل كيف يجعلنا نطيل النظر في نثاره على رغم كلماته القليلة، فقراءته لا تحسب بالكلمات، بل بالهموم ودعوات الإصلاح التي ينثرها علينا، لذا كان قليله كثيراً جداً جداً.. مرحوم ياأستاذ الإيجاز الشامل، والاختصارات الكاملة، مرحوم يا أستاذ الأدب والنقد، المبدعون لهم غياب لا يعوّض ففي فقدهم فقد لإشعاعات روحية، تكرار الإضاءات بعدها لا يعني وجودها، ومن هنا تكون الذكرى والذكريات هي العوض بهم بعد فقدهم، فغازي القصيبي المبدع لا عوض لنا فيه إلا بذكراه وقبل ذلك الأديب شكسبير لم يخلفه بعده إلا ذكراه، فكيف تكون الذكرى محاكاة لحياة المبدع بعد غيابه، تلك مهمة محبيه وأهله وبلده، فذكرى المبدع مسؤولية أخلاقية لا يحييها إلا مجتمع ذو فضل يقدر عطاء المبدع فيجعل من إنتاجه حياة تعيش مع كل جيل.. فهل نحتاج أن نتعرف أكثر من الأندية الأدبية على ثقافة الذكريات، ذكرى تكون على شكل مقر باسم الراحل أو جائزة أدبية تقدم تكريماً لاسمه وأعماله، رحل الجار الكبير في عطائه، وبقيت لنا التفاتاتنا الحارقة التي تبحث عن وجوده هل نعزيها بذكرى أم تعز الذكرى بعد الغياب ؟ لمراسلة الكاتب: [email protected]