هناك إشكالية منهجية ومعلوماتية تبرز لدى بعض كتاب المقالات اليومية، بعضها بسبب عنصر الزمن وضغط الوقت لتسليم المقالة، وبعضها بسبب تداخل العوامل الشخصية، وتدني استخدام مهارات التفكير المنطقي أحيانا. الأسبوع الماضي، كتب الأخ محمد رضا لاري مقالا في هذه الصحيفة عن البريد السعودي مملؤ بالمغالطات الكبيرة، وكنت أتمنى كقارىء ومنتسب لمؤسسة البريد السعودي ان أطلع على طرح موضوعي، يعتمد منهجية فكرية واضحة، وحقائق علمية ثابتة، وتفسيرات منطقية مقنعة،ولكن جاءت مقالته انفعالية لا تستقيم و الحقائق البريدية محليا وعالميا. الأخ رضا لاري تبنى موقفا غريبا، فهو ضد سياسة البريد السعودي في التمييز بين الاستخدام الفردي والاستخدام التجاري لخدمات البريد السعودي والتمييز بين تسعيرة صناديق بريد الشركات وتسعيرة صناديق الأفراد، وهو إجراء تشكر عليه مؤسسة البريد السعودي، عندما أبقت على تسعيرة صناديق الأفراد كما هي 100 ريال سنويا، ولا افهم كيف يريد لاري أن يوحد تسعيرة الشركات التجارية والتي يتجاوز عدد أفراد بعضها عشرات الآلاف موظف. يبعث لهم البريد السعودي الرسائل والطرود يوميا عبر شاحنات بنفس تسعيرة صناديق الأفراد «100 ريال سنويا» فهذا المنطق لايستقيم وأبجديات التفكير المنطقي، ومعايير العمل الاقتصادي والتنظيمي، والعجيب ان رضا لاري ينكر حق «مؤسسة البريد السعودي في إلغاء تسجيل أي صندوق اذ أسيء استعماله في أغراض غير مشروعة اولغير الغرض الذي رخص له ويرى «ان المؤسسة تحرم المباح في كل صناديق البريد بمشارق الأرض ومغاربها» وهذا الكلام مضلل للقارئ ويبدو ان رضا لاري بعيد جدا عن علم وصناعة البريد، فكافة مؤسسات البريد في مشارق الأرض ومغاربها لا تعتبر صندوق البريد حقا مستحقاً، وإذا أسأت استخدام الصندوق او رفضت السداد، يسحب منك الصندوق ويمنح لمواطن آخر، مثلما يسحب منك الهاتف او اي خدمة اخرى جراء عدم التزامك بواجبات الخدمة، وهذه طروحات تضر بالوعي العام الاجتماعي، واللافت دعوة رضا لاري للبريد السعودي «بالسماح لصاحب الصندوق بأن يستقبل رسائل اسرته وجيرانه ومعارفه وأصدقائه على صندوق واحد بمئة ريال» ويرى «أن هذا يسهل مهمة رجل البريد!» وهذا تفسير سطحي أقرب الى الفكر العامي منه لأي فكر إداري وتنظيمي حديث ينسجم مع سوق وصناعة البريد. ويتساءل رضا لاري منتقدا نظام البريد «بأن البعائث المسجلة والرسمية وبعائث البريد الممتاز لا تسلم الا للمشترك او من ينوب عنه بموجب تفويض» وكأنه يريد أي شخص يذهب للبريد ويستلم الرسائل دون ان يتحقق موظف البريد من ان صاحب الرسالة او من ينوب عنه، وهذا إجراء قانوني لحماية خصوصية المستخدم، والمقابل له الفوضى الخدمية. ويتحدى الأخ لاري ان يوصل البريد السعودي رسائل بريدية إلى منزله في شارع صاري بجده، واذكره بأنه لا توجد في منطقة الخليج العربي دولة تقوم مؤسستها البريدية بإيصال الرسائل العادية إلى المنازل، مع ذلك أقول ان البريد السعودي ينفذ حاليا في مدينة الرياض مشروع تركيب مليون صندوق بريدي «خدمة واصل» وهو أول مشروع من نوعه في منطقة الشرق الأوسط لإيصال الرسائل البريدية إلى المنازل، كما سيتم تنفيذ المشروع في مدينة جدة، بعد ان تم الانتهاء من ترقيمها كمبيوتريا، وحظي هذا المشروع باهتمام كبير محليا وكذلك من قبل الاتحاد العالمي للبريد، اذ سيوفر على المواطنين والمقيمين الكثير من الوقت والجهد والمال جراء الرحلات البريدية لصناديق البريد. وكنت اتمنى ان يكون رضا لاري موضوعيا في رأيه، منهجيا في طرحه، فالأمور في مؤسسة البريد السعودي لا تتم «بجرة قلم» مثلما يعتقد الكاتب، اننا نتحدث عن مؤسسة عامة لها لجانها الاستشارية المتخصصة، و مجلس إدارة يضم نخبة قيادية من الوزارات ذات العلاقة، وصفوة من رجال الاعمال الذين يمثلون القطاع الخاص، وقد حققت المؤسسة خلال الأشهر الماضية نقلة نوعية وحضارية كبيرتين، فلأول مرة يتم تقديم تأمين طبي شامل لكافة منسوبي البريد السعودي، وفتح باب التوظيف للشباب السعودي، حتى بات التنافس على أشده للانضمام لهذه المنشاة الزاهرة، ولأول مرة في المملكة يتم إطلاق برامج بريدية طموحه ابرزها مشروع واصل لإيصال الرسائل إلى المنازل، وتأسيس برنامج القراءة الاليكترونية للرسائل والطرود بهدف تسريع وتجويد الخدمة، والانتقال من الفرز اليدوي إلى الفرز الآلي، وتعظيم شراكة البريد السعودي مع القطاع الخاص، وتأسيس شركة ناقل بالتعاون مع القطاع الخاص التي وفرت ما يعادل 40 مليون ريال سنويا من تكاليف التشغيل، وكذلك نجاح البريد السعودي في رفع معدل أعماله وحصته في سوق البريد خلال الأشهر الماضية، اننا سعداء بهذا التوجه الجديد للبريد السعودي، ونشعر بتفاؤل كبير نحو مستقبل مشرق لهذه المؤسسة الوطنية * مؤسسة البريد السعودي الرياض