قال تعالى: "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" سورة الرحمن الآية (26 – 27). فقدت المملكة العربية السعودية والأمة الإسلامية والعالم بأسره هذا العام زعيماً كبيراً ومحنكاً لن يُنسى بسهولة، فخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود (رحمه الله) كان أميناً على مصالح الأمة ومدافعاً شرساً عنها. رحل حبيب الشعب.. أو ملك الإنسانية أو ملك القلوب.. قل ما شئت فلدى قاموس عبدالله بن عبدالعزيز ألقاب كثيرة ومسميات متعددة وإنجازات تسجل بأحرف من ذهب على جميع الأصعدة، ولكنه رحل إلى جوار ربه بشرف المسمى وهو خادم الحرمين الشريفين.. عبدالله بن عبدالعزيز.. تبكيك جميع الأماكن في أرجاء العالم فهي لن تراك مرة أخرى بعد ارتوت من مسكك العاطر ووجهك البشوش وبساطتك وعفويتك.. ولكنك تركت بصماتك الأكثر أثراً في مكةالمكرمة والمدينة المنورة أشرف بقاع الأرض.. وما واكبهما من تطور وتوسعة تعتبر الأكبر في تاريخ الدولة السعودية باهتمام شخصي منك ففيهما يدعو لك الحجاج والمعتمرون والركع السجود. ستفتقدك مكةالمكرمة والتي كنت تقضي فيها العشر الأواخر من رمضان في كل عام بجوار الكعبة المشرفة صائماً قائماً وعابداً لربك وشاكراً له. سيفتقدك إرثك التراثي والثقافي مهرجان الجنادرية الذي انطلق في عام 1985م وحقق شهرة واسعة محلياً وعربياً وعالمياً، وعرضتها السعودية، رقصة السعوديين في السلم والحرب والفرح والتي كنت فارسها الأول وتؤديها بين إخوانك ومواطنيك. سيفتقدك منتجعك المحبب خارج مدينة الرياض والتي تقضي فيه بعض الوقت للراحة والاستجمام، فروضة خريم هذا المنتجع البري والذي يتوسطه المخيم الملكي شهد إعلان ميزانية الدولة الاستثنائية لعام 2015م، وزارها كبار الرؤساء والمسؤولين في العالم لتفردها بطبيعة خلابة ومميزة. ولعبت معهم أحد هواياتك المتعددة وهي "لعبة الكرات الحديدة – البولز" وقد كنت بارعاً في إجادتها. وفي الفاتيكان ولأول مرة في تاريخ العلاقات بين رئيس الكنيسة الكاثوليكية والسعودية، استقبلك البابا بنديكتوس السادس عشر في يوم الثلاثاء 6-11-2007م خلال جولتك الأوروبية. وبحسب بيان للفاتيكان تمحورت المباحثات آنذاك حول "الدفاع عن القيم الدينية والأخلاقية والنزاع في الشرق الأوسط وأهمية الحوار بين الثقافات والأديان ومساهمة أتباع مختلف الديانات في النهوض بالتفاهم بين البشر والشعوب". نتذكر مآثرك على مر الزمن فطوال حياتك العملية وحولك المشايخ والعلماء الأفاضل وجمع غفير من المواطنين وأنت تستقبلهم في مكتبك لا ننسى ولن ننسى مظاهر أثرت ولا زالت تؤثر بالمواطن السعودي إنها سياسة الباب المفتوح.. سياسة الموحد -طيب الله ثراه- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود التي اتبعتها والكثير من ملوك أسرة آل سعود. فتعددت الأبواب وفتحت أمام المواطنين فها هو عبدالله بن عبدالعزيز يرد على تحية شاب قصد مجلسه في حاجة ملحّة، ومنظر آخر وهو ينهض من كرسيه ليمسك بيد رجل طاعن في السن حتى يجلسه بجانبه وييسر له أمره بعد أن أصغى لحاجته باهتمام بالغ. وعندما قطعت زيارتك لفرنسا في عام 2000م استذكر أهالي جازان إصرارك على زيارتها عندما سمعت عن زيادة حالات مرض حمى الوادي المتصدع ورفضت تعليمات الأطباء بوضع قفازات وكمامات خوفاً عليك لانتقال العدوى ورددت عليهم قائلاً: ليست روحي بأغلى من أرواح أهالي جازان. هذا هو عبدالله بن عبدالعزيز (رحمه الله) الإنسان والأب الحاني على أبناء شعبه. عبدالله بن عبدالعزيز.. صدقت حينما قلت لشعبك "يعلم الله أنكم في قلبي وأستمد العون من الله ثم منكم" فهموم المواطنين لم تغب عن وجدانك حتى في مرضك، فعند وصولك إلى مدينة نيويورك خلال رحلتك العلاجية في 2010م أصدرت توجيهات لوزارة المالية باستمرار صرف بدل غلاء المعيشة للمواطنين بنسبة 15%. وكانت لفتة كريمة منك تهدف إلى التخفيف من آثار العوامل التي أدت إلى إيجاد بدل غلاء المعيشة." حينها شكرك المواطنون على جزيل عطائك ودعوا لك بالصحة والعافية. مات حبيب الشعب.. عبدالله بن عبدالعزيز الملك الإنسان.. التواضع والأريحية والشفافية طبع أصيل كان في شخصيته.. إنها سنة الله في الحياة، اقتضت أن لكل أمر قد بدأ نهاية حتمية لابد منها.. نعزي الوطن برحيل ابنه البار، ونعزي العالم بفقدان زعيم من زعمائه المؤثرين.. نعزي أنجال خادم الحرمين الشريفين والأسرة المالكة الكريمة.. ولا شك إنه الموت الذي لا يعرف صغيراً أو كبيراً.. فقد قال الله جلت قدرته في محكم كتابه العزيز «كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » آل عمران 185 الآية.. آمنا بالله وبقدره والى جنات الخلد إن شاء الله.."إنا لله وإنا إليه راجعون"