إن الله سبحانه تعالى لم يبتلِ عباده بالمصائب في أنفسهم وأموالهم ليهلكهم، ولا ليعذبهم، ولكن ليبتليهم، بها امتحاناً لصبرهم ورضاهم، واختباراً لإيمانهم بربهم، فإن صبر العبد على ما حلَّ به من المصائب ورضي بما قدره الله تبارك وتعالى له، كفَّر الله عنه سيئاته وأثابه على صبره أجراً عظيما، فالمصائب هي للمؤمن الصابر رحمةً ونعمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له). إن مصيبتنا عظمى وفاجعتنا كبرى بموت فقيد الإسلام والمسلمين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عليه رحمة الله تعالى، فقد كان رحمه الله إماماً عادلاً وأباً رحيماً، أعزَّ الله به الإسلام وأهله، وحمى به حوزة الدين، ودافع عن حياضه، فرحمه الله رحمة واسعة، وعفا عنه وأسكنه فسيح جناته، وأحسن الله عزاء المسلمين فيه، ولا نقول إلا كما قال الصابرون (إنا لله وإنا إليه راجعون). فقدت الأمة الإسلامية ملكاً وقائداً كان حريصاً على غرس الحب وجمع الكلمة وإشاعة الطمأنينة في نفوس الجميع، يسهر على رعاية مصالحهم، فالحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه. لقد كانت المصيبة عظيمة، والجلل كبيرا، لكن الله تعالى أثلج صدور المسلمين، وطمأن نفوسهم وأزال عنهم الحزن، وعوضهم الله خيراً بالبيعة لأخيه سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، ملكاً على البلاد وإماماً للمسلمين، والبيعة لأخية مقرن بن عبدالعزيز ولياً للعهد، فالحمد لله على هذا الوفاق والحمد لله على جمع الكلمة والحمد لله على وحدة الصف. إن خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبالعزيز أهل للإمامة ديناً وخلقاً وأمانةً، ملأ الله له القلوب حباً وإجلالاً، فهو الخليفة الراشد بحول الله وقوته، وقد رضيه المسلمون ملكاً عليهم وإماماً وخليفة وخادماً للحرمين الشريفين، يحكم فيهم بشرع الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويقيم العدل فيهم. لقد كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز منذ البداية عضداً وسنداً بعد الله سبحانه وتعالى لسلفه رحمه الله، فحمل الراية بعد أخيه ليكمل المسيرة على نفس المنهج، منهج الكتاب والسنة، على فهم سلف الأمة، فرحم الله الملك المؤسس عبدالعزيز فقد رسم الطريق ووحد المعالم، وأرسى دعائم هذا الصرح الشامخ على المنهج القويم، وحذا حذوه أبناؤه البررة الملوك من بعده سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله، فرحمهم الله جميعاً وأسكنهم فسيح الجنان، وجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. وإن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين الأمير مقرن يحذوان حذوهم على حمل الأمانة وإكمال المسيرة لبلوغ الغاية السامية، والعمل لما فيه سلامة واستقرار وأمن هذا الوطن الغالي. إذاً تمت المبايعة من أهل الحل والعقد لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، فإنه بذلك تكون في رقبة كل مسلم بيعةٌ شرعية للإمام ولولي عهده، لا يجوز خفرها ولا التهاون في شأنها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:(من مات وليس في عنقه بيعة للإمام فقد مات ميتةً جاهلية)، فيجب اعتقاد كل مسلم أن في رقبته بيعة للإمام ولولي عهده، على كتاب الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنشط والمكره وفي العسر واليسر، وأن يستحضر ذلك دائماً. فاللهم وفق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لكل خير، اللهم اجعله خير خلف لخير سلف، اللهم أيد الإسلام به وأيده بالإسلام، اللهم أدم عليه توفيقك ونصرك وتأييدك، واجعله إمام هدى وأصلح بطانته، وأسبغ عليه نعمك ووفقه لشكرها، وأعنه على ما تحمل، اللهم وفق ولي عهده الأمير مقرن بن عبدالعزيز واشدُدُ به يد أخيه خادم الحرمين الشريفين، اللهم كن لهما معيناً ونصيراً، وهادياً ودليلا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. *الاستاذ بالمعهد العالي للقضاء جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية