بفاجعة الرحيل المهيب والحزين لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فقدت الأمتان العربية والاسلامية شخصية قيادية استثنائية لطالما اتفقت الآراء والتقييمات على كونها الأكثر قدرة على التأثير في محيطها العربي والاسلامي نظرا لما اتسمت به من حنكة وحكمة وحرص مخلص على تلمس احتياجات شعبة، وسرعة في اتخاذ القرارات الحاسمة والصعبة، وحضور سياسي وانساني متفرد وشفاف ومؤثر، وهو ما أبرزته بجلاء مبادراته الخيرة والمتعددة التي تجاوزت حدود المملكة واستهدفت في مجملها تلبية الاحتياجات الانسانية الملحة للعديد من الشعوب العربية والاسلامية المتضررة، سواء جراء الكوارث الطبيعية أو الحروب والصراعات والنزاعات الداخلية التي تعاني من تداعياتها دول "كفلسطين ومصر والعراق وسورية واليمن التي كان لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله رحمة الله عليه دور محوري في الحيلولة دون انزلاقها الى حرب أهلية عبر رعايته الكريمة لمراسم التوقيع على المبادرة الخليجية التي حرص على الحضور الشخصي لمراسم توقيعها والخروج من المستشفى للإشراف على إنجازها، واسهامه الفاعل في الدفع بالمبادرة كتسوية سياسية سلمية تحقق الانتقال السلمي للسلطة في اليمن، واحاطته اللاحقة لمراحل تنفيذ المبادرة بالاهتمام البالغ والرعاية الحثيثة من خلال تقديم مختلف أوجه الدعم المالي والتنموي السخي لمساعدة الشعب اليمني على تجاوز الازمات المعيشية الطارئة، وتوجيهاته للدبلوماسية السعودية بقيادة المساعي والجهود الهادفة الى حشد الدعم الاقليمي والدولي لليمن، الى جانب الايادي البيضاء الذي اسداها للتخفيف من معاناة العديد من الشعوب الاخرى في المنطقة، ودعمه الانساني للأقليات الاسلامية المضطهدة في مناطق "كبورما"، ودوره الرائد والفاعل الهادف الى تعزيز مبادئ وقيم الحوار بين الاديان والثقافات الانسانية المختلفة من خلال مبادرته بتمويل ودعم تأسيس المركز العالمي للحوار بين الاديان والذي يضم ممثلين عن جميع الأديان الأساسية، ويعمل بكل استقلالية بمعزل عن أي تدخلات سياسية. تصدر فقيد الامتين العربية والاسلامية الراحل المغفور له بإذن الله تعالي الملك عبدالله بن عبدالعزيز قائمة الشخصيات الاكثر تأثيرا في العالم ومنطقة الشرق الأوسط خلال العام 2014م بحسب مأ ابرزته استطلاعات الرأي التي اجرتها العديد من مراكز قياس الرأي المتخصصة والشبكات الاعلامية العالمية كشبكة "CNN" الامريكية وهو ما اسهم في تعزيز الحضور السياسي والدبلوماسي والانساني للمملكة العربية السعودية في مختلف المحافل الاقليمية والدولية. إن تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في المملكة خلفا لأخيه القائد والزعيم الراحل يؤرخ لبداية عهد جديد ومتصل من العطاء والتميز والقيادة الحكيمة والرشيدة التي تعد بمثابة إرث سياسي للأسرة المالكة يرتكز على جملة من الثوابت والقيم التي تمثل في مجملها "رؤية مستنيرة ومنفتحة" في توطيد مقومات بناء الدولة وتعزيز مكانة المملكة وحضورها الرائد في صناعة القرار العربي والاسلامي والقدرة على الفعل والتأثير في مجمل القضايا والأحداث التي تتعلق بمصالح الأمتين العربية والاسلامية. يمتلك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الكثير من السمات والخصال الحميدة التي تتسم بها شخصيته من قبيل الحضور الذهني المتقد، والذكاء المتوهج، والقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة والسريعة، والانضباط والدقة والحرص على الانجاز، اضافة الى ما عرف عنه من شغف بالمعرفة وبالتاريخ السعودي والعربي والإسلامي وهو ما حذا به الى رصد جائزة ومنحة للدراسات التاريخية تحمل اسم (جائزة ومنحة الأمير سلمان بن عبدالعزيز لدراسات تاريخ الجزيرة العربية)، كما تميز بعلاقاته الحميمة بالأسر السعودية فهو يقدر الكبير ويزور المريض ويشارك في الأفراح ويعزي في المآسي، الى جانب تشجيعه التنوع الثقافي والإلمام بمستجدات وتطورات الأوضاع والمتغيرات، وتعامله المنفتح مع مختلف الشرائح المثقفة والاعلامية والصحافية وهو ما دفع العديد من هذه الاوساط والشرائح الى وصفه "بصديق الصحفيين".. كل هذه المآثر والمناقب تمثل مقومات شخصية سياسية قيادية تمتلك امكانيات التأثير والعطاء المتميز.. وهي ذات الصفات والسمات التي يتشاطرها مع خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز بشكل متفاوت كل من ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز الشخصية التي طالما عرفت ببرجماتيتها وحنكتها وعلاقاتها الواسعة والمتشعبة مع مختلف الأوساط الدبلوماسية والاجتماعية، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نائف بن عبدالعزيز ولي ولي العهد الذي يمتلك سجلا حافلا بالإنجازات في مكافحة الارهاب ومناهضة التطرف وتحديث وتطوير امكانيات وقدرات الأجهزة الأمنية المختلفة في المملكة. لقد مثل يوم 23 يناير 2015م محطة فارقة اختزلت في تفاصيلها الجليلة "ديناميكية " الانتقال السلس للسلطة الذي دأبت المملكة على انتهاجها كنموذج ملهم منذ تأسيسها وهو ما أسهم في تعزيز مقومات الأمن والاستقرار في البلاد.. تماما كما مثلت مراسم التشييع البسيطة تجسيدا متجددا لحرص الاسرة المالكة على استلهام قيم السنة النبوية الشريفة في الحد من مظاهر الحداد التقليدية وتأثيرها في تعطيل مصالح الناس، وهو ذات الحرص الذي تختزله "البيعة" التي يشارك في ترسيخ مبادئها وأهدافها المقتبسة من الشريعة الاسلامية السمحاء والسنة النبوية الشريفة المواطن العادي ولا تنحصر على افراد الاسرة المالكة وتمثل مناسبة لاستحضار متانة العلاقة التي تربط بين "الحاكم والمحكوم والراعي والرعية" عملا بقوله صلى الله عليه وسلم" من مات وليس في عنقه بيعة فقد مات ميتة جاهلية". ولعل عزاءنا في فقيد الوطن والأمتين العربية والاسلامية قول الشاعر: اذا غاب منا سيد قام سيد قؤول لما قال الكرام فعول * رئيس بعثة مجلس التعاون بالجمهورية اليمنية