تبذل الجهات الأمنية في المملكة جهوداً حثيثة للقضاء على الإرهاب والسعي لمكافحته، وتحديداً عملية التصدي للتمويلات الإرهابية وما تشكّله من مخاطر جسيمة على أمن الوطن واستقراره. وعلى الرغم من الدور البارز والمهم الذي تؤديه الجهات الأمنية في المملكة تجاه التصدي للتمويلات الإرهابية، إلاّ أننا أمام حاجة ماسة إلى تكثيف تلك الجهود، بالإضافة إلى تجفيف مصادره لضمان القضاء على الجماعات الإرهابية ووقف أنشطتها، لما يشهده القادم من مخاطر حقيقية، يسعون من خلالها إلى زعزعة الأمن وإثارة القلاقل، حيث سخّر الإرهابيون كافة جهودهم لدعم الإرهاب عن طريق مصادر التمويل سواء كانت داخلية أم خارجية؛ بهدف تنفيذ عملياتهم ومخططاتهم الإجرامية. وقد وصل "تمويل الإرهاب" اليوم إلى مستويات تمويلية خطيرة لا يمكن السكوت عنها، وبالتالي لا نجد عملية إرهابية تم القبض على مرتكبيها إلاّ ونجد بحوزتهم قيماً مالية كبيرة، وهو ما يدعونا إلى السؤال حول مصدرها، ومن أين جاءت؟، ومن يدعمها؟، وكيف وصلت إليهم؟. وأمام هذا المشهد؛ فإننا يجب أن ندرك تماماً ما قد يشهده المستقبل من مخاطر على أمن الوطن وسعي أرباب الفكر الضال إلى تنفيذ أهدافهم ومخططاتهم الإرهابية، وأن نبحث دائماً عن الحلول الفعّالة التي تُسهم في إغلاق كافة الطرق والوسائل المؤدية إلى تمويله وإيصاله للجماعات الإرهابية، حيث يُعتبر التصدي للتمويل الإرهابي من أهم وسائل محاربته والتصدي له ومنع مخططاتهم وأهدافهم الإجرامية. عملية معقدة تمتزج فيها «الإيديولوجيا» مع المصالح السياسية والاستخباراتية خطة استراتيجية في البداية أوضح "د. أنور ماجد عشقي" -رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية- أن من يرغب وضع خطة استراتيجية لمكافحة تمويل الإرهاب لا بد أن يعتمد التعريف الدقيق لهذا المصطلح، وبسبب تعدد التعريفات بتمويل الإرهاب فإن من أفضل هذه التعريفات هو ما اعتمدته دراسة جهاز المحاسبة الأمريكي Govornment Accantability Office، مؤكداً أن الدراسة تعرّف تمويل الإرهاب بأنه: "الدعم المالي في مختلف صوره الذي يقدم إلى الأفراد والمنظمات التي تقوم بالأعمال الإرهابية أو تدعمها أو تخطط لعمليات إرهابية"، وهذه المصادر قد تكون مشروعة كالجمعيات الخيرية أو غير مشروعة من تجارة البضائع التالفة أو تجارة المخدرات وغسيل الأموال. وقال إن هؤلاء الممولين عادة ما يعملون على إخفاء أنفسهم وأنشطتهم المالية؛ لأن إخفاء مصدر التمويل يساعد على استمراره وبقائه حياً لتمويل أنشطة إرهابية أخرى، مضيفاً أن هناك فرقا دقيقا بين الطرق التي تستخدمها المنظمات الإرهابية في إخفاء مصادرها المالية في معرض نشاطها لنقله من الحيز المحلي إلى الحيز الدولي وبين العصابات التي تقوم بعملية غسيل الأموال؛ لهذا نجد المنظمات الحكومية الدولية لمكافحة غسل الأموال تلتزم بنفس المعايير في مكافحة تمويل الإرهاب. تنسيق دولي وأضاف أن الجهود الدولية تأتي في هذه المكافحة على رأس القائمة مثل المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث اتفقت الدول على تنفيذ أساليب وقوانين تتماشى مع المعايير الدولية، موضحاً أن الدور المحوري تتولاه الإدارات والمكاتب الحكومية في الدول المعنية بمكافحة الإرهاب وبشكل خاص ما يتبع منه وزارة الخارجية ووزارة الداخلية ووزارة العدل المعنية بتقديم التدريب والدعم الفني الممول من قبل الحكومات والتنسيق مع باقي الدول، بالإضافة إلى التعاون الاستخباراتي. وأشار إلى أن الحكومة الأمريكية قد وفرت عدداً كبيراً من البرامج التدريبية والدعم الفني للدول الأكثر عرضة لعمليات تمويل الإرهاب، ولكن الولاياتالمتحدة حتى الآن لم تبدأ ببناء خطة استراتيجية متكاملة لتوصيل الدعم الفني لباقي الدول، وهذا ما جعل المنظمات الإرهابية تحافظ على زخمها، مبيناً أن هذا ما حدا ببعض الدول استخدام النظام المتعلق بمكافحة غسيل الأموال لمكافحة الإرهاب، مشيراً إلى أن هناك مصدرين رئيسيين لتمويل برامج مكافحة التمويل الإرهابي، هما: برنامج مكافحة انتشار الإرهاب ومكافحة المخدرات؛ لهذا فإن من الضروري أن يكون هناك تنسيق دولي، ووضع خطة استراتيجية شاملة تنبثق منها خطط استراتيجية تصوغها كل دولة من دول العالم لمراقبة المعاملات المالية الإرهابية، وكبح محاولات تمويل المنظمات والجماعات الإرهابية وتجميد أرصدتها وأصولها الثابتة. مصادر الإرهاب وأوضح "محمد بن سعود الجذلاني" -محام، وقاض سابق- أن المقصود بالإرهاب هو: "الأفعال الإجرامية التخريبية بغض النظر عن الباعث الأساسي وراء هذه الأفعال"، مشيراً إلى أننا نخلص من هذا المفهوم إلى عدة حقائق هي أن الإرهاب قد يكون منطلقاً من أفكار ضالة؛ كأفكار التكفير التي تستبيح الدماء والحرمات والأموال للمسلمين والمعصومين، وهذا ما يجري الحديث عنه بكثرة وتأكيد أن الإسلام بريء منه، وهو الذي تمارسه جماعات تنتسب للإسلام ومعتقد أهل السنة، كما قد يكون السبب الرئيس وراء الأعمال التخريبية الإجرامية هو قصد إفساد البلد والإخلال بالأمن وزعزعة استقرار الدولة، وتحقيق غايات سياسية معادية للدولة المستهدفة بالعمل الإرهابي، لافتا إلى أن من أنواع الإرهاب أيضاً: الأعمال التخريبية التي تقوم بها فئات أخرى تنطلق من عقائد وأفكار ضالة، لكنها خارجة أصلاً عن معتقد أهل السنة والجماعة، وبالتالي فقد امتزج عند أصحابها العداء المذهبي مع الأهداف السياسية. وقال: "إذا أردنا تناول موضوع تمويل الإرهاب فإن الصحيح هو أن نشمل بحديثنا كل هذه الصور الإرهابية، وألا نقصره فقط على صورة واحدة، سيما وأن جميع الصور المذكورة تلتقي في أهدافها التخريبية وتسعى كلها لتحقيق غاية قريبة المدى وهي التخريب وزعزعة الأمن، وإن اختلفوا في الغاية البعيدة"، مضيفاً أنه من هذا المنطلق يمكن القول ان تمويل الإرهاب له مصادر عديدة، بعضها داخلي وبعضها خارجي، كما أن بعضها يقف وراءه دول ومنظمات وجماعات ذات أهداف معروفة وبعضها يقف وراءه أفراد أو تجار أو مؤسسات تجارية تؤمن بنفس أفكار الجماعة الإرهابية التي تدعمها وتشترك معها في أهدافها، ثم يأتي أخيراً المصدر الذي ينطلق من حسن نية وسذاجة وهو الأموال التي يتم جمعها باسم الصدقات والتبرعات والزكوات والأعمال الخيرية والإنسانية. جهود مبذولة وأضاف أن وسائل منع هذا التمويل يمكن تقسيمها من خلال وسائل قانونية وتشريعية، موضحاً أن موضوع محاربة تمويل الإرهاب أصبح يشكّل همّاً عالمياً تأتي المملكة في طليعة الدول المشغولة به والتي أولته عناية كاملة من خلال إصدار أو مراجعة العديد من التنظيمات والقوانين الرامية إلى تضييق الخناق على تمويل الإرهاب، وتتبع مصادره ومحاسبة المتورطين فيه، مؤكداً أن هذه الجهود توجت بصدور "نظام جرائم الإرهاب" وتمويله. وأشار إلى أن هذا النظام حدد تفاصيل التعامل مع جرائم الإرهاب وتمويله، وآلية التحقيق والادعاء والمحاكمة والتوقيف في هذه الجرائم، كما تضمن هذا النظام في المادة (35) أن تتولى وحدة التحريات المالية في وزارة الداخلية تلقي البلاغات المتعلقة بالاشتباه بجريمة تمويل الإرهاب وجمع المعلومات وتحليلها ونشرها، ذاكراً أن من أبرز الأنظمة المرتبطة بالموضوع نظام "مكافحة غسل الأموال". ثغرات تمويلية أوضح "فضل بن سعد البوعينين" -خبير وكاتب اقتصادي- أنه يمكن الكشف عن ممولي الإرهاب من خلال المتابعة الدقيقة للمشتبه فيهم من قبل قوات الأمن المتخصصة، ذاكراً أن كفاءة رجال الأمن يمكن أن تقود إلى الكشف عن أدق تفاصيل التمويل، وربما قبل أن تكتشفها بعض الأجهزة المصرفية، مشدداً على أن قوات الأمن السعودي أثبتت كفاءة عالية ومقدرة فائقة في التعامل مع المعلومات التي عادة ما تقود إلى كشف خلايا تمويل الإرهاب، كما أعلن في أكثر من مناسبة، موضحاً أن التعامل مع التقنية الحديثة يمكن أن يسهل عمليات تتبع الأموال القذرة بدقة متناهية والكشف عن أطراف التمويل المتباعدة، مؤكداً أن التعاون الأمني الدولي يمكن أن يحقق نجاحاً كبيراً في تعقب الممولين والكشف عنهم من خلال تتبع حركة نقل الأموال بين الأجهزة المصرفية العالمية. وقال إن كشف ممولي الإرهاب يمكن أن يكون عن طريق النظام المصرفي متى ما استخدم لتمرير الحوالات المالية أو تجميع النقد على سبيل المثال، مبيناً أن هناك رابطا وثيقا بين غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهو ما يساعد في أحيان كثيرة على كشف عمليات غسل الأموال الضخمة التي تقود إلى الكشف عن ممولي الإرهاب، ذاكراً أن الأنظمة المصرفية المحققة لاستراتيجية مكافحة الإرهاب يمكن في حال تطبيقها بدقة أن تكشف عن الكثير من مصادر تمويل الإرهاب والشخصيات الداعمة أيضاً، مشدداً على أنه برغم الجهود الأمنية المتميزة؛ إلاّ أن هناك ثغرات تمويلية متجددة تُسهم في استمرار تدفق الأموال القذرة إلى أيدي الجماعات الإرهابية، لذا لا بد من تظافر جهود الجميع لوقف هذه الثغرات ومعالجتها؛ فالجهات الأمنية لا يمكنها السيطرة على جميع تلك الثغرات لأسباب مرتبطة بالمرجع، لافتاً إلى أنه يمكن الكشف عن ممولي الإرهاب أيضاً من خلال تدقيق العمليات المالية لبعض الأنشطة التجارية التي ارتبطت تاريخياً بالجماعات الإرهابية كتجارة العقار والعود والعسل والتي يمكن أن تكون من الأنشطة التي يستغلها بعض ممولي الإرهاب كغطاء لعملياتهم الإجرامية. تجفيف المصادر وأضاف أن سلطات الجمارك يمكن أن تؤدي دوراً فاعلاً في الكشف عن تهريب الأموال النقدية، أو الأسلحة والمخدرات التي يتم تحويلها فيما بعد إلى أموال تستغل في تمويل بعض العمليات الإرهابية كما أن الدور نفسه يمكن أن تقوم به قوات حرس الحدود، ويمكن أن تكون وسيلة من وسائل الكشف عن تمويل الإرهاب والجماعات الإرهابية، مبيناً أن هناك وسائل تمويل غير تقليدية أصبحت مصدراً من مصادر تمويل الإرهاب، كالتسول على سبيل المثال، وهو أمر يحتاج إلى مراجعة دقيقة للحد من انتشاره خاصة في الأماكن المقدسة التي تحقق لمرتاديها أموالا ضخمة. وأشار إلى أن التسول أصبح يحقق دخلاً عالياً لممتهنيه ما يجعلنا نعتقد أنه أصبح هدفاً لجماعات تمويل الإرهاب، كما أن المتابعة الدقيقة للمتسولين والتحقق من هوياتهم وجنسياتهم وأهدافهم ومراجعة حساباتهم المصرفية في حالة امتلاكهم لها يمكن أن يقود إلى الكشف عن أية أنشطة غير قانونية متعلقة بتمويل الإرهاب، مؤكداً أن اغلاق كافة الطرق والوسائل المؤدية إلى تمويل الارهابيين هو السبيل الأمثل لمحاربته؛ فالمال عصب التنظيمات الإرهابية، ووقود العمليات التخريبية، وتجنيد الأفراد؛ والعملاء، ومصدر الإنفاق على الخلايا النائمة والنشطة، ومراكز الإيواء والتدريب؛ لذا يجب أن تجفف مصادر التمويل أولاً لضمان ضرب مفاصل الجماعات الإرهابية ووقف أنشطتها؛ أو الحد منها بشكل كبير. أنواع التمويل وبين "د. ممدوح الروحاني" -مستشار وباحث في اقتصاديات التسويق والإعلام- أن هناك نوعين رئيسيين من التمويل للإرهاب، النوع الأول هو التمويل القادم من معتنقي هذه الأفكار والجماعات والمؤسسات الداعمة لها بصورة منهجية، وهي منظومة تمويلية معقدة تقوم بسلسلة من العمليات المالية للتمويه على المصدر والمقصد، لتظهر في الوهلة الأولى بأنها عمليات مالية وتجارية سليمة، مبيناً أنه كثيراً ما تستخدم مؤسسات واستثمارات وهمية لخلق غطاء قانوني وهمي لعملياتها، موضحاً أن مواجهة هذا النوع من التمويل لا يكون إلاّ من خلال مؤسسات رسمية متخصصة تعنى بالأمن المالي ومراقبة العمليات المالية للتأكد من صحتها وسلامة مقاصدها؛ مثل وحدات المراقبة المالية بالبنوك، ومؤسسة النقد، ووزارة المالية والأجهزة الأمنية المتخصصة، ذاكراً أن التعاون الدولي في هذا المجال يعتبر هاماً وحيوياً لمتابعة تمويل الإرهاب؛ لأنه كثيراً ما يكون عابراً للحدود. وقال إن النوع الثاني من التمويل الذي لا يقل أهمية عن الأول، هو التمويل القادم من المتعاطفين مع الشعارات التي تحملها الجهات الداعمة للإرهاب، التي غالباً ما تستخدم اثارة الجوانب العاطفية لتبرير أنشطتها وخلق مبررات وهمية تستسيغها هذه الشريحة من الممولين، لافتاً إلى أن هذا النوع من التمويل وإن بدا في الوهلة الأولى عشوائياً وغير ثابت، إلاّ أنه مصدر مُهم وحيوي لهذه الجماعات، فمبالغ التمويل الفردية مهما كانت صغيرة على مستوى الفرد الواحد إلاّ أنها تصبح أرقاماً كبيرة جداً عندما تتراكم من آلاف الداعمين، مشيراً إلى أن النوع الثاني من التمويل يخلق تحديات كثيرة أمام محاولات تجفيف منابع التمويل، فمن جهة، يتضاعف مصدر التمويل من عدد محدود من الجماعات الداعمة للإرهاب إلى الآلاف من الأفراد والمؤسسات، ما يجعل عملية المتابعة والمراقبة عملية معقدة وصعبة ودقيقة، أضف إلى أنه حتى عندما يتم التعرف على الجماعات الإرهابية الممولة وضبطها وإيقاف تمويلها، فإن النوع الثاني من التمويل "التطوعي" من الأفراد يستمر كرافد بديل للجماعات الإرهابية المستفيدة من التمويل. البوعينين: تجنيد «الخلايا النائمة» يحتاج إلى موازنات ضخمة..! ذكر "فضل البوعينين" أن الحديث عن عمليات التخريب النوعية؛ والخطط الاستخباراتية التي تضطلع بها بعض خلايا الإرهاب المدربة يقود إلى السؤال الأهم، وهو: من يمول هذه الجماعات، ومن يوفر لها الدعم اللوجستي والإعلامي؟، وهل تعتمد في تمويلها على مصادر خارجية صرفة؛ أم داخلية، بأوامر خارجية؟، مضيفاً أن تمويل جماعات الإرهاب أكثر تعقيداً مما يُعتقد، حيث تختلط فيه الأيدولوجية بالأهداف الاستخباراتية ما يساعد على توفير دعم سخي وغير منقطع من جهات متفرقة؛ يُعتقد أن التمويل الداخلي بات مصدراً رئيساً له، مشيراً إلى أن تنفيذ بعض العمليات الإرهابية قد لا يحتاج إلى أموال ضخمة، إلاّ أن الإنفاق على الخلايا النائمة وجماعات الإرهاب يحتاج إلى تمويل مستمر، ومبالغ مالية باهظة لا يمكن توفيرها بسهولة ما لم تكن هناك خطط مسبقة تضمن تدفقات التمويل من مصادر داخلية يصعب كشفها، مؤكداً أن هذه الجماعات التخريبية تحصل على دعم داخلي مستمر، أما التمويل الخارجي فما زال مستمراً برغم الحظر والمراقبة الصارمة؛ إلاّ أنه يبقى أقل حجما مما كان. وقال إن تجنيد العناصر البشرية؛ وتشكيل جماعات الإرهاب يحتاج إلى أموال طائلة؛ وموازنات ضخمة وجهود استخباراتية كفوءة، وإنفاق مستمر، إضافة إلى ما تحتاج إليه الخطط الاستراتيجية المكملة من أموال لإحداث التغيير الاستراتيجي على أرض الواقع، وحشد المؤيدين، مبيناً أن هناك فارقا بين العمليات الإرهابية الميدانية الأُحادية والعمليات الاستراتيجية الاستخباراتية الدائمة التي يُهدف من خلالها إحداث تغيير استراتيجي بعيد المدى يُمهد طُرق السيطرة والإدارة من الداخل، موضحاً أنه بالدعم المالي استطاع الإرهابيون شراء السلاح المتطور وتهريبه، واستئجار المساكن والمزارع والاستراحات، والصرف بسخاء على أفراد الخلايا الإرهابية، وأكثر من ذلك استخدم المال لشراء الذمم وتجنيد مجموعات من مخالفي أنظمة الإقامة لممارسة الإرهاب المنظم. الجذلاني: مراقبة العمل الخيري تقطع الطريق على الإرهابيين أكد "محمد الجذلاني" على أن من أهم الوسائل التي تحد من تمويل الإرهاب العناية بضبط ممارسات العمل الخيري والرقابة عليه والعاملين فيه، حتى لا يساء استغلال تدين الناس ورغبتهم في الخير، من خلال أشخاص تابعين لهذه الجهات الإرهابية، مطالباً بتفعيل دور الجهات والمنظمات والجمعيات الخيرية الموثوقة ودعمها، وتشجيع الناس على الثقة فيها؛ لأنها ستكون البديل الصحيح عن الجهات المشبوهة. وقال:"لابد من تخفيف الخناق على الجمعيات الخيرية الموثوقة، وزيادة عددها، وعدم حصر التبرع في جهة واحدة أو جهات قليلة، خاصة عند بعض الظروف المأساوية التي تمر بها بعض شعوب الأمة الإسلامية، والتوعية المستمرة والمكثفة للمجتمع والتركيز على فئات المجتمع البسيطة وعلى التجار الذين غالباً ما يكونون هم أكثر ضحايا حسن النية"، داعياً إلى بث تفاصيل الجرائم المالية التي تستهدف تمويل الإرهاب وإعلان وقائعها على الناس، وإعلان الأحكام الصادرة فيها والتشهير بمرتكبيها أسوة بجرائم الإرهاب الأخرى، وكذلك وجوب التركيز على شباب الوطن الملتحقين بالدراسة في الخارج، من خلال توعيتهم، ومتابعة أحوالهم، حتى لا يستغلوا في مثل هذه الأعمال كونهم أبعد عن عين الرقابة المحلية، ووضع أنظمة مالية دقيقة وصارمة لفحص كل الأعمال الخيرية التي تجمع لها الأموال كبناء المساجد أو غيرها من المشروعات الخيرية في الداخل والخارج. د. عشقي: غسيل الأموال وتمويل الجماعات الإرهابية لا يفترقان! شدد "د. أنور عشقي" على أن هناك خمسة محاور من شأنها أن تحقق نجاحاً لأي نظام حكم يرغب في القضاء على عمليات غسل الأموال والتمويل الإرهابي، وهي: بناء الإطار القانوني الذي يعاقب الممولين للإرهاب، وبناء نظام مالي رقابي يعرف باسم Financial Intelligence unit، إضافة إلى القدرة على تنفيذ الأحكام القانونية، ورفع الدعاوى القضائية، إلى جانب رفع الدعاوى النيابية والشرعية. وقال إن هذا يتطلب التركيز في الشفافية في تقديم الموارد والمصادر الخاصة بكل حكومة، والاتفاق على قيادة موحدة لتمويل برامج التدريب، إضافة إلى رسم خطة أو طريقة لتحديد المصادر والموارد المتاحة لكل حكومة بما يتفق مع الأهداف والاحتياجات الأساسية والمخاطر المحتملة، وتوفير الآليات وسبل القياس والمراقبة للنتائج للتعرف إلى القصور لعلاجه وسد الفجوات، وكذلك تحديد مهام وأدوار كل إدارة ومصلحة ومكتب في برنامج مكافحة التمويل الإرهابي، وتوفير سبل حل النزاعات الخاصة باستخدام المؤسسات الحكومية للتجارة، إلى جانب توفير المعلومات الوافية عن الجهود التي تبذلها إدارة مراقبة الأرصدة الأجنبية، وضرورة تقديم تقرير سنوي إلى الجهات الحكومية المختصة لتقويم الأداء. وأضاف أن الإجراءات التي أُتخذت لتخفيف موارد الإرهاب قد ساعدت على عدم تنامي الإرهاب بشكل متعاظم لكننا في حاجة إلى تضامن دولي يسير في إطار خطة واحدة لتجفيف منابع تمويل الإرهاب، مشيراً إلى أن هذه الخطة يجب أن تتضمن تجفيف المنابع الفكرية أيضاً؛ لأن تجفيف منابع التمويل المادي للإهارب سوف تكون قاصرة إذا لم تجفف منابع التمويل الفكري الذي استطاع أن يؤثر في الشباب في مختلف أقطار المعمورة. د. الروحاني: من يدفع بحسن نية لديه استعداد للقتال مع الإرهابيين! قال "د. ممدوح الروحاني" إن الجهود الكبيرة للمؤسسات المالية والأمنية للمتابعة وتجفيف مصادر تمويل الإرهاب تُعد رأس الحربة لمواجهة المنظومات الإرهابية، إلاّ أن هناك جانبا ثقافيا مهما لا ينبغي أن نغفل عنه، خصوصاً النوع الثاني من مصادر التمويل "التمويل الفردي التطوعي"، مؤكداً أن مجتمعات المنطقة في حاجة ماسة إلى تعزيز ثقافة التعايش والتسامح وتقويتها، مبيناً أن المحفزات والدوافع التي تدفع الأفراد للتبرع لهذه الجماعات وتمويل أنشطتها هي ذاتها التي تدفع بعضهم للانضمام إلى هذه الجماعات والسفر إلى المناطق المضطربة لدعمهم. فعندما تضعف ثقافة التسامح والتعايش في المجتمعات، ويزيد الشحن الفكري والطائفي وتعزز ثقافة الكراهية؛ حينها يصبح من السهل جداً استغلال عاطفة الناس والتغرير بهم وايهامهم بأن هذا التمويل جزء من عمل الخير. وأضاف أنه لا يمكن تصور تجفيف مصادر تمويل الإرهاب من دون تجفيف مصادر الفكر الداعم له، والسوغات الوهمية التي تحفز الآلاف بالمنطقة للتعاطف بالفكر والقول والتبرع والعمل مع هذه الجماعات، مشدداً على أنه لا يخفى على المتابع لما يحدث بالمنطقة أن أهم أداة تستخدمها هذه الجماعات بصورة مباشرة وغير مباشرة هو تعزيز الكراهيات وشحن المشاعر وإثارة النعرات الطائفية. واشار إلى أن هناك جهات خفية كثيرة تدعم هذا الشحن وتعزز ثقافة التعصب والكراهية والطائفية بصورة منهجية ومؤثرة، مبيناً أنه بقدر أهمية الجهود الكبيرة المبذولة لمتابعة وضبط مصادر تمويل الإرهاب، تكون أهمية تعزيز ثقافة التعايش والتسامح من خلال عمل منهجي ومنظم، يتكاتف فيه الجميع من المؤسسات الثقافية والتعليمية ووسائل الإعلام ورجال الدين وقادة الرأي ونجوم المجتمع، موضحاً أن تعزيز ثقافة التعايش والتسامح ليس فعلاً ثقافياً فحسب، بل آلية عملية مهمة وحيوية لمواجه تمويل الإرهاب. نص قانوني عرّف النظام جريمة تمويل الإرهاب بأنها:"كل فعل ٍ يتضمن جمع الأموال أو تقديمها أو أخذها أو تخصيصها أو نقلها أو تحويلها - أو عائداتها - كلياً أو جزئياً لأي نشاط إرهابي فردي أو جماعي، منظم أو غير منظم، في الداخل أو في الخارج، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، من مصدر مشروع أو غير مشروع، أو القيام لمصلحة هذا النشاط أو عناصره بأي عملية بنكية أو مصرفية أو مالية أو تجارية، أو التحصيل مباشرة أو بالوساطة على أموال لاستغلالها لمصلحته، أو الدعوة أو الترويج لمبادئه، أو تدبير أماكن للتدريب، أو إيواء عناصره، أو تزويدهم بأي نوع من الأسلحة أو المستندات المزورة، أو تقديم أي وسيلة مساعدة أخرى من وسائل الدعم والتمويل مع العلم بذلك، وكل فعل ٍ يشكل جريمة في نطاق إحدى الاتفاقيات الواردة في مرفق الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب". الحوالات البنكية مصدر للتمويل فلا تكن وسيطاً بحسن نية تبرع بمالك لمن يستحق ولكن كن واثقاً من وصوله إليه د. أنور عشقي محمد الجذلاني فضل البوعينين د. ممدوح الروحاني