رجع المنتخب السعودي بخُفي حُنين من رحلته إلى أستراليا، وتجرعنا مرارة الخسارة والإخفاق للمرة الثانية في أقل من شهرين، ليصادق هذان الإخفاقان على انهيار الكرة السعودية الذي ظل مستمراً طيلة عقد كامل دون أن تجدي معه المسكنات الوقتية والاستقالات والإقالات المتتالية للمدربين والإداريين وحتى لرؤساء اتحاد الكرة، في دليل قاطع على أن الخلل ليس في شخص وإنما في منظومة متكاملة تعاني من التفكك وغياب الفكر والتخطيط الاستراتيجي. لطالما كتبنا وقلنا إن الكرة السعودية تمر بأزمة حقيقية إن على الصعيد الفني، أو الإداري، وحتى العناصري، إذ ظلت منتخباتنا تسير بقدم واحدة.. كانت شرارة التدهور في العام 2002 في فضيحة ألمانيا، والتي تزامنت مع تألق غير عادي لمنتخبات آسيوية أهمها المنتخب الكوري الذي وصل لرابع العالم في إنجاز غير مسبوق لن يقلل منه استضافة كوريا لذلك المونديال.. شكلت اللجان واستنفرت كل الإمكانات والنتيجة انهيار جديد في كأس آسيا 2004 وتأهل ومشاركة خجولة في مونديال 2006 بُنيت على قدرات ماتبقى من الجيل الذهبي للكرة السعودية الذي شارك في مونديال 94. أهملنا القاعدة في الماضي.. فتخلى عنا الحاضر ومستقبلنا مجهول تعاني الكرة السعودية معاناة حقيقة، وبحق فإنه من الصعب حتى أن نقول إن ثمة ضوءا في آخر النفق، فقاعدة المنتخبات السعودية ترزح تحت وطأة الفوضى وإلغاء المعسكرات وضعف المشاركات وغياب الهوية الفنية وعدم الاستقرار على مدرسة تدريبية تؤسس لأجيال نبني عليها الطموحات، وهذه مسؤولية اتحاد الكرة ورئيسه من جهة، ومسؤولية الأندية التي تفرغت لصرف الملايين على لاعبين لم يجدوا حتى أندية الدرجة الثالثة في أوروبا لتستقبلهم، إذ غاب البناء الحقيقي في الفرق العمرية، ليتسبب ذلك بندرة المواهب التي تصل للفريق الأول، ما أوجد ندرة في العرض وتزايداً في الطلب على اللاعبين المتاحين في سوق الانتقالات، حتى صرنا نشاهد لاعبين بلا تاريخ وبلا منجزات تُصرف عليهم عشرات الملايين. لقد أهملت الكرة السعودية قاعدتها في الماضي وحصدت مازرعته من خلال نتائج كوارثية في حاضرها، غابت صناعة المواهب وغابت المدراس الحقيقية ولم نعد نشاهد مدربين برازيليين أو أوروبيين تقود الفئات العمرية في الأندية.. فقط مجرد مدربين عرب لا اسم ولا تاريخ لهم في بلدانهم جاؤوا ليسدوا رمقهم بمبالغ بسيطة تؤمن لهم حالاً ميسوراً فيما الأموال والمبالغ الكبيرة تُهدر على تعاقدات أجنبية فاشلة وعلى مدربين متشبعين أو عاطلين وعلى لاعبين محليين على طريقة مايطلبه المدرج لتشتعل حمى صراع قوة المراكز المالية للأندية على طريقة "دق الخشوم" لكسب تعاطف مشجعين ومغردين حتى وصلت الأسعار لأرقام فلكية تدفع لأنصاف وأرباع لاعبين لا يجيدون حتى القدرة على السيطرة على أنفسهم وكبح جماح رغبتهم باللعب الفردي وهو ماتجلى في لقاءي المنتخب أمام الصين وأوزبكستان، إذ تاه اللاعب السعودي وهو يقف أمام جدران دفاعية منظمة ولاعبين يطبقون ما يُراد منهم وليس مايريدونه هم. لا أسوأ من ذلك إلا تسطيح قضايا الكرة السعودية والمنتخب وحصرها بنصر وهلال واتحاد وأهلي، لتهطل أسئلة المتعصبين وسياط نقدهم على ظهر فريق الوطن وفريق الشعب السعودي الذي يمثل 20 مليون مواطناً ينتظرون من يرسم لهم الفرح.. لماذا لايشارك لاعب فريقنا ولماذا يختار المدرب عدداً أكبر من لاعبي منافسنا على حساب لاعبي فريقنا؟ هكذا فقط وبكل بساطة أصبحت قضية الشعارات والأندية أكبر وأهم من فريق الوطن دون الحديث عن الخطط والاستراتيجيات الحقيقية التي يجب وضعها والتمسك بها، والتعديل عليها متى ما دعت الحاجة حتى الوصول للهدف، في وقت يظن كثيرون أن الحديث عن التخطيط ووضع الاستراتيجيات مجرد تنظير وكلام في الهواء في حين أن أعظم فرق العالم بُنيت وخُطط لها لسنوات عدة حتى اكتملت تجربتها، وحتى لا نذهب بعيداً، هاهو منتخب الإمارات يقدم نفسه كفريق محترم يستطيع الذهاب بعيداً عن معظم منتخبات الخليج، لأنه فريق خُطط له وأُريد له أن يكون بهذا الشكل منذ عشر سنوات، وياليت اتحاد كرتنا الموقر يستعير هذه التجربة من الأشقاء الإماراتيين كما استعار الروماني كوزمين. أموال الأندية ضاعت على أنصاف لاعبين وأخطاء التعاقدات تتكرر يُهاجمون ناصر الشمراني الذي ارتكب خطأ جسيما حين تجاوب مع تفاهات مشجع وبادل اعتداءه اللفظي باعتداء، ولا يهاجمون ولا ينتقدون بنفس القدر نايف هزازي والسهلاوي اللذين تشاجرا على مرأى من الكاميرات، رغم أن الثلاثي ارتكب حماقات دون أدنى اعتبار لقيمة قميص المنتخب.. يتهمون أشخاصاً بالتدخل في تشكيلة المنتخب وأن الهلاليين يفرضون سطوتهم على المنتخب في حين أن الواقع يقول إن الهلال سيكون أكبر المتضريين حين يعود لاعبوه لمشاركة فريقهم بعد أن تعرضوا للإرهاق والاستنزاف البدني والنفسي حتى قبل أن ينتصف الموسم، ويطالب كثيرون بوجود عدد أكبر من لاعبي النصر في القائمة الرئيسية لأنه بطل الدوري والكأس، وهذه مطالبة منطقية نسبياً لكنها ليست صحيحة بشكل قاطع، فالفتح الذي حصد بطولة الدوري وكأس السوبر لم يحصل لاعبوه على أكبر نصيب من "الكعكة" وهنا أقصد التشكيلة التي يظن المتعصبون ومهرجو الفضائيات أن قائمة المنتخب الوطني مجرد كعكة يتقاسمها الأعلى صوتا والأكثر نفوذاً..!! في قطر خرج الفريق القطري من البطولة وتلقى خسارة مذلة من الإمارات برباعية نظيفة وهو الذي كسب كأس الخليج من أمام 60 ألف متفرج على أرضنا، ولم نسمع أصواتاً قطرية تهاجم مدرب قطر الجزائري جمال بلماضي بسبب محاباته لنادٍ ومحاربة نادٍ آخر، ولم يتحدث أحد عن وجود 7 أسماء من فريق السد في تشكيلة المنتخب القطري وهو ثالث الدوري في الموسم الماضي.. والسبب هنا ببساطة لأن المشهد الإعلامي والرياضي القطري لم يتصدره متعصبون مصابون بداء البحث عن الشهرة و "الفولورز". إن الكرة السعودية تتآكل وتنهار بسرعة غير طبيعية بسبب سوء التخطيط وعشوائية العمل وغياب المسؤولية لدى الأندية وجماهيرها وإعلامها، والمقصود هنا هو تفضيل مسؤولي هذه الأندية البحث عن منجزات وقتية عن طريق شراء لاعبين جاهزين على حساب إهمال القاعدة، في حين تتقاعس المؤسسة الرياضية واتحاد الكرة منذ سنوات عن أداء عملها وإيقاف هذا العبث من خلال التواصل مع الأندية ومحاولة إقناعها أو حتى إجبارها على الصرف والعمل على تعزيز العمل في الفئات العمرية.. أمام الكرة السعودية منعطف هو الأخطر بتاريخها، فليس ثمة مايوحي بأن هناك عملا ربما يعيدنا للمونديال في 2018 في روسيا، ولا حتى في قطر 2022 فاللاعب السعودي ينقصه الكثير ليقف بوجه اللاعب الأوروبي والأفريقي وحتى الآسيوي، واتحاد الكرة مطالب بالتحرك من أجل التعاقد مع أجهزة فنية مميزة للفئات العمرية بجانب مدرب يستطيع قيادة المنتخب لأربع أو خمس سنوات على الأقل، حتى يستطيع بناء منتخب قادر على الخروج بكرتنا من عنق الزجاجة ومن هذا الموقف العصيب.. لابد من التعلم من دروس التعاقدات الماضية، فلا نريد التعاقد مع مدرب بالتوقيت والمكان الخاطئين، نريد مدرباً وأجهزة فنية تفهم مشكلتنا وتضع الحلول والعلاج على المدى الطويل، إذ من غير المعقول أن تدفع الكرة السعودية ثمن التعاقدات السيئة والخاطئة مع 14 مدرباً خلال 13 عاماً، أي منذ المشاركة في مونديال 2002، وبالتالي كيف يمكن أن نعول على منتخبنا وهو يعاني من هذه التخبطات الإدارية في التعاقدات التي تضاف لكل هذا العبث بسوق الانتقالات والشحن الإعلامي والجماهيري فضلاً عن دوران الأندية في فلك العمل الوقتي. - أخيراً.. لك الله أيها "الأخضر".. ستعود عجلة الدوري للدوران وسننشغل بقضايا التحكيم واللجان وتبادل الاتهامات وننساك، رغم أنك الأهم.