قدمت الشوريات منذ دخولهن إلى مجلس الشورى الذي قارب على العامين إلا شهرا، ابتداء من أدائهن القسم في (19 فبراير 2013) الكثير خلال أكثر من مئة وستين جلسة (بمعدل ثماني جلسات شهرياً)، كما ذكرتُ من قبل: "بحلوها ومرها عصرتهن تحديات "فرق التوقيت" وفق تعبير د.فوزية أبو خالد، ليحاولن تحسس موقع أقدامهن وقضاياهن، ما بين الوقت المناسب وغير المناسب وما يقال وما لا يقال، وكيف يضمنّ أن تتُبنى قضية ستنجح في التصويت عليها؟ وكيف ينسقن جهودهن مع جهود بقية العضوات والأعضاء لتخرج بأفضل النتائج. إن حلم نجاح كل عضوة وعضو أن تُكلل جهود بحثهم واقتراحاتهم وتوصياتهم وتلمسهم لمتاعب ومشكلات المجتمع بنجاح وصول صوتهم وحل قضيتهم" (الرياض 23/6/2013). وخلال هذه المدة عاصرتْ وعصرتْ العضوات الكثير من التوصيات التي تهم المجتمع وتهم المرأة على وجه الخصوص، منها ما حصد تأييداً ومنها ما حصد مقاومة شرسة ومنها ما تدخلت الدولة في الفصل فيه كما تفعل آليات التعبير المجتمعية والسياسية في حدها الأدنى. وعلى الرغم من أن الإعلام التلفزيوني يغطي الجلسات أسبوعياً إلا أن متابعة ما يجري داخل المجلس تتجاذبه التيارات المختلفة الموجودة في المجتمع وكثيراً ما تستند كل مجموعة على وسيلة إعلامية تتولى تسليط الضوء على ما يهمها دون أخرى ما يجعل كثيراً من القضايا تخرج من سياقها الإصلاحي المفترض وتدخل في نطاق الصراعات الأيديولوجية أو الشخصية غير المفيدة، فلا تُغطى كل التوصيات بنفس الدرجة من الزخم أو تُثار وتناقش ما يفقدنا الكثير من الفرص التي تقدمها الكثير من العضوات والأعضاء. كما جرى حول توصية السياسة السكانية التي تبنتها ودافعت عنها عدد من الشوريات تتقدمهن الدكتورة لطيفة الشعلان بتأييد قرار الدولة بتنظيم النسل للمحافظة على الصحة الإنجابية للمرأة والحفاظ على مقومات التنمية الوطنية، والتي لاقت الكثير من الشد والجذب حتى عادت إلى خادم الحرمين الشريفين ليتخذ القرار النهائي حولها. ومن التوصيات التي بادرت بها الشوريات أو ساهمن في دعمها بغض النظر عن نجاحها: توصية رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، مناقشة مدونة الأسرة، وقانون التحرش، زواج القاصرات، وإتاحة ممارسة الرياضة البدنية للبنات في المدارس، ونظام الأحوال المدنية وخطة التنمية العاشرة. توصية مساواة المرأة بالرجل في الاستفادة من صندوق التنمية العقاري، والتوصية بتعزيز الخدمات الطبية المقدَّمة من وزارة الصحة إلى كبار السن، إيفاء حقوق المرأة المطلَّقة المحرومة من حضانة أبنائها، تمثيل المرأة في مجالس إدارات المؤسسات التي تقدم الخدمات إلى المواطنات كالمؤسسة العامة للتقاعد، التوصية لوزارة العمل بالتوسع في فتح مكاتب نسائية في جميع المناطق لمساعدة المرأة على إيجاد عمل، التوصية بفتح أقسام للنساء في صندوق التنمية لتدريبهن وتوظيفهن، وتوصية التوسع في توظيف الممرضات السعوديات في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومنحهن مميزات وإتاحة الفرصة أمامهن للابتعاث، والتوصية بتفعيل دور المرأة في الخدمات الإسعافية والهلال الأحمر لخدمة المجمّعات النسائية. (الشرق 24/9/2014) وقد عانت الكثير من الوزارات من شدة وطء نقد الشورى ولا سيما الشوريات اللاتي قدمن رؤية مختلفة من منظورهن للقضايا التي تتصل بالمرأة والأسرة والطفل، وعلى سبيل المثال أشير إلى توصيتين راوحت مكانهما في أروقة المجلس تبنتهما عضو مجلس الشورى الدكتورة حنان الأحمدي من بين عدد آخر من التوصيات، الأولى خاصة بتقرير وزارة الشؤون الاجتماعية التي كانت صادمة في الملاحظات عليها، والتي نأمل أن يكون حظها أوفر في ظل القيادة الجديدة، فقد رفعت الدكتورة الأحمدي صوت الفئات الخاصة والفئة المصابة بالتوحد على وجه الخصوص المحرومين من مراكز خاصة بهم تغطي احتياجات الأهالي والمراحل العمرية المختلفة لهذه الفئة (الجزيرة 5/12/2013)، ومؤخراً قامت بتبني توصية وضع لائحة تجرّم معرقلي المسعفين عند مباشرتهم الحالات الإسعافية النسائية ممثلة في لجنتها الصحية وتحمس لها الهلال الأحمر السعودي الذي يعاني من "تحديات من بعض الرجال عند مباشرتهم بعض الحالات الإسعافية للنساء، خصوصاً حالات الولادة والنزف المهبلي أو ما يشابههما من حالات خاصة، «يطلب فيها ولي أمر المريضة أن تكون عملية الإسعاف وسيلة نقل فقط من دون تقديم أية خدمة إسعافية». المؤسف في الأمر أن هذه التوصية البدهية للمحافظة على حياة النساء التي يتحكم فيها أولياء أمور غير مسؤولين وتخولهم هذا الحق أنظمة بحاجة لمراجعة، فالمؤسف أن هذه التوصية سقطت في آخر عرض لها في المجلس الأسبوع الماضي (الحياة 16/1/2014). المهم في الموضوع اليوم هو أن سقوط توصية أو نجاحها لا ينبغي أن يتحكم في حقوق إنسانية. فهل هناك خلاف على الحق في الحياة؟؟ إن كان هناك فرق بين حياة المرأة والرجل فنحن بحاجة لتقنين جديد حتى يمكننا التعامل معه وتجريم من يتجرأ على اقترافه. ما يجري داخل المجلس وإن كان مهماً في عكس ما يجري خارجه، لا ينبغي أن يكون هو صاحب الكلمة الأخيرة في أمور وقضايا مصيرية، مع أهمية ما يثيره من قضايا تحرك الساكن الذي طالما تناولناه في الكتابة والصحافة وما زال بحاجة لتحريك. وللحديث كثير من البقايا. لمراسلة الكاتب: [email protected]