استطاعت الأحداث الدرامية في الهجوم الدامي على صحيفة (شارلي إيبدو) الباريسية الأسبوع الماضي، وما صاحبها من تصعيد صوب الغموض وإماتة الأدلة من قبل الأمن الفرنسي، استطاعت أن تصرف الأنظار والعقول والاهتمام والمتابعة عن بؤر الأحداث الملتهبة في منطقة الشرق الأوسط، وكان قتل المشتبه فيهما في مقدمة الإجراءات التي جعلت عديداً من الأسئلة وعلامات الاستغراب تنتصب بشكل شرس، ولندع الآن هذا الجانب القانوني إلى حين، ولنستحضر جانباً آخر أكثر قانونية، كانت معالجته وتحقيق مقتضاه مرشحة وبقوة لتفادي ما حدث بعد ذلك، لنتفق في البدء على أن الإساءة إلى الأديان والمعتقدات والرموز الدينية بعامة محظور دولي تعاقب عليه القوانين العالمية، وتبعاً لذلك، لماذا لم تقم السلطات الفرنسية بما هو مطلوب منها قانونياً من أجل مساءلة منسوبي المجلة ومحاكمتهم عندما نشرت المجلة على رؤوس الأشهاد وأمام العالم كله النصوص والكتابات والرسوم التي سخرت وأساءت إلى أعظم رمز ديني عالمي على الإطلاق، خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي صنفه الغرب نفسه على أنه أعظم الرموز، وأنه أكثر الشخصيات العالمية إقناعاً وتأثيراً، في الوقت الذي لم يرتكب المسلمون فيه أي إساءة بأي شكل وبأي مستوى إلى أي رمز ديني غربي. والذي جعل الجريمة تأخذ بُعداً لا يطاق هو تكرارها بشكل سخيف سمج دون أن يرف للجهات القانونية جفن، ودون أن يكون هناك حضور بأي صفة للعدالة والإنصاف. فما الذي تنتظره الساحات العالمية والجهات الدولية من المحبين والمنتمين للمصطفى صلى الله عليه وسلم؟ أسارع الآن وأسجل أن القتل وإزهاق الأرواح والاعتداء وأخذ البريء بجرم المذنب أنها أساليب وسلوكيات مرفوضة في الأديان والقوانين الإنسانية، ولا يمكن لأي عاقل أن يدعو إلى استرداد الحقوق واستعادة الاعتبارات المصادرة بالعنف والإجرام، غير أننا لكي نتفادى ما يمكن أن يرتكبه الإنسان الموتور ينبغي أن نحق الحق وننحاز إلى جانب المظلوم، ولو لم نقم بذلك فإننا ندفع بالناس إلى اعتناق سيرة المجانين وشرائع الغاب. المتفق عليه أن الشيء الذي يجعل النفوس تقر بلابلها، ويمكن به للمنكوب أن يحتفظ بعقله هو أن يقف الشرع والقانون إلى جانبه ويرد إليه حقه المصادر. المحصلة النهائية في تناول محاور هذه الكارثة تشير إلى أن قيام الشرطة الفرنسية بقتل المشتبه فيهما جعل الأحداث والتحليلات والرؤى والمواقف تأخذ أبعاداً تقترب من السهولة فتقع في تفسير التخبط والعشوائية، وتنأى صوب حدود الغرابة فتعانق احتمالات التخطيط والمؤامرة، واستغلال ما يجري في مناطق أخرى من العالم. هل تريدون الصدق يا سادة.. ياكرام..؟ لقد أمست أحداث العالم ومصائبه وكوارثه ذات خارطة صعبة ومذهلة، وتعز على مفاتيح المعقول!!