مع بدء دورة الانتخابات الأخيرة لتشكيل مجلس إدارة الهيئة السعودية للمهندسين للدورة الخامسة وجب علي ان اقف محاولا تقييم اداء مجالس الإدارة للدورات السابقة. إن المتابع لأداء هذه المجالس لا بد ان يجد شيئا من الإنجاز وبعض التقصير، وهذه طبيعة الأمور، لقد كان للمجالس السابقة أداء وإنجازات متميزة وقد بذلوا الشيء الكثير في سبيل تطوير وتفعيل دور الهيئة السعودية للمهندسين، فقد كانت للدورة الثانية جهود في سبيل إصدار الكادر الهندسي كما أن هذه الدورة عملت على تأمين مصادر وموارد ذاتية وهذا امر حيوي، فاستقلالية الهيئة واعتمادها على مواردها الذاتية هو في حد ذاته مصدر قوة واستقلالية في إرادتها، إلا ان هذا الجهد لم يستمر بنفس الزخم في الدورات اللاحقة ولا يعني ذلك أن الدورتين اللاحقتين لم تحققا شيئاً وإنما يمكن القول إن سقف التطلعات ارتفع وحجم التحديات تضاعف ما أدى إلى صعوبة الإنجاز وبالتالي فإن تحقيق النتائج الملموسة لم يبت ممكناً بنفس الجهود. لن اتناول الأداء بالتفصيل فالمتابع للشأن الهندسي يستطيع ان يحدد أوجه القصور وما يهمنا هو معرفة أسباب ذلك القصور، فالقصور نسبي ويعتمد على الزاوية التي يرى منها الناقد، وأنا هنا سوف أناقش هذا القصور من وجهة نظر المهندس العامل في القطاع الحكومي آملا أن أكون محايداً في الطرح والتقييم، فقد عملت في القطاع الحكومي كما إني أعمل حالياً في القطاع الخاص بصفتي مدير أحد المكاتب الهندسية الاستشارية. من وجهة نظر مهندس القطاع الحكومي، فإنه لم يتحقق ما يتطلع إليه المهندسون في هذا القطاع من تصحيح لأوضاعهم المهنية على الرغم من الجهود التي بذلتها وتبذلها المجالس المتعاقبة، حتى أصبح هذا الملف شبيهاً بملف القضية الفلسطينية، وأصبحت كل دورة تورثه للدورة التي تليها دون تحديد المعوقات، فمن المعلوم ان الكادر الهندسي رفع مرات عديدة ووصل لأعلى المستويات إلا انه لم يتوصل أياً من الإدارات السابقة لتشخيص عملي للمشاكل والمعوقات الفعلية والذي بالتالي سينعكس على إيجاد حلول عملية مقبولة لدى صانع القرار، كما أصبحت المتابعة من قبل تلك المجالس لا تتعدى في أحسن الأحوال زيارات يقوم بها بعض الأعضاء، مشكورين، لبعض المسئولين وصناع القرار. وهنا يجب الوقوف وتقييم اداء المجالس في هذا الشأن، فمن وجهة نظر محايدة فإن تلك الجهود لا ترقى إلى المستوى المطلوب من ناحية وضع دراسة مستفيضة عن أوضاع مهندسي القطاع الحكومي في أغلب الجهات إن لم يكن جميعها وتحديد مهامهم ومسؤولياتهم من واقع وظائفهم ومسمياتهم ومراتبهم والتشكيلات الحكومية التي يعملون بها وبالتالي وضع تلك المهام والمسؤوليات تحت المجهر ودراستها بتجرد بعيداً عن التعصب للمهنة وإعادة إنتاجها بالشكل الذي يتناسب مع طبيعة أعمالهم ومؤهلاتهم وإعادة إنتاج ذلك بما يتناسب فيه المسمى بالمرتبة والمرتبة بالمهام والواجبات وبالتالي المسئوليات الواقعة على تلك الوظائف والصلاحيات الواجب الإضطلاع بها وانعكاس ذلك على الوضع العام لصاحب الموقع الوظيفي. إن أحد أسباب جمود الكادر الهندسي هو أن غالبية أعضاء مجلس الإدارة الحالي والمجالس السابقة يأتون من خلفيات غير معنية بالكادر بشكل مباشر، فهم في الغالب من الشركات العملاقة مثل ارامكو وسابك والاتصالات وغيرها من المنشآت والأجهزة المستقلة والتي يقودها في الغالب مهندسون، وأوضاع المهندسين فيها جيدة إن لم تكن ممتازة، أو أن يكونوا من خلفيات أكاديمية وهي لا تختلف عن سابقتها من ناحية بعدها عن عمل موظف الحكومة أو أن يكون من قطاع المقاولات وهم كذلك لا يعرفون الكثير عن هموم موظف الحكومة، وإن عرفوا فهم لم يجربوا وهم كذلك غير معنيين. إن الكادر الهندسي يجب أن يكون من أولويات المجلس القادم ويجب أن يصل إلى نتائج مرضية وذلك بطرح حلول جديدة، مرضية ومقبولة من جميع الأطراف، يحقق وضع أفضل لمهندس القطاع الحكومي وتقبله أنظمة الخدمة المدنية وتدعمه وزارة المالية، يجب ان يكون الكادر معقولاً في نظامه، غير متطرف في متطلباته ويجب ان يصاغ من خلال المساهمة الفاعلة من الجهات والأطراف المعنية وبشكل خاص من قبل المهندسين العاملين في القطاع الحكومي، يجب ألا يجتر المجلس القادم الكادر المقترح السابق فقد ثبت أنه، على رغم الجهود المبذولة في سبيل إصداره، غير مقبول من الجهات السيادية وصاحبة القرار. والله الموفق. *مهندس استشاري- مُحكّم معتمد